يقترب يناير/ كانون اﻷول من نهايته، وتدنو الهيئة الوطنية للانتخابات من غلق باب استقبال طلبات راغبي الترشح في الانتخابات الرئاسية المصرية، والذين لم يتقدم منهم بأوراقه أحد إلاّ الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فتقفز إلى اﻷذهان صورة لجان الاستفتاءات التي عهدتها مصر قبل 2005، لكن بين عشية وضحاها يظهر اسمه ليحول دون تحول الاقتراع عما هو مُفترض من مسار انتخابي، ويصبح للرئيس مُنافس من بين مؤيديه، إنه موسى مصطفى موسى.
من غيابات أروقة حزب الغد إلى مقرّ الهيئة الوطنية للانتخابات مباشرة ودون إنذار مُسبق، خرج موسى مصطفى موسى في اللحظات الأخيرة حاملاً مُسوّغات ترشحه في سباق تبدّل على قائمة متنافسيه المحتملين أسماء مُرشحين أكثر شُهرة ونشاطًا وربما شعبية، مثل أحمد شفيق وسامي عنان ومحمد أنور السادات وخالد علي، قبل أن تتفرق بهم الدروب بين منسحبين ثلاثة ومُبعد خلف أسوار سجن حربي تحيط أسواره أو أسوار سجن يشبهه بأحمد قنصوة، وهو عقيد شارك هؤلاء رغبته في الترشح؛ فحُكم عليه بالسجن 6 سنوات.
اقرأ أيضًا: فريق متمهّل وعقيد سجين ومحامٍ مُلاحق.. أي صُندوق تريده مصر في 2018؟
وعلى الرغم من أنه اسم غير متوقع تمامًا ﻷنه غير معروف بعيدًا عن حزبه الذي لا يوجد له ولو ممثل واحد في مجلس النواب الحالي، إلاّ أن موسى نجح في جمع 47 ألف توكيل شعبي "بهدوء" كما وصف بنفسه الأمر لصحيفتي "الأهرام" و"الوطن"، بل وبكسب ثقة 26 نائبًا برلمانيًا.
في انتظار مُرشح
صورة تعكس الديمقراطية ولابد لها أن تكون مكتملة، فالانتخابات الرئاسية وعلى الرغم من وجود مادة في قانونها- رقم 36- تعالج أمر ترشح شخص واحد فقط للرئاسة، إلا أن اقتصار المُرشحين على شخص الرئيس فقط كان مُزعجًا بصورة أو بأخرى لعدة رجال حول الدولة ونظامها، أحدهم مُصطفى بكري الذي تحول حسابه على تويتر، خلال الأيام الماضية، إلى منصّة تتلاحق عليها الأنباء التي تؤكد طرح اسم مرشح أمام الرئيس.
هرول سياسيون مؤيدون للنظام في دروب مختلفة من أجل توفير مرشح أمام الرئيس. وبينما العدّ التنازلي لإغلاق باب الترشح يتواصل، كان طرق أبواب الأحزاب السياسية ومحاولات إقناع الشخصيات العامة- المعروفة وشبه المعروفة- بالمشاركة لا يتوقف، أملاً في سد فراغ خلّفه المرشحين، لتظهر أسماء كان أبرزها رئيس حزب الوفد السيد البدوي- قبل أن تعود الهيئة العليا للحزب وترفض الأمر- ثم أحمد الفضالي، إلى أن انتهى الأمر إلى اسم موسى.
وبمجرد إعلان ترشحه، انتقل موسى من ظل اكتنفه كرئيس حزب شبه خامل سياسيًا، إلى الأضواء كمُنافس على أرفع منصب تنفيذي في الدولة تذكره اﻷخبار، ويُكتَب اسمه في محرّكات البحث، حتى لو تندّر البعض ممن اكتشفوا أنه مؤسس حملة تدعم ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية، وحتى لو اندهش البعض اﻵخر ممن يرون أيام "الغد" قد ولّت، بعد توهج قصير في منتصف العقد اﻷول من الألفية، سُرعان ما خفت بسبب صراعات كان موسى طرفًا أصيلًا فيها.
أيام "الغد"
بعد قليل من انتهاء الانتخابات الرئاسية اﻷولى في تاريخ البلاد بفوز الرئيس- آنذاك- حسني مبارك، واجه منافسه في تلك الانتخابات التي شهدتها مصر عام 2005، أيمن نور، اتهامات بالتزوير في توكيلات تأسيس حزبه السياسي "الغدّ"، انتهت به إلى حُكم بالسجن المُشدد 5 سنوات.
وفي وقت انشغال رئيس الحزب بالقضية، تنازعت على إدارة "الغد" مجموعتان، أولهما توالي نور وتضم زوجته حينها، الإعلامية جميلة إسماعيل، والثانية تضم أعضاء بالحزب كان منهم رجب هلال حميدة وموسى مصطفى موسى الذي كان نائبًا لرئيس الحزب قبل أن يُصدر نور قرارًا بفصله وثلاثة آخرين، وتعيين السفير ناجي الغطريفي بدلًا منه كنائب لرئيس الحزب.
ومن 2005 ولأعوام تلته حتى 2008، احتدم الصراع بين الجبهتين، لدرجة أن أعلن موسى عقد جمعية عمومية انتهت لقرارات بإسناد رئاسة الحزب له وعزل أيمن نور وتجميد عضوية أشخاص في جبهته، بل واستدعائهم للتجقيق أمام الهيئة العليا للحزب، بجانب ما كان في موقف آخر من وقف إصدار صحفية الحزب بقرار من حميدة وموسى، قبل ساعات من طباعتها.
لكن ذروة الصراع كانت في معركة دارت أمام مقر الحزب بوسط القاهرة، وأدت إلى اشتعال حريق به، ليتبادل الفريقان تقاذف الاتهامات حولها، وتعيش في الذاكرة حتى اليوم ليستخدمها مؤسس الحزب أيمن نور الآن وهو يطعن في شخص موسى، مَن اعترفت به لجنة شؤون الأحزاب عام 2011 رئيس لـ"الغد"، الذي انضوى فيما بعد ثورة 25 يناير تحت عباءة حزب المؤتمر المصري الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى.
يؤيد ويُنافس
موسى ابن لرجل سياسي مثّل ذات يوم دائرة باب الشعرية في النواب، وهو نفسه كان عام 2010 أحد أعضاء مجلس الشورى، في طفرة لطموحاته السياسية التي لم تبتعد كثيرًا- في غالبية مشواره- عن النشاط الحزبي، والذي كان أبرز أوجهه مؤخرًا تدشين حملة تحمل اسم "مؤيدون" لدعم ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة ثانية.
وعلى الرغم من أنه مؤسس حملة "مؤيديون" وحماسه للفعاليات التي تؤيد الرئيس، إلاّ أن موسى يحاول أن يبدو كمن يأخذ أمر ترشحه ومنافسته للسيسي محمل الجدّ، كما بدا من تصريحات إعلامية وحوارات أدلى بها خلال الساعات الماضية، بل وبرر تعارض الأمرين- التأييد والمنافسة- في حوار مع "اليوم السابع" بقوله إن التأييد شهدته مرحلة "لم يكن فيها منافسًا للرئيس، بل يؤدي معه دور لاستكمال مسيرة البناء".
وكشف المرشح الرئاسي عن أنه سيسعى لمناظرة السيسي، ونفى عن نفسه كلمة "كومبارس" التي كان البعض أطلقها بالفعل عبر فيسبوك وتويتر حتى من قبل إعلان ترشحه، قاصدين بها أي شخص سيقرر المنافسة في انتخابات رأوها "محسومة مُسبقًا"، بعد المسارات التي وضع عليها المرشحون الذين كانوا محتملون.
اقرأ أيضًا: نقلات على رقعة شطرنج انتخابية.. "التزوير" يُقصي سامي عنان
يؤكد موسى أنه، كأي مُرشح رئاسي، لديه برنامج انتخابي "يهدف إلى الحفاظ على الدولة المصرية"، وربما تكون هذه النقطة إحدى دوافع ترشحه، ففي موضع آخر قال الرجل عن انسحاب المرشحين وإحجام من عرض عليهم الترشح إن "هناك تعمّد في إحراج مصر أمام العالم، بانسحاب مرشحين ووجود مرشح واحد فقط".
بعد ساعات من إعلان اسمه، تحول موسى إلى مرشح وبدا جادًا في طرح خطاب سياسي يعجّ بتصريحات عن قضايا مُلحّة ومفردات من قبيل "البرنامج الانتخابي" و"العرس الديمقراطي"، بل إنه وبكل ثقة في شخصه كند انتخابي لم يتردد في دعوة جموع الشعب للمشاركة في عملية الاقتراع "لتتوج مصر بعرس انتخابي أمام العالم".