حساب المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي على إكس
رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي يتفقد ملعب كرة القدم في مجدل شمس ويلتقي زعيم الطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف، 27 يوليو 2024

لعبة العصا والجزرة بين إسرائيل ودروز فلسطين

منشور الأحد 20 يوليو 2025

لطالما مثّل الدروز في فلسطين قصةً شديدةَ التعقيد، تحولوا خلالها إلى مكون أساسي في الجيش الإسرائيلي بعدما كانوا جزءًا أصيلًا من فلسطين، وخاضوا رحلة شديدة المرارة اختلطت فيها أسئلة الهوية بمحاولات الاندماج.

في مطلع القرن الحادي عشر الميلادي، عام 1017، وفي فترة حكم الدولة الفاطمية بمصر، نشأت طائفة الدروز الدينية، الذين أطلقوا على أنفسهم لقب "الموحدون".

انتشر الدروز بشكل أساسي في المناطق الجبلية ببلاد الشام؛ جبل حوران، ويعرف أيضًا باسم جبل الدروز في السويداء، جنوب شرق سوريا، وجبل الشوف وعاليه وحاصبيا في لبنان، والجليل والكرمل في فلسطين.

لعب الدروز أدوارًا في مقاومة الدولة العثمانية ومحاولات فرض سيطرتها الإدارية والجبائية الكاملة على مناطقهم الجبلية. وفي مرحلة لاحقة تصدروا المشهد المقاوم للاحتلال الفرنسي لسوريا، عندما أطلق سلطان باشا الأطرش عام 1925 شرارةَ الثورة السورية الكبرى ببيان سياسي عسكري يدعو فيه إلى حمل السلاح.

واليوم، هناك نحو 150 ألف درزي يحملون الجنسية الإسرائيلية في الجليل والكرمل، ونحو 20 ألفًا في الجولان السوري المحتل الذي أعلنت إسرائيل ضمّه إليها عام 1981 ما زالوا متمسكين بهويتهم السورية ويرفضون الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

العصا والجزرة

قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948، لا توجد أي دلائل تشير إلى أن الدروز كانوا طائفةً منفصلةً عن بقية سكان فلسطين. على العكس، كانت القرى الدرزية في مناطق الجليل والكرمل تندمج بشكل طبيعي في الحياة الريفية الفلسطينية. شارك السكان في الزراعة والتجارة، وتفاعلوا يوميًا مع جيرانهم من مختلف الخلفيات.

وكان الدروز في فلسطين جزءًا من الحراك السياسي الذي واجه الانتداب البريطاني والتوسع الصهيوني في ذلك الوقت. 

رغم الضغوط الإسرائيلية شهدت القرى الدرزية حالات فردية وجماعية لرفض الخدمة العسكرية

ولكن في مايو/أيار 1948 بدأت مرحلةٌ جديدةٌ مع اضطرار الدروز للتفاعل مع الكيان الجديد، الذي أدركت قياداته أهمية الدروز كطائفة منظمة يمكن استغلالها، وبدأت تطبيق سياسات تهدف إلى فصلهم عن بقية السكان الفلسطينيين، ضمن استراتيجية تعتمد على التمييز.

ففي عام 1956، فُرض التجنيد الإجباري على الشباب الدرزي في الجيش الإسرائيلي. لم يطبق الإجراء نفسه على غيرهم من فلسطينيي الـ48 من مسلمين ومسيحيين. وقد وضَع هذا القرار الدروز في موقف حرج وأحدث انقسامًا داخل المجتمع الدرزي، بين من استجابوا للقرار ومن حاولوا مقاومته.

لكن في العام التالي، اعترفت إسرائيل بالطائفة الدرزية "جماعة قومية" منفصلة، ومنحتها محاكم دينية خاصة. هذا الامتياز أيضًا لم يُمنح لبقية الفلسطينيين، ومثَّل خطوة هدفت إلى عزل الدروز وإيهامهم بوضع خاص.

رغم الضغوط الإسرائيلية، شهدت القرى الدرزية حالات فردية وجماعية لرفض الخدمة العسكرية. تعرض هؤلاء الرافضون للسجن والحرمان من بعض الحقوق المدنية والوظيفية، لكنهم تمسكوا بموقفهم.

وبعد أن أعلنت إسرائيل ضمَّ الجولان السوري المحتل وفرضت قوانينها على أهاليه الدروز في عام 1981، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة رفضًا للضم ولفرض الجنسية الإسرائيلية على السوريين من أهله وأعلنوا الإضراب والعصيان المدني.

استمرت هذه الاحتجاجات أشهرًا، وواجه الدروز غير المسلحين إجراءات قمعية إسرائيلية، لكنهم أصروا على التمسك بهويتهم السورية، رافضين محاولات التهويد.

بالتزامن مع القمع، استخدمت إسرائيل أيضًا استراتيجية الترغيب، فمنحت امتيازات مالية مقابل الخدمة العسكرية، وضمنت لهم فرص عمل في القطاع العام والأجهزة الأمنية والبلديات الدرزية. وفّرت هذه الوظائف استقرارًا اقتصاديًا وترقيًا اجتماعيًّا لم يكونا متاحين لبقية فلسطينيي الـ48.

كما خُصصت ميزانيات أكبر لتطوير البنية التحتية والخدمات في القرى الدرزية ما أرسل رسالةً بأن "الولاء يحمل مكافآت". تزامن هذا مع تعديل المناهج التعليمية في المدارس الدرزية لترسيخ "هوية درزية إسرائيلية" وتهميش الارتباط بالجذور الفلسطينية.

ساهمت هذه السياسات في خلق انقسام داخل المجتمع الدرزي نفسه، بين فئة رأت مصلحتها في الاندماج وخدمة الدولة، وفئة أخرى أصرت على الحفاظ على هويتها الأصلية ورفضت التجنيد.

قانون القومية.. سؤال الهوية

حتى وقتنا الحاضر، لا تزال علاقة الدروز بإسرائيل تتسم بالتعقيد. فعلى الرغم من عقود من الخدمة العسكرية، فإنه عند مفترق الطرق في 2018، تكشَّف للدروز بوضوح أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وذلك بعد أن أقر الكنيست قانون القومية الذي ينص على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي".

هذا القانون أظهر بوضوحٍ أن الدروز، رغم تضحياتهم وخدمتهم في الجيش، لا يزالون يُعتبرون مواطنين من درجة أقل في دولة تُعرف نفسها بشكل عرقي وديني.

أثار قانون القومية استياءً واسعًا داخل المجتمع الدرزي، بما في ذلك بين ضباط وجنود سابقين في الجيش الإسرائيلي. نُظمت مظاهرات احتجاجية مطالبة بالمساواة الكاملة والاعتراف بهم مواطنين متساوين، إذ أدركوا أن خدمتهم العسكرية لم تضمن لهم المساواة الموعودة. وعاد النقاش حول التجنيد الإجباري يتصاعد بين الشباب الدرزي، وبدأ البعض يتساءل عن جدوى الخدمة في جيش دولة لا تعترف بهم ضمن إطارها القومي.

لم يكن ارتباط دروز فلسطين بأرضهم واندماجهم في مجتمعاتهم قبل نشأة إسرائيل محل تساؤل؛ لكن سياسات التجنيد الإجباري والتمييز الإيجابي جعلت الدروز في بحث مستمر عن تعريفٍ لمكانتهم وانتمائهم. لا يمكن وصف العلاقة يين الدروز وإسرائيل بالصداقة أو الولاء، بل هي قصة معقدة مرت بمحاولات السيطرة، ومحاولات المقاومة، والتكيف، والسعي المستمر نحو تحقيق العدالة وإثبات الهوية.