
نمر طنطا وأسد الفيوم.. لا تطلقوا النار على حيوانات السيرك
في ثاني أيام عيد الفطر، هاجم نمرٌ عاملَ سيرك بمدينة طنطا ما أدى لبتر ذراعه، وقبل نحو شهرين في محافظة الفيوم هجم أسدٌ في حديقة الحيوان على حارسه وقتله.
أثار الحادثان نقاشًا وجدلًا بشأن معاناة الحيوانات وإساءة معاملتها في أماكن احتجازها داخل السيرك أو الحدائق، إضافة لاتباع أساليب ترويضية وممارسات عنيفة لإجبارها على أداء حركات استعراضية تتعارض مع سلوكها الغريزي، وصولًا إلى قتلها بالرصاص حال خرجت عن السيطرة.
خلال عملية إنقاذ ضحية سيرك طنطا خلال افتراس النمر لذراعه، لجأ عامل آخر إلى طعن النمر بـ"شوكة تدريب" حديدية، كما أن العامل المصاب محمد البسطويسي لام على مدربة النمر وصاحبة الاستعراض الرئيسي في السيرك تخاذلها في قتل النمر أو إطلاق النار عليه باستخدام المسدس الذي بحوزتها للطوارئ.
وفي حادث حديقة الحيوان بالفيوم، وحسب الروايات، فإن الأسد سعد كان محبوسًا داخل قفص حديدي صغير بالحديقة، وكان جائعًا وتظهر عليه علامات الإرهاق، وحين فتح حارسه عم سعيد جابر، صاحب الـ47 عامًا، القفص الداخلي ليخرج أمام الجمهور، هجم عليه وقبض على رأسه بأنيابه ومخالبه، وحاول أفراد الأمن تخليصه منه فأطلقوا النار على الأسد وقتلوه، ونقلوا الحارس إلى مستشفى الفيوم العام، لكنه مات متأثرًا بجراحه.
بعد الحادث وبدلًا من استعياب الدرس والاتجاه لتقليل أعداد الحيوانات المفترسة في حديقة الفيوم، نشرت صفحتها على فيسبوك فيديو تعلن من خلاله ميلاد شبل جديد أطلقت عليه "سيمبا"، يبلغ من العمر 4 أشهر، ويظهر في قفص حديدي صغير لا يتعدى اتساعه مترًا، وحول رقبته طوق أزرق. ووفق الصوت الذي يعلق على الفيديو يُغلَق باب القفص على الشبل في الساعة 5 مساءً، ويُفتح ليخرج من القفص في تمام الساعة 8 صباحًا من اليوم التالي، ويحيا بعيدًا عن أبويه اللذين يعيشان في قفص خاص بهما.
تعذيب باسم الترفيه
مصحوبة بهشتاج "#معا_لمقاطعة_السيرك"، وشعار " لا للعنف ضد الحيوانات"، انطلقت حملة تدوين تلت حادث سيرك طنطا، شارك فيها إلى جانب ناشطي حقوق الحيوان فقط، فنانون وممثلون.
في بوست على فيسبوك، طلب المخرج مجدي الهواري بإنقاذ الحيوانات مما وصفه بجهل المدربين، قائلًا "أنا شايف إن فكرة السيرك أصلًا تخرق قانون البيئة اللي ربنا خلقها، الحيوانات المفترسة مكانها الغابة".
كما نشرت الممثلة أسماء جلال، عبر حسابها على إنستجرام، صورة لحيوانات بالسيرك تتضمن قردًا وفيلًا وأسدًا، يخفضون رؤسهم البادي عليها الحزن والتعب.
ويبدو أن الخطوط غير واضحة بين السلوكيات العادية، والمؤذية أو المسيئة لحيوانات السيرك، للدرجة التي تسمح لأحد مشاهير السوشيال ميديا يدعى سيد غنيم أو المذيع الفرفوش بأن يظهر في فيديو ممتطيًا ظهر أسد بسيرك محمد الحلو في الساحل الشمالي.
"تعذيب الحيوانات تحت ذريعة الترفيه داخل السيرك لسه بيحصل في مصر، رغم إن استخدام الحيوانات في عروض السيرك انتهى في دول العالم المتقدم لكن لسه عندنا بنتعامل معاه على إنه تسلية وقضاء وقت ممتع"، تعلق حنان دعبس رئيسة مؤسسة حماية الحيوان.
تدير حنان عبر مؤسستها غير الهادفة للربح ملجأ حيوانات في منطقة أبو النمرس بالجيزة، وتكشف لـ المنصة أنهم رصدوا خلال السنوات الماضية العديد من الوقائع بشأن تعرُّض الحيوانات للتعذيب داخل السيرك وحدائق الحيوانات، كان من بين أبشعها ترك أرنب صغير على قيد الحياة داخل قفص للثعابين بسيرك الحديقة الدولية بالقاهرة، لتتغذى عليه الثعابين إذا شعرت بالجوع.
وتشير إلى أنهم رصدوا أيضًا العديد من الوقائع داخل حدائق الحيوانات، خصوصًا حديقة الحيوان بالجيزة، التي تظهر فيها الحيوانات هزيلة وضعيفةـ، الأمر الذي نستنتج منه تجويعها وتعذيبها للانصياع وتنفيذ ما يُطلب منها من حركات استعراضية.
تتفق دينا ذو الفقار، الناشطة في مجال حقوق الحيوان والحياة البرية، مع رفض استمرار استغلال الحيوانات في عروض السيرك داخل مصر، وتتساءل "ما الرسالة التي نرغب في إيصالها إلى أبنائنا من رؤية الحيوانات في سيرك لا تتوفر فيه أساسيات رعايتها؟".
عفا عليه الزمن
تشير دينا ذو الفقار إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية شهدنا العديد من وقائع تعذيب الحيوانات داخل السيرك، أبرزها ظهور أسد في سيرك الفنانة فاتن الحلو تبدو عليه علامات التعب وهو يقف على قدميه مستندًا على قائم حديدي.
وتشدد على أننا نعاني فوضى وخللًا في إدارة ملف الاستعانة بالحيوانات للاستعراض داخل حلبات السيرك، حتى أن "الترخيص يصدر لصاحب الحيوان نفسه، فإذا افترس الحيوان أحد الأشخاص لا يُحاسَب صاحب المنشأة وإنما مالك الحيوان، ومن الأمور الغريبة أن تتولى نقابة المهن التمثيلية تدريب واختبار لاعبي السيرك، رغم أنه لا علاقة بين المهن التمثيلية والسيرك".
توضح دينا لـ المنصة أن احتياجات الحيوانات ليس الأكل والشرب فقط، ويجب أن يكون هناك استشارة طبية أسبوعية، ومكان ملائم للإقامة "من المؤكد أن المكان المناسب للإقامة ليس الأقفاص الحديدية أو الأرضيات القاسية التي تؤذي جسده".
تؤكد دينا على أن السيرك في الماضي كان جاذبًا للجمهور، ومع التقدم، أصبح "وضع حيوانات وحبسها داخل الأقفاص من أكبر صور القسوة والجرائم ضدها".
وحظرت كثير من الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة استخدام الحيوانات البرية في عروض السيرك لديها، ومن بين هذه الدول النمسا وبلجيكا وفنلندا. وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2014، قررت هولندا منع دور السيرك من الاستعانة بالحيوانات البرية في الفقرات التي تقدمها.
واعتبرت شارون ديكسما، وكيلة وزارة الاقتصاد الهولاندية، صحة الحيوانات أهم من استخدامها في الملاهي وأهم من التشبث بتقاليد عفا عليها الزمن، مضيفة أن الأقفاص الضيقة بالإضافة إلى الأسفار الدائمة بالنسبة لدور السيرك والتي لا بد منها، تعتبر نوعًا من التعذيب بالنسبة للحيوانات المكبلة.
تعذيب في الكالوس
تتعرض الحيوانات في السيرك للضرب والتعذيب، ولا صحة لما يقوله مدربوها بأنه يتم ترويضها من صغرها، كما تؤكد منى خليل رئيسة الجمعية المصرية للرحمة بالحيوان.
تكشف منى لـ المنصة أن حيوان السيرك من أجل تأدية فقرة أو حركة بلهونية واحدة فقط أمام الجمهور يتعرض لأيام من التعذيب والضرب والقسوة، والأمر بعيد كل البعد عن الودية والمحبة والعلاقة الطيبة التي يدعيها مدربو هذه الحيوانات.
تربى الحيوانات منذ الصغر داخل أقفاص حديدية ضيقة، وتُحرم من الحياة الطبيعية، وحينما تبدأ في خوض التدريبات، يستخدم المدربون معها العصا، خاصة الكهربائية، والسوط، "حتى يعلموها أنها إذا لم تنفذ الحركات المطلوبة ستجد عقابًا مهينًا، كما أنه حال مقاومتها ستجد ردة فعل تسبب لها ألمًا كبيرًا" تشرح رئيسة الجمعية المصرية كيف يتم ترويض الحيوانات.
وتؤكد على أن طاعة كائنات السيرك لا تأتي حبًا في مدربها، لكنها أفعال تصدر منها تجنبًا للتعرض للتعذيب أو الضرب أو الحرمان من الأكل، "السيرك بالنسبة للحيوانات هو سجن وتعذيب مستمر، ويجب التفكير في حياته داخل هذه الأقفاص قبل التصفيق للمدرب الذي هو في الحقيقة جلاد له".
مقترح برلماني
تقدمت عضوة المجلس آيات الحداد بمقترح لحظر استخدام الحيوانات المفترسة في فقرات السيرك بمصر، مؤكدة أن "هناك العديد من الدول اتخذت قرارات صارمة بحظر هذه الممارسات لما لها من آثار سلبية على السلامة العامة، والحياة الفطرية، وحقوق الحيوان".
وتدعو آيات للتصدي للإساءة للحيوانات، حيث يجري تدريبها بأساليب قاسية، مما يتسبب في معاناتها الجسدية والنفسية ويضطرها إلى ردود فعل كارثية تجاه المدربين، مشددة على ضرورة إلزام كل سيرك بمنع استيراد أو اقتناء أي حيوانات مفترسة لأغراض العروض الترفيهية، علاوة على فرض غرامات مالية وعقوبات صارمة على أي جهة تخالف القرار، تصل إلى الغلق الإداري.
فيما يدعو زكي عباس، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، لفتح تحقيق شامل حول حالات انتهاك حقوق الحيوانات بالسيرك والحدائق العامة، ويؤكد لـ المنصة أن حالات الانتهاك التي تظهر وتصورها الكاميرات ما هي إلا لقطة صغيرة من مشهد أوسع للانتهاكات بحق الحيوانات.
بالعودة إلى الناشطة في مجال حقوق الحيوان والحياة البرية، دينا ذو الفقار ، فإنها تقترح منع استعانة السيرك بالحيوانات، سواء البرية أو غير البرية، مع تغيير أساليب الاستعراض أمام الجمهور، وإنشاء محميات توضع فيها الحيوانات المهددة بالانقراض لمنحها فرصة التكاثر، وإصدار تشريع قانوني يكون من شأنه تشديد عقوبات الاستعانة بالحيوانات أو حبسها في أقفاص ضيقة داخل السيرك أو الحدائق.
وفي انتظار إقرار تشريع ينهي معاناة الحيوانات في السيرك أو المعروضة في الحدائق العامة والخاصة، يتمثل الأمل في حملات التوعية على السوشيال ميديا لتحسين ظروف معيشة الحيوانات المحتجزة، والضغط من أجل العثور على بديل آخر للحيوانات في فقرات الترفيه يضمن إبهار الجمهور وإسعاده دون الحاجة لاستنزاف سلام وأمان كائنات حية أخرى تشاركنا الحياة على الأرض.