حساب الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن" على تويتر
صورة من مدينة سدير للصناعة والأعمال بالمملكة العربية السعودية، 2016.

بيروقراطية أقل أرباح أكثر.. شركات الأدوية المصرية تضع قدمًا في السعودية

منشور الأربعاء 5 مارس 2025

مطلع هذا العام تحدثت تقارير صحفية عن نية ثلاث شركات مصرية إنشاء مصانع للأدوية في السعودية، لم يكن الخبر غريبًا حيث تعددت أخبار الاستثمارات المصرية في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، فما الذي يدفع هذه الشركات للتوجه نحو المملكة؟ هل هو رغبة في التوسع الاستثماري أم هروب من مصاعب يواجهها الاستثمار في مصر؟

حلم الـ100 مليار دولار استثمارات

تتشكل سوق الدواء المصرية من 172 مصنع أدوية، إضافة إلى 116 مصنع مستلزمات طبية، و120 مصنعًا لمستحضرات التجميل، وحسب ما يؤكده محيي حافظ، رئيس المجلس التصديري، وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأدوية لـ المنصة فإن السنوات الأخيرة شهدت توجهًا لافتًا من عدد من هذه الشركات نحو السوق السعودية.

من أبرز  الاستثمارات المصرية في السعودية كان اتجاه مالتي فارما، برئاسة أحمد العزبي، صاحب سلسلة الصيدليات الشهيرة، لتأسيس مصنع هناك، بجانب إيفا فارما وأبيكس فارما.

وتعد السعودية سوقًا كبيرة لتداول الأدوية، ويبلغ إجمالي مبيعات القطاع الخاص فيها خلال العام الماضي  7.425 مليار دولار، لتضعها هذه المبيعات الكبيرة في صدارة أسواق الدواء في المنطقة وتدفع شركات مثل Pfizer وNovartis لتأسيس مراكز رئيسية فيها.

لا تقتصر المغريات على حجم المبيعات، إذ تهدف المملكة لجذب استثمارات مباشرة سنويًا بقيمة 100 مليار دولار بنهاية العقد الحالي، وتحقق بالفعل أكثر من ربع هذا الرقم، وفي سبيل ذلك تخفف من أعباء الضرائب وتسهل التمويل للمستثمرين، وتظهر التقارير السعودية مؤخرًا تصدر المصريين لجنسيات الشركات الأجنبية المؤسسة هناك.

"من أبرز المحفزات بالنسبة لنا كان تخصيص أرض بشكل سريع بمساحة 50 ألف متر مربع بمدينة سدير للصناعة والأعمال" يصرح مصدر في إدارة إيفا فارما لـ المنصة، طلب عدم نشر اسمه.

في المقابل ظل المصنعون يشكون من ندرة الأراضي الصناعية في مصر حتى بداية العام الحالي عندما بدأت وزارة الصناعة في تكثيف طروحات الأراضي، لكنهم يشكون حاليًا من ارتفاع سعرها.

وتعمل إيفا فارما حاليًا على تأسيس مجمع صناعي يضم 5 مصانع في مدينة سدير القريبة من الرياض، ويشير المصدر أيضًا إلى أنه بجانب الإعفاءات الضريبية والجمركية التي تقدمها السعودية للمصنعين، فإن صندوق التنمية السعودي يقدم قروضًا كبيرة لعدد من الشركات المصرية لإنشاء مصانع أدوية.

لا بيروقراطية 

"إنشاء شركة في السوق السعودية يتم خلال أيام فقط، وتسجيل الأدوية يتم بشكل سريع جدًا"، كما يقول لـ المنصة مصدرٌ في مجلس إدارة شركة زيتا فارما التي تسعى لتأسيس مصنع في مدينة سدير الصناعية أيضًا.

"الحكومة هناك تقدم حوافز تشمل الأراضي، وتسهيلات ائتمانية، وإعفاءات ضريبية، إضافة إلى أنه في حالة التصدير للخارج يتم الحصول على دعم نقدي إضافي من الحكومة" يضيف المصدر، الذي طلب من عدم نشر اسمه 

ويشدد مسؤول في مجلس إدارة أبيكس فارما أيضًا على الأثر الإيجابي الذي تتركه إزالة العقبات البيروقراطية في جذب الشركات المصرية هناك "تسجيل الأدوية سريعًا و إمكانية الحصول على الأرض بمشاركة المستثمرين أو الحكومة كانت ضمن أبرز عوامل الجذب".

وبدأت أبيكس فارما التخطيط لافتتاح مصنعها في السعودية منذ 2018 لكن المشروع تأخر تنفيذه لعدة سنوات بسبب تداعيات وباء كورونا

ووفق المسؤول في إدارة أبيكس، فإن العديد من الشركات توجهت إلى السوق السعودية نتيجة المحفزات التي يجري طرحها بشكل مستمر، أبرزها تسجيل الأدوية سريعًا، والحصول على الأرض بالمشاركة مع مستثمر من القطاع الخاص أو الحكومة السعودية نفسها.

"الشركة حصلت على التراخيص خلال شهر فبراير/شباط الماضي، وننتظر الانتهاء من بعض الإجراءات داخل المصنع ومن المتوقع بدء الإنتاج خلال شهر مارس 2025"، يُفيد المصدر.

هروب أم توسع؟

على الرغم من الضغوط الحالية على القطاع الصناعي في مصر، فإن المسؤول في زيتا فارما يؤكد على أن التوجه للسعودية ليس لاعتبارها بديلًا عن العمل في مصر، لكن بغرض التوسع الإقليمي.

أسعار الأدوية في السعودية أعلى 3 أضعاف مقارنة بمصر

لكن واحدًا من أبرز العوامل التي يرى مصنعو الأدوية في مصر ميزة للسعودية فيها هو ارتفاع أسعار الأدوية في سوقها، ما يعني زيادة هامش الربح. ويقدر المسؤول في زيتا فارما أن أسعار الأدوية هناك ترتفع بنحو ثلاث مرات عن السعر في مصر بسبب تراجع الجنيه أمام الريال.

فيما يضع مسؤول إيفا فارما تقديرات أعلى لفارق السعر بين السوقين السعودية والمصرية، مقدرًا أنها في الأولى تزيد بنسب تتراوح بين 4 إلى 5 أضعاف عن الثانية، نتيجة تراجع قيمة العملة المحلية.

كانت وزارة الصحة اتجهت مؤخرًا  لتشكيل لجنة لمراجعة أسعار الدواء كل ستة أشهر، استجابة لشكاوى المنتجين من ثبات أسعار الدواء في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة للتعويمات المتكررة للجنيه، لكن هذه الشكاوى لا تزال مستمرة مع وضع "الصحة" للاعتبارات الاجتماعية في حسبانها قبل السماح بتحريك الأسعار.

تمويلات ميسرة وفائدة منخفضة

إضافة لهذا، تتمتع السوق السعودية بانخفاض أسعار الفائدة لديها في وقت تتبع فيه مصر سياسة التشديد النقدي للحد من ارتفاع التضخم، حيث يصل عائد الريبو (معدل الفائدة الذي تقترض به البنوك التجارية الأموال من البنوك المركزية) لدى البنك المركزي السعودي إلى 5% مقارنة بعائد الإقراض لليلة واحدة لدى البنك المركزي المصري عند 28.25%.

 ويمنح صندوق التنمية الصناعية السعودي تمويلات للشركات بتكلفة ميسرة، وهي من أبرز المحفزات على الاستثمار هناك، حسب  محيي حافظ عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأدوية.

"نتفاوض حاليًا مع عدد من البنوك السعودية للحصول على قرض بقيمة 50 مليون ريال، وتعد التكلفة الميسرة للتمويل في السعودية من أبرز الحوافز بالنسبة لنا" كما يقول المسؤول في زيتا فارما.

ويتفق المصدر في إيفا فارما مع القول بأن الإقبال على السعودية لا يقلل من أهمية مصر، بالعكس فإنه يعزز من انتشار المنتجات المصرية في الخارج "السوق السعودية ما زالت تعتمد بشكل كبير على الأدوية المستوردة، ما يجعل هناك فرصة كبيرة للشركات المصرية لسد هذه الفجوة عبر التصنيع المحلي، كما أن وجودنا هناك يعزز من انتشار منتجاتنا في منطقة الخليج عامة".

وحسب  علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، فإن "التنافس بين البلدين على جذب استثمارات الدواء لا يعني بالضرورة الصدام بينهما بل يمكن أن يتحول لفرص لتكامل الصناعة في الجانبين".

وفي هذا الصدد،  يؤكد لـ المنصة أنه في الوقت الذي تتمتع فيه السعودية بالموارد وتقدم تيسيرات عدة للمستثمرين تستطيع أن تتكامل معها مصر من خلال خبراتها الطويلة في هذه الصناعة "شركات الأدوية المصرية تمتلك قدرة تنافسية عالية بفضل جودة منتجاتها وأسعارها المناسبة ما يعزز من فرص توسعها في السوق السعودية".