بدأ الأهلي والزمالك مشاركتهما إفريقيًّا 1976، لكنها كانت مشاركةً خجولةً، لا سيما من جانب الأهلي، الذي بدأ مشوار بطولة كأس الأندية البطلة (دوري الأبطال حاليًا) بمواجهة مولودية الجزائر دون عدد من أهم لاعبيه بينهم نجمه الأبرز محمود الخطيب، دون أسباب قوية كالإصابة أو الإيقاف، في إشارة واضحة لعدم الاهتمام بالبطولة.
وحتى عندما قرر الأهلي في العام التالي المشاركة بقوته الضاربة، كانت تحذيرات غزل المحلة والاتحاد تتضح، وبدأت تحدث أمور لا يتصور أحد حدوثها في عالم كرة القدم. نحن لا نتحدث عن "أخطاء تحكيمية"، أو "تقصير في الاستضافة"، بل عمَّا يمكن أن نفهمه أكثر بذكر حدثٍ طريف.
في مباراة الأهلي مع هورسيد الصومالي على أرض الأخير، سدد الخطيب كرةً دخلت المرمى. دخلت ليس بمعنى أنها فقط عبرت الخط، بل هزت الشبكة، وارتدت للملعب، فأمسكها الحارس ليأمر الحكم باستئناف اللعب، وكأنها ارتدت من القائم مثلًا أو العارضة!
قرر الأهلي بعد مشاركته الثانية في 1977 عدم المشاركة إفريقيًّا في أي مسابقة، وصمد الزمالك نسختين أخريين، لكنه في النهاية اضطر ليحذو حذو الأهلي عقب ما حدث له في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي كانت تسمى آنذاك زائير.
كان الزمالك في ربع النهائي يواجه ناديًا اسمه "إيمانا"، وحقق أبناء ميت عقبة الفوز هنا بثلاثة أهداف لهدف. لكن في لقاء العودة، توقف اللقاء والنتيجة تقدم الفريق الزائيري بهدف نظيف، ما يعني تأهل المصريين للدور قبل النهائي، وهو الخبر الذي زفته جريدة الأخبار وقتها.
اليوم التالي تبين أن الزمالك خرج من البطولة، بعد سلسلة من الأحداث التي قد يستحي صمويل بيكيت من كتابتها في مسرحية عبثية، ملخصها أن مراقب المباراة تدخل لتوجيه الحكم نحو احتساب ضربة جزاء لصالح الفريق الزائيري. المراقب وليس مساعد الحكم أو من نسميه حامل الراية.
أدت الأحداث إلى عدم استكمال اللقاء واعتمد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم نادي الزمالك خاسرًا، ونادي إيمانا متأهلًا بفوز اعتباري، ليقرر الزمالك هو الآخر عدم المشاركة في البطولات الإفريقية لتبقى مصر سنة بعدها دون أي ممثل قاري حتى عاد المعلم عثمان أحمد عثمان، ولكن من خلال بوابة نادٍ مستقل لشركة "المقاولون العرب"، بدأ اسمه يسطع في الوقت الذي تولى فيه حسني مبارك مقاليد الحكم في مصر.
ليس لدينا ما يؤكد نوايا المعلم عندما أسس نادي المقاولون العرب في 1973. كان متداولًا وقتها أنه يسعى لبناء مدينة رياضية متكاملة في منطقة الجبل الأخضر، وأن النادي يسعى لتسيُّد إفريقيا. ومع خلفية مشاركات الإسماعيلي فضلًا عن نشاط شركة المقاولون في إفريقيا، بدا ذلك منطقيًا.
كان على النادي الوليد خوض المنافسات من الدرجات الأدنى، لكنه صعد إلى الدوري الممتاز سريعًا عام 1978، غير أن هذا غير كافٍ للمشاركة القارية. لم تكن مشاركة الوصيف وقتها ممكنة، بل لا بد من الفوز أولًا ببطولة محلية؛ الدوري أو الكأس وهو ما لم يحققه المقاولون حتى بداية الثمانينيات.
في موسم 1980-1981 يتأهل المقاولون لنهائي كأس مصر حيث يقابل الأهلي، وفي الوقت نفسه تتغير لائحة الكاف، فتسمح للوصيف بالاشتراك في أي مسابقة إذا تعذَّرت مشاركة البطل. وبذلك، ضمن المقاولون المشاركة القارية حتى من قبل خسارته أمام الأهلي.
في تلك السنة 1981، كان الأهلي قد عاد لمشاركة مبتورة في كأس الأندية البطلة، مبتورة لأنها توقفت عقب التأهل لنصف النهائي، بعد حادث اغتيال الرئيس أنور السادات على المنصة في احتفالات السادس من أكتوبر، وطالب الأهلي بتغيير مواعيد نصف النهائي، ورفض المنافس الجزائري، واعتُبر الأهلي منسحبًا. ومع تولِّي مبارك، تغيرت النظرة لمنافسات مصر في إفريقيا.
حتى الآن، لا يبدو واضحًا السبب المباشر خلف عناية مبارك الواضحة لكل ذي عينين بالمشاركات المصرية في البطولات القارية. لكنه على أي حال، وضع المشاركة القارية للأندية (وكذا المنتخب، غير أن الأندية لها عناية خاصة) في قمة أولويات الدولة، ليس فقط المشاركة بل الفوز كذلك، وطوال الثمانينيات، ظل الأهلي يشكو مر الشكوى من المشاركات الإفريقية، لكنه ظل يشارك ويفوز بها!
كانت الشكوى نتيجة قلة العائدات وكثرة الصعوبات، والمجهود المضاعف المبذول في السفر عبر بلدان القارة، من غانا لنيجيريا لزامبيا لبنين لإيسواتيني، والظروف لم تتغير، والتحكيم لم يتحسن إلا قليلًا، بالتالي كان المطلوب الفوز في القاهرة بأهداف كثيرة، حيث إن تحقيق نتيجة إيجابية في الخارج ولو بالتعادل أو الخسارة القليلة أمر شديد الصعوبة.
الغريب أن نادي المقاولون لم يكن يشكو مطلقًا من اللعب في القارة السمراء، بل إن أداءه ونتائجه خارج الأرض أفضل من داخلها. كان النادي الوحيد الذي يلعب للفوز خارج الديار (وكثيرًا ما حققه) حتى إنه في نهائي 1983 حقق الفوز في توجو ثم عاد ليتعادل في القاهرة، وهي نتيجة غرائبية.
فاز الأهلي والمقاولون إذن ببطولتي 1982، وفاز المقاولون منفردًا في 1983 بكأس الكؤوس الإفريقية، ثم فاز الأهلي ببطولات 1984، 1985، 1986، 1987 ما بين كأس الكؤوس والأندية البطلة، ومع فوز الأهلي والمقاولون تشجعت الأندية، وشارك الزمالك وحصد لقبين، كما شارك الإسماعيلي والترسانة، وإن لم يحققا ألقابًا.
كان الثمانينيات هو عقد الأندية المصرية في إفريقيا، حيث حصدت تسعة ألقاب، ويكفي هنا أن نشير لمانشيت الجمهورية يوم فاز المقاولون بأول لقب لكأس الكؤوس الإفريقية "فزنا بكأس إفريقيا.. مبارك سلم الكأس "لمصر".