في الأول من ديسمبر/كانون أول الجاري، أقيم حفل باستاد القاهرة، برعاية مؤسسة الأهرام، بدأ الإعلان عنه منذ منتصف شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي، تحت عنوان "حفلة القرن لنجوم الكاسيت"، وأُعلن عن حضور أكثر من عشرين نجمًا مشاركًا في الحفل، جميعهم من مطربي الثمانينات والتسعينات، الذين اختفى أغلبهم عدا قلة، يظهرون في أدوار مختلفة عن الغناء، كتقديم البرامج أو التمثيل بالأفلام.
في المؤتمر للإعلان عن الحفل قال منظموه إنه سيتكرر في دول أخرى، وأنشأوا صفحة نشروا بها الاتفاق مع أغلب المطربين الذين أُعلن عنهم، وهم محمد فؤاد، وسيمون، وإيهاب توفيق، وحنان، وعلاء عبد الخالق، ومنى عبد الغني، وحسام حسني، وداليا، وفارس، وعلي حميدة، وإبراهيم عبد القادر، وحسن عبد المجيد، وحمدي باتشان، وهشام نور، وإسماعيل البلبيسي، وخالد علي، وأحمد جوهر، ومنيب باند (كاستحضار للفنان أحمد منيب)، ثم انضم اليهم أحمد عدوية، ومحمد الحلو، وناصر المزداوي، وجواهر، وأحمد الشوكي، ومحمد محيي، وحمدي الجنايني، ليصل عددهم إلى 25 مطربًا ومطربة، في أكبر تجمع لعدد من الفنانين.
تم تسمية الحفل بحفل القرن لتكون كالعلامة على أكبر حفل موسيقي عربي، ولكنه لم يكن أكبر حفل بالقرن، لو كان هذا هو المقصد، فهناك الكثير من الحفلات التي أجريت، وشارك بها عدد أكبر، أو كانت أكثر تنظيمًا أو نجاحًا، كما أن القرن، كما يعلم الجميع، هو مائة عام، فهل يرى أحد أن هذا الجيل هو الأفضل خلال القرن الماضي؟ أم ماذا قُصد فعليًا بالقرن؟ ربما كان الأليق بهذا الحفل أن يسمى بحفل الجيل مثلًا، او حفل نوستالجيا التسعينات، ليكون واقعياً.
استدعاء النوستالجيا المتكرر
يقام الحفل كاستدعاء جديد لحالة النوستالجيا لموسيقى الثمانينات والتسعينات، التى ظهرت منذ سنوات في العديد من الوسائط الإعلامية، كالبرامج وأشهرها "صاحبة السعادة" لإسعاد يونس، التى حاولت استضافة كل من كانوا نجومًا في ذلك الوقت، لتذكر الماضي، والحنين له، والسؤال الدائم عن أسباب الاختفاء. كذلك العديد من الكتب التي ظهرت للحديث عن هذه النوستالجيا، في حنين لها تستدعيه ذاكرة كل من عاش هذه الفترة، خاصة فى ظل شبه الإفلاس الحادث فى موسيقى التيار السائد في فترتنا الحالية.
ولأنه لم يعد لهؤلاء النجوم وجود فى الوسط الموسيقي والإعلامي الحالي، حيث إنهم كانوا نجوم جهاز في طريقه للانقراض، وهو الكاسيت، ولم يعد لديهم ما يقدمونه، فكان الأمر كتبادل منفعة بين الطرفين؛ حيث تلتقي الأجيال الجديدة بما فاتها من أغنيات سمعوها وهم أطفال، وكانت ذات شهرة كبيرة، ولكنهم لم يشاهدوا هؤلاء النجوم، في عروض حية، إلا قليلًا، وكذلك أن يشعر النجم بوجوده، أو يكون ذلك بمثابة التكريم له، بأنه ما زال هناك من يسمعه ويريده، وأن أغنياته القديمة مازالت مطلوبة، فيعيد تقديمها.
الأغنيات التي تم غناؤها، خلال الحفل، كان أغلبها من أغنيات التسعينات، بينما لم تتواجد الثمانينات إلا في أغنيات قليلة، كأغنية محمد الحلو "منين بييجي الشجن؟"، التي كانت تتر المقدمة لمسلسل "ليالى الحلمية"، وكذلك في تجمع ثلاثي فرقة الأصدقاء: علاء عبد الخالق، وحنان، ومنى عبد الغني. بينما كان الظهور الأكبر لأشهر وأخف أغنيات كل مطرب، ففرض العدد الكبير للمطربين اختصار فقرة كل منهم في عدد قليل من أغانيه. وكان الاختيار لأشهرها متعمدًا، رغم أن كل مطرب منهم يعلم أن لديه أغنيات اعمق أو أجمل، يمكن أن يغنيها. لكن الهدف والرأى الأرجح أنه "هيا بنا نتذكر أيامنا الخفيفة، وموسيقانا الشبابية، ذات الطابع الخفيف على الأغلب، ونسترجع شبابنا"، لأن هذه الأغنيات هي ما سيجلب الجمهور، حيث أنها التي بقيت في ذاكرته، كأنها اختصرت تاريخ أغنيات كل منهم، ليكونوا كأنهم مطربي الأغنية الواحدة، رغم أن أغلبهم يملك الكثير من الألبومات.
صاحب الفكرة
أغرب ما فى الحفل أنه رغم ضمه لأغلب النجوم، الذين كان لحميد الشاعري دور في تاريخهم الموسيقي، والذي كان، كما يطلق عليه، موسيقي الجيل، والمقصود جيل هؤلاء المطربين والمطربات، إلا إنه لم يحضر الحفل، ولم يتحدث عنه، رغم أن بعض النجوم ذكروا أنهم كانوا يتمنون حضوره، ومشاركته، ووجهوا له الشكر. وكذلك الجمهور، الذي ظل يتساءل أين الشاعري مِن هذا الحفل، لكن بعد مرور الحفل أعلن الملحن أشرف السرخوجلي، فيما يشبه البيان، أن حميد الشاعري لم يشارك في الحفل لسببين، أولهما أن الفكرة قد سرقت منه، ونسبها آخر لنفسه، والمقصود هو أحد منظمي الحفل، والذي دعا أغلب الفنانين، وهو وائل غنيمي، واﻷمر الآخر أن حميد كان يجري اتفاقًا في دبي، مع مهندسي صوت ومتخصصي إخراج مسرحي، للإعداد لهذا الحفل، ليكون على مستوى الحدث، ويخرج بصورة أفضل في كل النواحي مما خرج عليه.
وبعد ساعات من هذا البيان (البوست)، استخدم وائل غنيمي حق الرد فكتب أنه لم يدعي أنه صاحب الفكرة، وإنها لحميد بالفعل، وتحفّظ على إيضاح كثير من اﻷمور؛ مثل "لماذا لم يشارك الشاعري؟" وقال أنه سيترك الأمر للشاعري نفسه، إن أراد الرد. ولكن الشاعري لم يرد. واكتفى بوضع علامة اﻹعجاب على بيان الملحن أشرف السرخوجلي.
على جانب آخر دار في البيانين خلاف حول حقوق الأداء العلني لبعض المؤلفين والملحنين. والذى أثاره السرخوجلي، حيث أنه عضو بجمعية المؤلفين والملحنين، ويرى أن هناك حقوق لنجوم لم يتم إعطاؤها لهم.
وفي محاولة لتجاوز الخلاف في هذه الازمة، دعا الفنان ناصر المزداوي إلى تصالح كل فناني جيل الثمانينات والتسعينات، الذين هم على خلاف، وذكر أسماءً منهم، يدعوهم للتشارك جميعًا فى حفل يؤكد الحب الخالص.
إمكانية العودة وكيفية الظهور
على الرغم من نجاح الحفل بالنسبة للمنظمين، وإعلانهم عن عرضه قريبًا على إحدى الفضائيات، وإن الحفلات ستستمر، كما أعلنوا مسبقًا، إلا إنه سيظل يعاني من الإفلاس أو الملل، لاختلاف الزمن وتأثيره في العديد من النجوم. كما أن ظهور الفنانين بشكل فردي، وكل منهم يغني أغنيته القديمة، كما هي، وقد أصبحت منتشرة في فضاء الإنترنت للمستمعين، فبينما لن يؤديها كما أداها في شبابه، ولم يحدث أي تجديد فيها. فما الجديد بالحفل للحضور؟
كذلك فإن الفنانين، في ظهورهم هذا، معرضون إما للشفقة لما وصل إليه حالهم، وكيف كانوا أجمل، وأصواتهم أفضل، أو للانتقاد، حيث إن للفنان مسئولية عن فنه، فإن أراد أن يحفظه، عليه أن يعرف كيف يصونه، لا أن يقضي عليه بنفسه دون وعي، كما يحدث في أحيان كثيرة.
ربما لو كان الشاعري معهم بالفعل، كان فى استطاعته إظهارهم جميعًا بشكل مختلف. فكان يمكن ان يفعل كما في السابق في أغنياته المجمعة للنجوم، "راحل معايا الليل"، و"أفريقيا"، وألبومه الذي جمع فيه الكثير من المطربين "العالم قام"، أو حتى ولو لم يكن للشاعري دور في الكثير من الأغنيات، كان يستطيع أن ينظم دخولهم بشكل ما، يكون مترابطًا أكثر، ويقوم بعمل الدويتوهات، التي كان يكثر منها. فربما حضوره كان سيجعل لحفلة للتسعينات شكلًا أفضل، أو بإعادة التوزيعات بشكل جديد. ولعله يحدث اتفاق أو تطوير للفكرة، خلال الفترة القادمة مع الشاعري، أو بدونه للإعداد للحفلات القادمة بشكل أفضل.