يُعرض حاليًا في دور العرض المصرية بالتزامن مع عرضه عالميًا، فيلم "فريق العدالة" (Justice League)، الفيلم الخامس ضمن سلسلة الأفلام التي تدور أحداثها فيما يُعرف بـ "عالم دي سي السينمائي"، وهو يأتي مكملًا لأحداث فيلم "فجر العدالة" "Batman v Superman: Dawn of Justice"، الذي عرض العام الماضي، وكان من إخراج زاك سنايدر.
وكان من المخطط أن يقوم زاك سنايدر بإخراج الجزء الجديد من السلسلة، حتى أنه قد بدأ العمل في فيلم "فريق العدالة" وشارف على إنهائه، إلا أن مأساة انتحار ابنته جعلته ينسحب من العمل قبل إتمام مراحله النهائية، ليقع الفيلم في أزمة حقيقية، اضطرت القائمين عليه البحث عن بديل آخر لإنقاذ الموقف.
وقع اختيار الجهة المنتجة للفيلم على المخرج جوس ويدن لإتمام المراحل النهائية للفيلم، آملةً أن يحافظ ذلك الاختيار على وحدة الفيلم وتماسكه، خاصة أن له خبرة سابقة في تقديم تلك النوعية من الأفلام، حيث قام بإخراج "المنتقمون" (Avengers) بجزئيه الأول والثاني، والذي تدور أحداثه في "عالم مارفل السينمائي" Marvel Cinematic Universe. إلا أن اختيار ويدن يُوقع الفيلم في أزمة أخرى، فمع اعتراض شركة "Warner Brothers"، الموزعة للفيلم، على النسخة التي أخرجها زاك سنايدر، قام ويدن بإعادة كتابة السيناريو مرة أخرى، مع كريس تريو، صاحب النص الأصلي، بما يتناسب مع أفكاره هو كمخرج للعمل، بالإضافة لإعادة تصوير العديد من أحداث الفيلم مرة أخرى، بتكلفة وصلت إلى 25 مليون دولار إضافية للميزانية الأصلية.
وقد جاءت محاولات المخرج جوس ويدن لوضع بصمته الخاصة، لتؤثر على الطابع الخاص الذي يميز الفيلم، الذي تدور أحداثه في عالم DC المتسم بالغموض والظلمة التي تغلف أجوائه، بالإضافة إلى خط درامي قوي متماسك إلى حد كبير، ليأتي الفيلم في نهاية الأمر خفيفًا على طريقة أفلام "مارفل"، وتصبح الكوميديا هي العنصر الأهم على شاشة السينما.
ولم تتوقف أزمات الفيلم عند هذا الحد، فمع قرار تقليص عدد ساعات الفيلم التي تصل إلى الثلاث ساعات إلى ساعتين فقط، لتتناسب مع العرض السينمائي، والاحتفاظ بالنسخة الطويلة للعرض المنزلي، يجد المشاهد نفسه أمام فيلم مرتبك وغير مترابط، بأحداث قافزة، دون تمهيد أو صعود درامي جيد، وخاصة في بداية أحداث الفيلم، الذي يشهد ظهور مجموعة جديدة من الأبطال الخارقين، كان من المنتظر التعرف عليهم بشكل أكبر في هذا الجزء من السلسلة، بعد الإشارة إليهم في الفيلم السابق "فجر العدالة"، من خلال تسجيلات ليكس لوثر، التي حصل عليها باتمان، حيث يظهر بها كل من: فلاش، وأكوامان، وسايبورج، وواندر وومان، التي حظيت بفيلم مستقل لها العام الحالي.
رسالة علي حساب النص
تبدأ أحداث الفيلم بظهور باتمان (بن أفليك) في سماء "جوثام"، وهو يطارد أحد الكائنات الفضائية، القادمة من عالم "دارك سايد"، المعروفة بالـ"بارا ديمُن"، والتي ظهرت في فيلم "فجر العدالة"، في تلك الرؤية التي منحها فلاش لبروس وين، وهو يطلب منه في نهايتها أن يبحث عن باقي الأشخاص من ذوي القدرات الخارقة، لمحاربة تلك الكائنات التي تهدد كوكب الأرض، ليجد بعدها بروس تسجيلات خاصة بكل من تلك الشخصيات، على جهاز الكومبيوتر الخاص بليكس لوثر. وتصبح رؤية فلاش هي النقطة التي تنطلق منها أحداث ذلك الجزء من السلسلة، حيث يتولى باتمان أو بروس وين مهمة البحث عن هؤلاء لإنقاذ الكوكب.
وقد استغل صناع العمل، في بداية أحداث الفيلم الفرصة لتوجيه بعض الرسائل، التي تعكس رأي مجتمع هوليوود، تجاه الخطاب العنصري الذي وجهه الرئيس ترامب، للشعب الأمريكي، خلال حملته الانتخابية، وكان محملًا بالكثير من العنف والكراهية تجاه الأقليات والمهاجرين. فتصاحب تترات البداية مجموعة من المشاهد المتتالية (فوتومونتاج)، ترصد حال المجتمع الأمريكي بعد رحيل سوبرمان، ويظهر رجل يحاول الاعتداء على امرأة مسلمة ترتدي الحجاب. وفي حوار لويس لين ومارثا كنت بالجريدة، يظهر شاب من أصول شرق آسيوية، يلعب دوره الممثل جاك يانج، ليناقشها في أمر يتعلق بالعمل. وفي معركة واندر وومان، في بداية الفيلم، تهبط هي من السماء على جماعة إرهابية، تحاول تنفيذ بعض التفجيرات لقتل المدنيين، لتقضي على الحضارة في أمريكا، وتعيدها إلى العصور الوسطي، حيث الخوف من الله، بعيدًا عن الآلهة الزائفة لهذا العصر -يقصد سوبرمان- علي حد قول رئيس تلك الجماعة (مايكل ماك إلهاتون)، الذي ما أن يري وندر وومان حتى يفزع قائلًا "أي شئ أنت؟"، لترد هي: "مؤمنة"!
أيضًا حين يتجه بروس وين لمقابلة باري ألن (فلاش)، ليقنعه بالاتحاد معه لوقف هجوم الكائنات الفضائية كما أخبره في الرؤيا، ينكر الشاب معرفته أي شيء عن ذلك، ولكن حين يعرض عليه بروس التسجيل الخاص به من مجموعة ليكس لوثر، يُعقب فلاش قائلًا: "يبدو لي كشاب يهودي، ولكنه بكل تأكيد ليس أنا".
وقد ظهر مُعتَقَد أن فلاش شاب يهودي عام 1989، من قِبَل قراء القصص المصورة، بعد صدور كتاب "الكريسماس مع الأبطال الخارقين"، حيث يتمنى هال جوردن (جرين لانترن Green Lantern) لفلاش عيد (حانوكا) سعيد، وهو عيد الأنوار في الديانة اليهودية. ليستغل صناع العمل تلك النظرية لاستكمال الصورة التي عمل الفيلم على إظهارها من اللحظة الأولى، وهي فكرة تباين تركيبة المجتمع الأمريكي.
وقد جاءت رسالة صناع العمل لتؤثر بالسلب على تسلسل الأحداث، حيث كان من المتوقع مع خفض عدد ساعات الفيلم على شاشة السينما، أن يمنح الفيلم في نصفه الأول فرصة للمشاهد للتعرف بشكل أكبر على مجموعة الأبطال الجديدة القادمة إلى عالم DC، وكيف اكتسبوا قدراتهم الخارقة. إلا أن المعلومات التي قدمها الفيلم عن كل منهم لم تزد عما قدمته تسجيلات ليكس لوثر. بدلًا من ذلك، عمل الفيلم على جعل أبطاله يرددون تلك المعلومات عن أنفسهم طوال الأحداث بصيغ مختلفة، من باب التأكيد، لينزلق الفيلم في نصفه الأول إلى مجموعة من الأحاديث الجانبية، ومعركة على الهامش لوندر وومان، كان يمكن الاحتفاظ بها في نسخة العرض المنزلي بعيدًا عن صالات السينما.
فريق العدالة
قدم الفيلم لمحات عن تاريخ الشخصيات المنضمة حديثًا إلى عالمه، فهناك سايبورج، الذي يعاني عدم قدرته التكيف مع وضعه الجديد، بعد قيام والده العالم سيلاس ستون باستخدام صندوق قادم من بُعد آخر، لينقذه من حادث تعرض له، ولكن بدلًا من ذلك يحوله إلى نصف آلي. وهناك فلاش الذي اتُهم والده في جريمة قتل والدته، وأكوا مان، الذي يلعب دوره جيسون موموا، يظهر مشتتًا بين الأرض وعالمه تحت الماء، نتيجة حادثة في الماضي تتعلق بوالدته.
يعاني جميع أبطال فيلم "فريق العدالة" عدم قدرتهم التغلب على آثار الماضي، فبالإضافة لمجموعة الأبطال الجدد، هناك وندر وومان التي انغلقت على نفسها بعد رحيل حبيبها أثناء الحرب العالمية الأولي، ولويس لين التي تخلت عن عملها في الصحافة بعد موت سوبرمان، وباتمان الذي حمل نفسه مسئولية موته. وقد كان من الممكن استغلال العقدة الملازمة لكل شخصية، لصناعة خيط درامي خاص بها في الفيلم، يجعلها السبب الذي يدفع هؤلاء للانضمام إلى فريق العدالة، إلا أنها سقطت من الأحداث، وسط إيقاع الفيلم المرتبك، رغم التمهيد الجيد لها في البداية، فلم يُشر إليها إلا في الفصل الأخير من الفيلم، بشكل مباشر من خلال خطبة يلقيها باتمان على الآخرين.
تتخذ أحداث الفيلم شكلًا آخر مع مهاجمة ستبنوولف -أحد أشرار عالم DC- وجنوده من الـ"بارا ديمُن" لعالم "ثميسكيرا" الخاص بوندر وومان، للحصول على صندوق تقوم الأمازونيات بحمايته، وكذلك مهاجمة عالم أكوامان للحصول على صندوق مماثل يقوم قومه من الأطلنطيون بحمايته، فتنضم مجموعة الأبطال الخارقين لباتمان، لحماية الصندوق الثالث لدى البشر، والذي استخدمه العالم سيلاس ستون من قبل لإنقاذ سايبورج.
صار طابع الجنون أو الأناركية، الذي يميز أشرار عالم DC، دون دوافع درامية حقيقية، سمة من سمات السلسلة، في مقابل جرعة من الأدرينالين، التي تصنع نوعًا من التوازن، يجعل الأمر مقبولًا لدى المشاهد. إلا أن ذلك التوازن قد فُقد مع شخصية ليكس لوثر التي قدمها الممثل جيسي أزينبرج في فيلم "Batman v Superman: Dawn of Justice"، ليتحول الأمر إلى مسرحية هزلية مع ستبنوولف، الذي ظهر في فيلم "Justice League"، حيث أخذ يتفوه بـ (كليشيهات)، ويطلق الكثير من الضحكات الشريرة، التي جعلت المشاهد لا يأخذ الشخصية على محمل الجد، خاصة مع الجرافكس (CGI) غير المقنع المصمم لها.
وقد أشار الفيلم إلى بطل أخر من أبطال عالم DC قادم إلينا، ربما في أفلام أخرى من السلسلة، حيث يظهر جرين لانترن في لقطة سريعة، أثناء رواية واندر وومان لباتمان عن تاريخ حماية الصندوق، أو فيما يظهر على أنه نسخة أخرى لتاريخ الأرض غير الذي نعرفه، قد اختلطت فيه الميثولوجيا الإغريقية بعالم DC.
ثقوب في النص
وقد كان لتغليب عنصر الكوميديا في الفيلم أثره في خلق الكثير من الفجوات أو التساؤلات، التي تحمل الكثير من علامات الاستفهام، تركها صناع العمل دون إجابة واضحة، ربما من باب التغافل، أو للاحتفاظ بعرض الإجابات لها في النسخة الطويلة المخصصة للعرض المنزلي. ففي اللقاء الأول بين فلاش وبروس وين، يُشير الأخير إلى البذلة الخاصة بفلاش ويُعلق بأنها مصنوعة من المادة المستخدمة كطبقة خارجية لمكوك الفضاء، حتى لا يحترق حين يخترق الغلاف الجوي للأرض، فكيف لشاب لا يملك عملاً ثابتًا،كما ظهر من حوار فلاش مع والده، الحصول على بذلة بتلك الموصفات؟
تُستخدم حركة الكاميرا البطيئة (slow motiom)، لرصد لحظات القتال الخاصة بفلاش، أو بمعنى أدق، وهو يقوم بدفع الآخرين وهو يجري بسرعة -على حد قوله- لإنقاذهم، إلا أن المخرج جوس ويدن لم يستخدم تلك التقنية ليجعل منها شيئًا فريدًا خاصًا بفلاش، لإظهار قوته الخارقة، بل جعل وندر وومان تقاسمه هذه التقنية، هي الأخرى، في مشاهد القتال الخاصة بها، لتفقد مشاهد الحركة في الفيلم عنصر الإبهار في أغلبها.
يصطنع المخرج المزيد من المشاهد الكوميدية مع عودة سوبرمان إلى الأحداث، حين يجعله ينافس فلاش في سرعته، وهو أمر غير منطقي رغم قدرات سوبرمان الخارقة، حيث يستطيع فلاش بسرعته كسر حاجز الزمن والسفر فيه. ولم تتوقف منافسة سوبرمان عند فلاش فحسب، بل جعل المخرج سوبرمان هو بطل أي قتال ينخرط فيه فريق العدالة، لتظهر القدرات الخارقة لباقي أعضاء الفريق مهمشة، مما جعل المعارك في الفيلم تظهر دون تصميم متقن.
أما عن الموسيقي التصويرية، فمع استبعاد المؤلف الموسيقي جانكي أكس إل من فريق عمل الفيلم، حيث وضع جانكي الموسيقي التصويرية لفيلم "Batman v Superman: Dawn of Justice"، بالتعاون مع هانز زيمر، لتتصدر القوائم الموسيقية على موقع اليوتيوب في ذلك الوقت، جاءت الموسيقي التصويرية لداني إلفمان، التي قام بتأليفها لأفلام باتمان التي عرضت في الثمانينات، في المقابل ضعيفة وغير مناسبة للعرض عام 2017، خاصة وأنه قد تم الاستعانة بها كما هي، دون تكلف عناء تقديم توزيع جديد لها، يحقق لصناع الفيلم (النوستالجيا) المرجوة من الإقدام على تلك الخطوة.
فيلم Justice League، ربما يمكن إعادة النظر إليه مرة أخرى، مع نسخة العرض المنزلي المنتظر إصدارها، والتي تصل مدتها إلى ثلاث ساعات كاملة، حيث يمكن أن تحقق للفيلم الإيقاع المتماسك، وتُعيد رسم الشخصيات مرة أخري بأبعاد واضحة، لتُجيب عن تلك الأسئلة المتعلقة بهم، التي تُركت دون إجابة على شاشة السينما.