سباق الرئاسة المصري حظي بمتسابقين جديدين في يوم واحد. لكن حظوظ منافسي الرئيس (الذي لم يعلن نيته الترشح بعد)، تبدو معلقة بأيدي القضاة لا الناخبين.
"أشرف أن أعلن عن رغبتي في التقدم للانتخابات الرئاسية القادمة في مصر، لاختيار رئيسها للسنوات الأربع القادمة، مؤكدًا على قدرتي مع الكثيرين من المتعلمين والمثقفين والخبراء في بلدي، على تخطي ما نعانيه من مشاكل."
بهذه الكلمات أعلن أحمد شفيق، رئيس وزراء مصر اﻷسبق، والمرشح السابق في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، رغبته في الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، ظهر يوم الأربعاء الماضي، التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني.
إعلان شفيق بالترشح للرئاسة سبقه بساعات قليلة إعلان أخر لأحمد قنصوة، عقيد مهندس بالجيش المصري، لرغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، المقرر اجراؤها في يونيو/حزيران العام المقبل. إعلان قنصوة جاء عبر ثلاث مقاطع فيديو، نُشرت عبر حسابه على يوتيوب، في نفس الساعة تقريبًا، وباللغتين العربية والإنجليزية، ومن ثم على حساباته الشخصية على فيسبوك وتويتر.
في فيديو اعتزام الترشح، والذي بلغت مدته قرابة النصف ساعة، بدأ ضابط الجيش خطابه قائلاً "هناك أمل. لو كان لدينا البديل، لم يكن أحدٍ ليتجرأ على الدستور، وقواعد العدل، والفصل بين السلطات. فمن البديل؟ أنا البديل! أحمد قنصوة ...". في الفيديو نفسه ذكر قنصوة المسارات القانونية التي اتبعها، لمحاولة نيل حقه في الترشح، والتي بدأت منذ 29 مارس/آذار 2014. وهو الأمر الذي شرحه بالتفصيل في فيديو آخر، نشر متزامنًا مع اﻷول، وجاءت فيه نصوص الطلبات والطعون المقدمة للجهات وللمحاكم المختصة، للموافقة على قبول طلب استقالته من الخدمة، كضابط في الجيش، ليحق له الترشح في الانتخابات القادمة.
بإعلان شفيق "رغبته" في الترشح، و"اعتزام" أحمد قنصوة الترشح كذلك، في ذات اليوم، بدا اﻷمر كإلقاء حجرين في مياه المشهد السياسي المصري الراكدة منذ قرابة الأربع سنوات. وقد تجاوز أثر اﻹعلانين تأثير إعلان المحامي الحقوقي خالد علي عن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في مقر"العيش والحرية"، أحد الأحزاب الوليدة من رحم ثورة 25 يناير، في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني. وربما تجاوز أيضًا أثر تصريحات منى برنس أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة قناة السويس لصحيفة الجارديان البريطانية، في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول، التي أعلنت فيها الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة قائلة: "أريد ان أكسر صورة الرئيس بوصفه شخصًا أشبه بالإله يعرف كل شيء".
شفيق.. إعلان.. فترحيل.. فاختفاء .. فتدقيق
لم تكد تمر ساعات قليلة على إعلان شفيق "رغبته" في الترشح من دولة الإمارات العربية المتحدة، حتى بدأت سلسلة من اﻷحداث الدرامية في المتسارعة. فأولا نشر شفيق فيديو آخر يعلن فيه إنه فوجئ بمنعه من مغادرة الإمارات "لأسباب لا أفهمها ولا أتفهمها"، على حد قوله مضيفًا "أرفض التدخل في شؤون بلدي، بإعاقة مشاركتي في ممارسة دستورية".
وهو الأمر الذي تلاه تعقيب وزير الإمارات للشؤؤن الخارجية أنور قرقاش عبر حسابه على تويتر بثلاث تغريدات متتالية بأنه لا يوجد عائق لمغادرة شفيق البلاد.
بعد يومين أعلنت دينا عدلي - محامية شفيق - أن السلطات الإماراتية قد قامت بإلقاء القبض على شفيق، ورحلته على متن طائرة خاصة إلى مصر. تلا ذلك وصول شفيق إلى مطار القاهرة، في الثامنة مساءً، ومغادرته سريعًا في سيارة مرسيدس سوداء يتبعها موكب، بحسب ما أكده صحفيون متواجدون في المطار. دون أن يلتقي بأقاربه الذين كانوا في انتظاره في المطار. ولساعات تالية انقطعت أخبار الفريق، بينما نشرت محامية شفيق بيانًا عبر صفحتها على فيسبوك تناشد فيه السلطات المصرية السماح لها بلقاء موكلها للاطمئنان عليه "والتثبت من وصوله فعلًا إلى مصر". وهو اﻷمر الذي تحقق لها فعليًا مساء اﻷحد، إذ أعلنت أنها قد التقت بشفيق في فندق، لم تسمه، بالقاهرة الجديدة. ولاحقًا ظهر الفريق شخصيا، وإن كان صوتًا بلا صورة، من خلال مكالمة هاتفية أذيعت على قناة فضائية مصرية خاصة، أوضح فيها أنه وقد أصبح اﻵن في بلده، فهو "يدقق" في شأن ترشحه للانتخابات الرئاسية.
على مسار موازٍ لهذه الأحداث، حددت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، جلسة 25 ديسمبر؛ لنظر دعوى مستعجلة تطلب حظر ترشح كل من بلغ عمره 70 عامًا لمنصب رئيس الجمهورية. وفي حالة صدور الحكم بحظر ترشح من بلغ عمره 70 عامًا، فإن أحمد شفيق لن يتمكن من الترشح لخوض انتخابات الرئاسة القادمة، إذ يبلغ من العمر 77 عامًا.
قنصوة.. حبس 15 يومًا
بينما كان الفريق ينتقل من "العزم" على الترشح إلى "التدقيق" فيه، شهد السبت، وقائع جلسة تحقيقات أجرتها النيابة العسكرية مع أحمد قنصوة، وبحسب محاميه أسعد هيكل فقد أصدر المدعي العام العسكري قرارًا بحبس أحمد قنصوة 15 يومًا حبسًا احتياطيًا على ذمة القضية. ويمنع القانون المصري على ضباط الجيش والشرطة ممارسة الحياة السياسية خلال الالتحاق بصفوف القوات المسلحة أو الشرطة المدنية سواء الانتخاب أو الترشح. وإن لم يكن من الواضح إن كان القانون يحظر إعلان نية الترشح أو يعتبرها ممارسة للحياة السياسية في حد ذاتها.
خالد علي.. في انتظار الاستئناف
على الرغم من إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة في أكتوبر الماضي، إلا أن المحامي الحقوقي قد يُحرم من فرصة خوض انتخابات الرئاسة القادمة والمزمع عقدها في يونيو /حزيران القادم، وذلك إذا أيدت محكمة استئناف حكمًا أصدرته محكمة جنح الدقي، بحبسه ثلاثة أشهر بتهمة ارتكاب "فعل فاضح" في الطريق العام أثناء مظاهرة أمام مجلس قضايا الدولة، عقب الحصول على حكم بطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، يناير/كانون الثاني الماضي. ومن المقرر أن تشهد محكمة الاستئناف نظر الدعوى، والتي تم تأجيلها عدة مرات، قس 3 يناير/ كانون الثاني من العام الجديد.
السيسي.. مستدعى لفترة ثانية، "علشان يبنيها"
في الوقت الذي تتيح فيه استضافة السلطات للفريق في فندقه وللعقيد في محبسه، فرصة التدبر في أمر ترشح كل منهما لمنصب الرئيس، فإن مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، لا يبدون حريصين على منحه فرصة مماثلة، فمن خلال حملة "عشان تبنيها"، التي تسعى لجمع توقيعات على استمارات تطالب الرئيس بالترشح لفترة ثانية، يصر محبي الرئيس على أن يكون هذا الترشح استجابة لاستدعاء الشعب للمشير لاستكمال مهمته (التاريخية). وإذ يبدو أن الساحة لا تزال خالية من المنافسين الذين انقطعت بهم سبل الوصول إليها، فربما لا يجد الرئيس بدًا من الرضوخ لرغبة المحبين.