تُعرّف الزينوفوبيا بأنها الخوف، أو الكراهية، أو التحيز ضد الغرباء أو الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم أجانب أو مختلفون عن المجتمع وثقافته. ينطوي ذلك على عداء وصراع متصور تجاه أولئك الذين يُشكّلون هذه "المجموعة الخارجية".
كلمة "زينوفوبيا" هي نتاج دمج الكلمتين اليونانيتين أكسينوس/xenos بمعنى غريب وphobos/فوبوس أي خوف. لذلك فإن ترجمتها الحرفية هي الخوف من الغرباء، لكن الاستخدام الشائع للمصطلح يشمل أيضًا التمييز العام والمواقف السلبية والسلوكيات العدائية تجاه المهاجرين والأجانب.
في اللغة القبطية والأصل اليوناني هناك مصطلح مضاد، وهو فيلوكسينوس/φιλόξενος، وينقسم أيضًا إلى مقطعين؛ "فيلو" ومعناها المحب و"إكسينوس" كما تعلمنا سابقًا غريب، وهو يعني مُحبّ الغريب. وفي تاريخ المسيحية هناك الكثير من آباء الكنيسة حملوا هذا الاسم، من بينهم معاصرون، أعرف شخصيًا منهم الراهب فيلوكسينوس المحرقي.
أسباب كاذبة للكراهية
منذ أكثر من سنة، تفجر الصراع المستمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مُسببًا خسائرَ كبيرةً في الأرواح ونزوحًا للمدنيين وتدميرًا للبنى التحتية، لا سيما في الخرطوم وغيرها من المدن الكبرى. وقد كان لمصر، كونها دولةَ جوار للسودان، نصيبها من هؤلاء النازحين المدنيين.
تحمل التصريحات التي تزيد التحريض ضد اللاجئين الكثير من المغالطات
استقبلت مصر من قبل أعدادًا كبيرة من النازحين المدنيين الذين فرَّوا من حروب دامية في بلادهم، خاصة من السوريين، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي في السنوات الأخيرة أدى إلى تصاعد النبرة السلبية لكثير من المصريين ضد المهاجرين من السودان. تضمنت الكثير من الزينوفوبيا، وما يصاحبها من خطاب كراهية للأجانب، خاصة على السوشيال ميديا.
تحمل موجات الزينوفوبيا هذه خطابًا معاديًا للاجئين في مصر وتطالب بترحيلهم، أو تأديبهم بالعنف، أو مقاطعتهم وعدم التعامل معهم. وهي تستند في الأغلب على معلومات خاطئة، بعضها وللأسف مصدره الحكومة المصرية، لتبدو وكأنها تعلق على شماعة اللاجئين فشلها الاقتصادي، وهو أمر غير صحيح، فجميعنا نعلم جيدًا أسباب هذا الفشل الذي سبق موجة اللاجئين السودانيين.
ومن بين هذه المعلومات الخاطئة، ما صرح به رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأن عدد الوافدين إلى مصر بلغ تسعة ملايين ضيف ولاجئ، تبلغ التكلفة المباشرة لاستقبالهم أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا، تتحملها الدولة.
تحمِل مثل هذه التصريحات التي تزيد التحريض ضد اللاجئين الكثير من المغالطات، فعدد اللاجئين المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر بلغ 670 ألف لاجئ، وهؤلاء يتلقون معونة من المفوضية، وتتلقى مصر أيضًا مساعدات من جهات دولية من أجل دعمهم. أما بقية الأعداد التي أشار إليها رئيس الوزراء، لو أنها دقيقة، فهي تشمل جميع المقيمين في مصر بصفة دائمة من الأجانب.
يتنوع هؤلاء الأجانب بين الطلبة في الجامعات المصرية وأصحاب الأعمال التجارية، بالإضافة إلى الروس والأوكرانيين المقيمين في البحر الأحمر، وهم يعيشون في مصر على نفقتهم الخاصة ولا يشكلون عبئًا على الاقتصاد المصري. بل وأيضًا يدفعون مقابل تجديد إقاماتهم واستخراج أوراقهم مما يعد مصدر دخل لميزانية الدولة المصرية.
في نظام اقتصادي صحي وسوي، يُعدُّ وجود اللاجئين والأجانب ميزة وفائدة للدولة المضيفة وليس عبئًا. حسب دراسة قامت بها مؤسسة جلوبال ريفيوجي الأمريكية، يمثل وجود مهاجرين ولاجئين في دولة مستضيفة فائدة كبيرة لاقتصاد هذه الدولة لو تم التخطيط له بشكل جيد. وعندما يجد اللاجئون موطئ قدم لهم في الدولة المضيفة، فإنهم يساهمون بإيرادات ضريبية كبيرة، ويحفزون الاقتصاد، ويزيدون الإنتاجية، ويحسنون أجور العمال المحليين، ويعززون الابتكار، وغالبًا ما سيشجعون التجارة الدولية بسبب ارتباطاتهم ببلدان مختلفة.
هل نترك اللاجئين للموت؟
اللاجئون السودانيون أبرياء من كل تهم إفساد الاقتصاد التي ألصقت بهم في محاولة من النظام لتحميلهم مسؤولية أخطائه. أما قبولهم، فهو قضية متعددة الأوجه لها اعتبارات أخلاقية وإنسانية واقتصادية واجتماعية، وهو قبل ذلك كله التزام قانوني، كون مصر واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تلزم الدول الموقعة بحماية طالبي اللجوء.
قد يكون هذا اختيارًا شخصيًا بين الخير والشر، فأمامنا بشر يهربون من جحيم الحرب، بل ويتعرضون له وهم في طريقهم لمصر. فهل منا من يستطيع أن يتعايش بذنب رد من لجأوا إليه هربًا من الموت؟ هل تتحمل ضمائرنا موت إنسان لأننا أغلقنا الباب في وجهه وتركناه للموت؟
منذ بضعة أيام شاهدت موقفًا أيقظ هذه الأسئلة. فعلى وقع حملات كراهية اللاجئين والأجانب، كنت أطلُّ من شرفة منزلي في مصر الجديدة، بينما يسير على أول الشارع أربعة شباب سودانيين. من الجهة المقابلة، كان عامل توصيل طلبات على دراجته البخارية يتجه ناحيتهم، ما إن اقترب منهم، حتى فتح ذراعيه وصاح بأعلى صوته: أهلًا بيكم في بلدكم مصر.
لم يتعدَّ الموقف بضع ثوانٍ، ولكنه كان كافيًا بمنحي بعضًا من الأمل في أنَّ المصريين ليسوا مصابين بالزينوفوبيا، بل معظمهم فيلوكسينوس. ولطالما أحببت هذا المصطلح، الذي يحمل في داخله دلالة الطبيعة الخيِّرة للبشر، التي أؤمن أنها هي الأصل فيهم، وفي القلب منها حب الغريب والترحيب بمن هم في ضيقة.
فدعنا نترك الزينوفوبيا، ونصبح كلنا فيلوكسينوس.