حرمان من التبني أو تركة الزوج، وفي أحيان أخرى من حضانة الأبناء، أو من رضا الكنيسة، أو عزوف الأهل، كلها مُشكلات تواجهها المصريات المسيحيات منذ عقود، وتؤثر في أبسط وأدق تفاصيل حقوقهن وحرياتهن الشخصية، حسبما كشفت عنه ورشة عمل "تقاطعية التمييز ضد المرأة المسيحية في مصر".
وشهدت ورشة العمل التي نظمتها، مساء أمس الأحد في مقر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مجموعة "مواطنة" المعنية بمواجهة التمييز، نقاشات بين الحضور ومتحدثيها، الكاتبة الصحفية كريمة كمال، ومديرة مؤسسة قضايا المرأة عزة سُليمان، ووكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) إلهام عيداروس، حول وضع المرأة المسيحية في مصر وصور التمييز ضدها، مع بيان بعضُ من أسبابه وآليات للمواجهة وسبل تحسين أوضاعها.
بقوة القانون
كشفت نقاشات الحضور عن دور المنظومة التشريعية والقضائية في تكريس التمييز ضد المسيحيات، عبر ممارسات تنتصر في مُجملها لأبناء الأغلبية، مع وجود عراقيل أمام إصدار تشريعات تنتصر للمساواة.
وعدّدت الكاتبة الصحفية كريمة كمال أزمات المرأة المسيحية بين ما يتعلق بالطلاق والزواج الثاني والمواريث وحضانة الأطفال، وفي مقاومة عدد كبير ممن لا يواجهون مشكلات أحوال شخصية لحل الأزمة، والمتمثّل في إباحة الطلاق وكذلك الزواج المدني بعيدًا عن الكنيسة، وبقوة نصوص قانونية تساوي في المعاملة بين الجميع.
وفصّلت المحامية الحقوقية عزة سُليمان ما تعانيه المرأة المسيحية على مستوى الأحوال الشخصية، ومنه حضانة الأبناء في حالة طلاقها من زوج مُسلم، إذ يُبيح له إقامة دعوى قضائية لاسترداد الحضانة قبل انتهاء الفترة القانونية الممنوحة للأم، بحجة أنه "يخشى على دين أبنائه"، مضيفة أن "كثير من القُضاة يحكمون لصالح الأب المسلم".
"المرأة ليست وعاء، ومن حقّها السلطة على أبنائها"، تقول عزة سليمان إن مؤسسة قضايا المرأة- التي تُديرها- رفعت منذ العام الماضي هذا الشعار، ردًا على ذلك المنطق في التعامل مع المسيحيات سواء المطلقات من مسلمين أو ممن تحول أزواجهن للإسلام وطالبوا بضم الأبناء لحضانتهم، قائلة إنه في الحالة الثانية التي يكفلها القانون للأب "يكون الأولاد غالبًا تربوا في الكنيسة، وعلاقة بأبيهم منقطعة؛ ما يتسبب (بعد تحولّهم لدينه الجديد) في أضرار اجتماعية ونفسية".
وتحدثّت "سُليمان" عن الميراث بين الزوجين غير المنتمين لدين واحد باعتباره مشكلة أخرى، قائلة إنه يتم التعامل قانونيًا ومجتمعيًا مع الأمر بمنطق "مفيش ميراث عابر للأديان، وذلك دون نص ديني في المسيحية أو الإسلام يمنع الأمر"، ما يدفع المتضررين "للتحايل على الأمر، بعقود البيع والشراء".
أما وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية إلهام عيداروس، فتطرقت لقضية التحول الديني، قائلة إن "السبب الأول لكارثة العنف الطائفي المُترتب على التحول الديني، سواء بصورة عامة أو ضد المرأة المسيحية بشكل خاص، هو أن مصر ليس بها تحول ديني إلا في اتجاه واحد، من المسيحية للإسلام؛ ما يدفع الفئة الممنوع التحول لديانتها للشعور بالعار والنقض والاضطهاد حين يتحول أبنائها للجانب الآخر، خاصة لو نساء".
وأكدت "عيداروس" أنه لا يوجد حُكم صريح من المحاكم المصرية يمنع قانونًا التحول الديني من الإسلام للمسيحية "إلا أن اﻷمر فعليا وبحكم كل ما في الواقع ممنوع"، مُدللة على ذلك بقضية المتنصر محمد حجازي (بيشوي) وما تعرض له من ملاحقات أمنية وقانونية.
وعقدت الناشطة النسوية مقارنة بين ما تعرض له "بيشوي" وبين ما يتم رصده "ﻷكثر من مرة" في تعامل مؤسسات الدولة مع حالات تحول فتيات مسيحيات للإسلام، بقولها "ضُباط الشرطة بيكلموا أهلها (المتحولة للإسلام) ويقولوا بنتك ربنا هداها، عقبالك".
من الدفاع للهجوم
تبنت المنظمات الحقوقية والقوى المدنية، على مدار عقود، في مناقشتها لقضايا المرأة سياسة الحوار الدفاعي أمام المؤسسات الدينية تحديدًا، وهو ما تغير في الألفية الجديدة، وفقًا لقول عزة سليمان التي ضربت مثالاً بمؤسسة "قضايا المرأة" التي تعمل على مشكلات الأحوال الشخصية، قائلة إنها "منذ عام 2003 كانت تتبنى الحوار مع اﻷزهر والكنيسة، إلى أن تحولت آليتها عام 2008 للهجوم، بل ومن قبل ذلك بأعوام حين أثيرت قضية هند الحناوي".
وتستند المحامية الحقوقية إلى آلية أخرى هي طرح مشروعات القوانين البديلة للقائمة حاليًا، وكشفت عن مشروع قانون مدني يحل إشكاليات الأحوال الشخصية تعمل عليه مؤسسة قضايا المرأة منذ عام 2014، وكذلك ورقة تحضيرية عن الزواج المدني وزواج المسلمة من غير المسلم، والذي يرتبط لدى الجانبين المسيحي والمسلم على حد سواء بأفكار سائدة عن "الشرف والعار".
وبسؤال من "المنصّة" حول جدوى القوانين- ولو ذات نصوص جيدة- في ظل عدم تفعيلها مجتمعيًا، أكدت كريمة كمال أن هذه المشكلة تحدث "ﻷن القائمين على تطبيق القانون يُنفّذوه طبقا لقناعاتهم وإيمانهم بعقيدتهم"، فيما شددت إلهام عيداروس على أهمية وجود القوانين " خاصة المرتبطة بحقوق السيدات والأقليات، رغم أي مشكلات تتعلق بها، باعتبارها "مكتسبات"، وضربت عليها مثالاً بقوانين الخلع وحظر الختان وإيقاف تنفيذ حكم الطاعة بالقوة الجبرية.
حسم القضية
طرحت الكاتبة الصحفية كريمة كمال الاحتكام لقوانين مدنية تساوي بين المسيحيين والمسلمين، سواء فيما يتعلق بدور العبادة أو الأحوال الشخصية وغيرها من الأمور، باعتباره أحد سبل القضاء على التمييز ضد الأقليات عامة، وضد المرأة المسيحية بصورة خاصة.
واقترحت وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية للقضاء على العنف الطائفي تحديدًا حلاً جذريًا يتمثل في "فتح التحول من دين ﻵخر في الاتجاهين، دون تمييز بين طائفتين"، وآخر مرحليًا يتمثل في رفع السن القانونية المسموح فيها بالتحول الديني من 18 عامًا إلى 21 عامًا، معلّقة بقولها "االتحول الديني قرار خطير كالزواج أو فتح حساب بنكي، بل أخطر".
وأخيرًا، وعوّلت "عيداروس" على القوى الديمقراطية التقدمية، في لعب دور مع الأقلية المسيحية بشكل عام والنساء منهم بشكل خاص، بوضعهم في اعتبارتها وتقديم إجابة عن سؤالهم حول المواطنة، وبالتبعية كل ما يتعلق بها من قضايا.