أيام معدودات وربما مُجرد ساعات هي ما تبقى من عمر سلطة الرئيس روبرت موجابي على زيمبابوي بعد أن وافق على تنحيه عن حكم البلاد بحسب إفادات مصادر لـ"سي إن إن" اليوم الإثنين.
ووفقًا للشبكة الإخبارية الأمريكية، فإن حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الحاكم في زيمبابوي، الذي أعلن أمس الأحد إقالة الرئيس ذي التسعين عامًا من قيادته، وضع شروطًا لتنحيه عن حكم البلاد أيضًا، دون إعلان رسمي عنها.
وتأتي هذه الأنباء عن استسلام موجابي للرحيل واقتراب أفول ديكتاتوريته، بالتزامن مع انتهاء مُهلة منحها له الحزب الحاكم حتى ظهر اليوم الاثنين لإعلان التنحي أو مواجهة إجراءات سياسية لعزله، وذلك بعد أن أبدى مقاومته في خطاب ألقاه أمس الأحد، إذ أعلن بقاءه ﻷسابيع أخرى مُقبلة كرئيس لزيمبابوي، التي انقلبت رأسًا على عقب في أقل من أسبوع.
مناوشات حزبية
كانت البداية بانتشار مدرعات الجيش في شوارع هراري عاصمة زيمبابوي منذ مساء الثلاثاء 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قبل أن يُسمع فجر الأربعاء دوي مدافع في الجزء الشمالي من العاصمة حيث يُقيم الرئيس وكبار المسؤولين.
لم يمض كثير من الوقت حتى تبيّن وقوع انقلاب عسكري ضد الرئيس روبرت موجابي، إذ ظهر قائد عسكري في التلفزيون الحكومي يُعلن، ببيان رسمي، تولي الجيش مهام إدارة البلاد وملاحقة خارجين عن القانون، ولكن دون المساس بالرئيس أو أيًا من أفراد أسرته.
تبيّن فيما بعد أنه تم وضع موجابي قيد الإقامة الجبرية في منزله.
أتى تحرك الجيش بعد قرار من موجابي في منتصف نوفمبر الجاري، إقالة نائبه والمُرشح المُحتمل لخلافته على كرسي الرئاسة روبرت منانجاجوا؛ ما أفسح المجال لزوجة موجابي لتحقيق طموحها في رئاسة البلاد من بَعده.
وكان لقرار موجابي ضد مناجاجوا وقع سلبي على أعضاء الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس ويضم في عضويته المتنافسين على خلافته؛ إذ أدى لانقسام داخلي بين مؤيدين للسيدة الأولى وآخرين في صفّ مناجاجوا؛ ليعلن الجيش يوم الإثنين 13 نوفمبر لإنهاء الإشكاليات التي يُعانيها الحزب.
مناجاجوا والبلد المُهلهل
تميل الكفّة فيما يتعلق بتولي قيادة البلاد- سواء كرئيس أو قائد لحكومة انتقالية مؤقتة- نحو مناجاجوا، الذي سيرث بلدًا مُهلهلًا.
على الصعيد السياسي يُصنف زيمبابوي كبلد محكوم بديكتاتورية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ودلّل على الأمر بصورة جليّة تعليق عضويته في الكومنولث عام 2002، بسبب عوار اكتشفه مراقبوها في الانتخابات التي فاز بها موجابي، لتقرر هراري بعد ما يقارب عامين، في ديسمبر/ كانون الأول 2003، مغادرة الكومنولث.
وعلى المستوى الاقتصادي يعاني البلد الأفريقي من أزمة ديون وتضخم وبطالة بمعدلات كبيرة، وهي الأمور التي لم تؤثر سلبيًا على نمط حياة موجابي وزوجته، التي لقّبها معارضيها بـ"جوتشي جريس"، إذ استخدموا ماركة الملابس الإيطالية الشهيرة للإشارة إلى مظهرها الذي يعكس رفاهية غير مُتاحة لمواطنيها.
السابقون واللاحقون
في حال انتهى الصراع العسكري السياسي في زيمبابوي بتنحي الرئيس، فلن يكون الأمر بالحدث الجديد على أفريقيا أو الشرق الأوسط، فإزاحة الرئيس العجوز الطامح في تمرير الرئاسة لزوجته التي صعّدها عبر أعوام متتالية في مناصب قيادية بالحزب الحاكم، قبل أن ينهي الأمر بإقصاء نائبه الذي كان يومًا ما قائدًا عسكريًا ومحاربًا في معارك التحرير، لم تكن إلا تكرارًا لما وقع في بلاد أخرى وللسبب نفسه.
ففي مصر قبل 6 أعوام، أزيح الرئيس الأسبق حسني مبارك عن كرسيه، بعد رفض شعبي لخطوات اتخذها لتوريث ابنه جمال الذي حاز منصبًا قياديًا- أمانة الشباب- في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم (المنحل)، وكذلك في اليمن عُزل الرئيس علي عبد الله صالح بعد محاولات توريث ابنه أحمد الذي حاز منصبًا عسكريًا.
وبنظرة للمستقبل، ربما يثير تنحي موجابي مخاوف ديكتاتوريات أفريقية أخرى على بقائها، وأبرزها غينيا الإستوائية التي يحكمها رئيس واحد فقط منذ نهاية السبعينيات وهو تيودورو أوبيانج مباسوجو، الذي تكثر التقارير عن سلوكياته الوحشية تجاه خصومه، بل وعن إجراءاته لتوطيد حكمه ومن بعد ابنه لهذا البلد الأفريقي الصغير.
والأمر لا يتوقف عند غينيا الاستوائية، فالكثير من دول أفريقيا لم تعرف إلا الديكتاتور رئيسًا لعقود، مثل رواندا التي يحكمها بول كاجامي منذ 1994 وتشاد التي يحكمها إدريس ديبي منذ 1990 والكاميرون التي يحكمها بول بييا منذ 1982 وأنجولا التي يحكمها جوزيه إدواردو دو سانتوس منذ 1979 وصولاً لبلد عربي وهو السودان الذي يحكمه عُمر البشير منذ 1989