ميلان كونديرا: الرواية هي مستودع نفس الإنسان ثقافة_ مصطفى سعد منشور الاثنين 6 نوفمبر 2017 في الفصل الأول، "إرث سيرفانتس المذموم" يطرح كونديرا سؤالًا هامًا، هل أصبحت الرواية غير ملائمة للعصر الحديث؟ يقوم تصور كونديرا لفن الرواية على ذكر تاريخها، فهو يرد نشأة الرواية وتطورها، مع مطلع العصر الحديث، إلى الفترة التي شهدت انفصال الإنسان عن ذاته وكينونته، وهي الفترة التي تبنت فيها الحركة التحديثية الديكارتية موجة التحديث في أوروبا، وتم نسيان الإنسان وكينونته، لتأتي الرواية وتعيد الاهتمام به، بعد حالة اللبس والحيرة التي أصابت الإنسان خلال تلك الفترة. ويتحدث كونديرا أيضًا عن تاريخ الرواية، ومسارها الموازي لتطور الأزمنة الحديثة، فكونديرا يعتبر رواية "دون كيشوت"، لسيرفانتس هي المفتاح الرمزي للعصور الحديثة للرواية، ويعتبرها هي الرواية الأهم، في العصور الأدبية كافة، ويرى أن عالم كافكا الجحيمي ما هو إلا الإرث الحقيقي لعالم سيرفانتس الروائي. ومن هنا كان اختياره الحديث عن مؤسس عصر الرواية الحديثة. في الفصل الثاني، "حوار حول فن الرواية"، وهو عبارة عن حوار مطول أجراه الكاتب كريستيان سالمون مع ميلان كونديرا، يتحدث كونديرا عن فن الرواية وحكمتها، وعن الشخصيات داخل رواياته، وعن المناخ الفكري الذي كتب فيه كل رواية من رواياته، كما يتحدث عن كافكا، وهرمان بروخ، وكيف أن رواياتهما تركت أثرًا في شكل الرواية في أوروبا، وكيف يعتبر نفسه، في كتاباته الروائية، وريثًا للقرن الثامن عشر، وهو ما ذكره في حوار سابق أجراه معه جي سكاربيتا. في الفصل الثالث، "ملاحظات مستوحاة من رواية المسرنمون (السائرون نياما)"، وهو عبارة عن مقال نقدي وتحليل أدبي لرواية "المسرنمون" لهرمان بروخ، يتطرق كونديرا إلى الرواية، وتركيبتها الفنية الأدبية، والرموز التى أستخدمها بروخ في روايته، إضافة إلى تحليل أدبي ونفسي لشخصيات الرواية فى فصولها الثلاثة، وذكر الأساليب الأدبية التي استخدمها بروخ في روايته. ويذكر كونديرا، أيضًا، رأيه الأدبي في الرواية في نهاية الفصل. في الفصل الرابع "حوار حول فن التأليف الموسيقي"، وهو حوار آخر، أجراه معه كريستيان سالمون، حول إيقاعات الكتابة الروائية الموسيقية، يتحدث كونديرا عن الإيقاعات الموسيقية، وكيف استخدمها في رواياته، ومدى تأثره ببيتهوفن وأسلوبه الموسيقي في رواياته. كما يتحدث عن الأسلوب الرياضي في تقسيم فصول رواياته، ويتحدث عن مفارقة أن كل رواياته مقسمة إلى سبعة فصول لكل منها. يستهل كونديرا الفصل الخامس، "القصيدة، هي هناك، مُتخفية في مكان ما"، باقتباس للشاعر التشيكي يان سكاسيل، "الشعراء لا يبتكرون القصائد. القصيدة هناك، مُتخفية في مكان ما. هي هناك، منذ زمن طويل جدًا. لا يفعل الشاعر شيئًا، سوى أن يكشف عنها". يرى كونديرا أن ثمة روايات عظيمة مختفية في مكان ما، أو عصر ما، لم يتم العثور عليها، أو لم يتم إبرازها بالشكل الكافي. كروايات القرن الثامن عشر الميلادي، الذي يعّد القرن الأكثر ثراء للرواية الأوروبية، والأكثر حرية ثقافية، سواء على مستوى الشكل الروائي، أو على مستوي الفكر/الأفكار، وهي التي تبلورت في شكل أعمال روائية عظيمة، غلب عليها مذهب المتعة، اللذة، اللعب، المزحة، الحرية، وهي القيم الأثيرة لدى كونديرا. يعد الفصل السادس، "تسع وتسعون كلمة"، بمثابة قاموس كونديرا اللغوي الخاص. فيه يعمد كونديرا إلى انتقاء الكلمات الأكثر فاعلية، ويختزل بها جملة آرائه ومعتقداته. وفيه يُعيد كونديرا تعريف المفاتيح اللغوية، بما يضيفه إليها من حداثة في المعنى وقوه التسمية. أخيرًا يتطرق كونديرا، في الفصل السابع، "خطاب القدس - الرواية وأوروبا"، إلى التحديات التي تواجه الرواية حاليًا، والتي لخصها كونديرا في عدو واحد بثلاث رؤوس، وهي الإجيلاست (الشخص الذي لا يضحك، والذي لا يملك حس الفكاهة)، و"لا تفكير الأفكار الجاهزة"، والكيتش، وهي تعني موقف من يريد أن ينال إعجاب الآخرين بأي ثمن، فهو ترجمة بلاهة الأفكار الجاهزة إلى لغة الجمال والوجدان، على حد قول كونديرا. كشف ميلان كونديرا، في كتابه هذا عن قدرته على الإلمام بثقافة الواقع المحيط به. كما يكشف عن وعي كبير بالمرتبة المتقدمة التي تحتلها الرواية بين كل الأجناس الأدبية الأخرى. يؤكد كونديرا أيضًا على أن كل كاتب عظيم هو ناقد عظيم أيضًا، من خلال حسه الإبداعي. وهكذا يصبح النقد عند الكاتب المتفحص جزءًا لا يتجزأ من الإبداع نفسه. فالرواية بحسب كونديرا هي"الشكل الأكبر من النثر، الذي يفحص فيه المؤلف، حتى النهاية، ذواتًا تجريبية (شخصيات)، هي بعض تيمات الوجود". هكذا لا تعود للشخصيات قيمة بذاتها، بل بقدرتها وحجم تحولها إلى ساحة التجريب لمعنى الوجود المضطرب. إن أعظم الروايات، في نظر كونديرا، هي التي حمل أبطالها أبعادًا مفهومية، ووقفوا على شفير الخيارات الصعبة، مجازفين بأنفسهم، في سبيل ما يعتقدون أنه الحقيقة. والرواية عند كونديرا ليست مجرد سرد للأحداث فقط، بل هي بُعد فكري واستجواب تأملي لما يدور في الخفاء. هي مستودع نفس الإنسان، ورقيب أطواره وتفاعله مع الحياة، والرواية التي لا تؤسس وعيًا، ولا تبث أسئلة وجودية هي رواية سطحية.