قلل خبراء اقتصاديون من تأثير الإجراءات التي اتخذت في السعودية منذ مساء أمس السبت على السوق المصري، على الرغم من توسع استثمارات عدد من المحتجزين مثل الوليد بن طلال وصالح كامل في مصر.
واعتقلت السعودية مساء أمس السبت أحد عشر أميرًا وأربعة وزراء حاليين وعشرات من الوزراء السابقين بعد حملة شنّتها اللجنة العُليا لمكافحة الفساد بالسعودية، بعد ساعات من إعلان مرسوم ملكي بتشكيلها أمس السبت برئاسة ولي العهد مُحمد بن سلمان.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، فإن اللجنة التي تضم في عضويتها رؤساء كل من هيئة الرقابة والتحقيق والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة بجانب النائب العام ورئيس أمن الدولة، صارت معنية بالتعامل مع قضايا الفساد العام، وممنوح لها سلطة التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أيًا كانت صفتها.
لم يمض على تشكيل اللجنة سوى ساعات قليلة حتى تناقلت وسائل إعلام محلية سعودية وأخرى عالمية أسماء عدد من ذوي النفوذ- وزراء سابقين وحاليين وأمراء ورجال أعمال- قررت اللجنة توقيفهم بدعوى تورطهم في قضايا فساد، وكان بينهم من يستثمر في السوق المصرية كالشيخ صالح أحد أقدم المستثمرين السعوديين في مصر، والأمير الوليد بن طلال صاحب الاستثمارات الضخمة في قطاعات تشمل الطيران والفنادق والبنوك.
وقبل شهور قليلة مضت، كان "كامل" يعد وزيرة الاستثمار المصرية سحر نصر بزيادة استثماراته في مصر، ومثله وعد "ابن طلال" الوزيرة بمشروعات في العاصمة الإدارية الجديدة بينما كان يتفقد مشروعه مع مجموعة طلعت مصطفى الاقتصادية؛ من هنا تُثار التساؤلات عن سيناريوهات ما بعد الحملة ضدهما وموقف مصر منها اقتصاديًا ومن قبله قانونيًا، وتأثير ذلك على الطرفين البلد والمستثمر.
على المستوى القانوني، أوضح الدكتور عبد المنعم زمزم، أستاذ القانون الدولي الخاص بجامعة القاهرة، أن التعامل مع المستثمرين السعوديين لا بد وأن يسير وفقًا لتراتبية محددة وهي أن ترفع تلك اللجنة بعد الانتهاء من عملها توصيات إلى الملك، الذي لا بد وأن يُصدّق عليها قبل اتخاذ أي قرارات حيال الموقوفين، وأما مصر فلا يمكنها اتخاذ أي إجراءات قانونية حيالهم إلا بموجب إخطار رسمي من السعودية يطلب منها التعاون.
وأضاف "زمزم" أنه في تلك الحالة ستنظر مصر فيما بينها والسعودية من اتفاقات ثنائية اقتصادية أو قضائية وقانونية، لافتًا إلى أنه سيكون لزامًا على مصر تشكيل لجنة فنية من المتخصصين لدراسة المراسلات الحكومية وبنود الأمر الملكي مقارنة بعقود مصر مع المستثمر "لأن أي خطأ سيوّلد للمستثمر حقًا في اختصام مصر دوليًا ويجلب عليها تعويضات طائلة، لا سيما وأنها ملتزمة بعدم مصادرة أموال المستثمرين الأجانب ولا تؤممها أو تتعرض لها بأي إجراءات انتقامية".
وشدد أستاذ القانون الدولي الخاص على أن وضع مصر سيكون "حساسًا وحرجًا"، موضحًا أنها خسرت من قبل تحكيمات دولية بسبب خطأ إداري مع المستثمرين الأجانب، كما أن الخطأ سيكون له تداعيات سلبية على جذب المستثمرين الأجانب، مختتمًا بقوله إن المسألة "حساسة ودقيقة".
ورجّح المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال الدكتور وائل النحّاس أن الحملة السعودية حدثت "بترتيب مسبق وتنسيق على أعلى مستوى" بين السعودية ودول أخرى، من أجل تفادي الآثار السلبية لهذا القرار في حالة التجميد أو المصادرة. ودلّل على ذلك بتواجد وزير الخزانة الأمريكي في المنطقة قبل أسابيع قليلة.
لكنّ "النحّاس" في الوقت نفسه لم ينفِ سيناريو التأثير السلبي لها على الاقتصاد المصري، لا سيما وأنه يأتي بعد أيام من ضربة أخرى له هي إعلان السعودية عن مدينة "نيوم" المطلة على البحر الأحمر "والتي ستسحب الاستثمارات الموجودة في هذه المنطقة لصالحها، وستكون أشبه بدولة مستقلة لها قوانينها الخاصة".
وضرب المستشار الاقتصادي مثالًا على التأثير المحتمل لتحركات "لجنة مكافحة الفساد"، بقرار قد يصدر عن القطاع الخاص المصري المُشارك لهؤلاء المستثمرين السعوديين "بتجميد العمل في المشروعات المشتركة بينهما لحين اتضاح الرؤية".
كان إعلان صدر اليوم الأحد عن مسؤولين في شركة المملكة القابضة المملوكة للوليد بن طلال استمرارها في أداء عملها، وخرجت تطمينات مماثلة عن الأفرع المصرية لكيانات مملوكة للشيخ صالح كامل.
أما الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، فقلل من تداعيات تحرك السعودية ضد كبار رجالها برسم سيناريو أخرى لتعامل مصر مع الأمر، قائلًا إن مصر ستتكيف مع الأوضاع الجارية وتتعامل مع الأمر دون أن تتضرر منه، لأنه "تصفية حسابات (داخلية) في السعودية، قد تتعلق بالإطاحة ببعض المنافسين المتصارعين وتصفية مراكز قوة قديمة وإعادة تشكيل للسعودية".
وأشار "الدمرداش" إلى أنه في حالة مصادرة أموال هؤلاء الأشخاص أو التحفظ عليها؛ فإن تعاملات مصر "ستتحول من رجل الأعمال نفسه إلى الكيان الذي سيدير أملاكه مع الشريك المصري" دون أي فرق، وأنها لن تتحرك أو تعترض إلاّ في حالة الإضرار بمصالحها كسحب الأموال من السوق المصرية مثلًا.