ترجمة عن الإندبندنت
الآن يحل الوقت لنتبع جميعًا اقتراح تيريزا ماي الغبي بأنه علينا أن نشعر "بالفخر" من وعد بلفور المؤذي في مئويته هذا الأسبوع. سيحتفل الإسرائيليون - ولم لا - لأن الوعد وضع موافقة بريطانيا على وجود الدولة الإسرائيلية المستقبلية في فلسطين. ربما لم تكن ستنشأ إسرائيل بدونه. ولكن المعاناة المخيفة، ومأساة اللاجئين الفلسطينيين الذي ستتبع ذلك في السنوات التالية تشير إلى أن رسالة بلفور – على الرغم من كونها معبرة للغاية – كانت متيقنة من أنها ستنشئ شيئًا بشعًا سيلعن إلى هذا اليوم المنطقة التي كان يطلق عليها الأراضي المقدسة.
ولكن المثير للعار أكثر من كلمات ماي الحمقاء – لأن الكثير من البريطانيين ربما يشعرون بالعار أو يفضلون الصمت عندما يفكرون في هذه الحقبة من التاريخ – كانت تعليقات مارك ريجيف، السفير الإسرائيلي في إنجلترا، هذا الأسبوع عن أن مواطني المملكة المتحدة "متطرفين" إذا عارضوا وعد بلفور.
يكمل هذا الرجل، الذي كان علينا أن نتحمل تبريراته المثيرة للغثيان لجرائم القتل في غزة عندما كان متحدثًا باسم الحكومة الإسرائيلية: "هؤلاء الذين يعارضون وعد بلفور يكشفون عن تطرفهم. إذا عارضت وجود الوطن القومي لليهود، فهذا يعني أنك تفكر في أنه ينبغي تدمير إسرائيل. ودعونا نكون واضحين: هذا هو موقف الحكومة الإيرانية، وهذا هو موقف الجماعات الإرهابية مثل حزب الله وحماس".
لقد استوعبت الأمر، بدلًا من تلقين السفير الإسرائيلي درسًا بسبب لغته الخالية من الدبلوماسية تجاه أبناء وطنها، فضلت ماي أن تلتزم الصمت الجبان بينما يخبرنا السفير عما ينبغي أن نفكر فيه عندما نتطرق إلى وعد بلفور، وأننا إذا لم نتفق معه، فنحن جميعًا متطرفين، وبالتالي من الأرجح أننا معادين للسامية، وعنصريين، ونازيين، ناهيك عن كوننا متعاطفين مع حماس.
أي تبجح يتسم به هذا الرجل. هل يدرك ريجيف – على الأقل كما يشير أحد الصحفيين الإسرائيليين – أن وعد بلفور كان في حد ذاته، وبشكل كبير، معاد للسامية؟ وأنه جاء بعد سنوات قليلة من تمرير بريطانية لقوانين قدمت خصيصًا لمنع استمرار هجرة اليهود إلى المملكة المتحدة من روسيا وأوروبا الشرقية. في عام 1917، أردنا بالتأكيد دعم اليهود في أوروبا وأمريكا في الحرب العالمية الأولى، ولكننا فضلنا أن يتجنب المهاجرون اليهود لندن الرطبة ويتوجهوا إلى فلسطين المشمسة.
ولكن دعنا نشير بوضوح إلى شيء ما؛ إسرائيل موجودة، سواء كان بلفور هو راعيها الأجنبي الأصلي أم لا، ولن تتلاشى إلا إذا دمرت نفسها (هذا الذي يمكن في النهاية أن تجلبه سياسة رئيس وزرائها التي تسرق أراضي عربية أكثر من أجل المستوطنين الإسرائيليين).
وكما أشار أحد أفضل المؤرخين الإسرائيليين عن حق، وهو الآن أكاديمي بأكسفورد، فإن وجود إسرائيل ربما كان غير عادل بشكل كبير لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا وطنهم – الستة مليون لاجئ المشتتين الآن – ولكنها دولة شرعية، ووُجدت شرعيًا، ومعترف بها دوليًا – على الرغم من أن مستوطناتها في الضفة الغربية ليست كذلك – وهي عضوة في الأمم المتحدة ولديها علاقات دبلوماسية مع 159 دولة.
ولكن هذا لا يبرر "فخر" تيريزا ماي. في الحقيقة من المفيد أن نشير أن ملاحظاتها وضعت علاقات بريطانيا التجارية في المقدمة على حساب الظلم المرعب الذي يتعرض له الفلسطينيين. بالطبع فعلت ذلك. لأنه تهتم بشكل أكبر بنتائج البريكست على حساب اهتمامها بملايين اللاجئين. تذكروا أن هذه هي السيدة التي دعمت دونالد ترامب.
نسجل هنا ما قالته حقًا عن بلفور: "أنا سعيدة أننا نبني على العلاقات التجارية الطيبة وغيرها من العلاقات التي نتشاركها مع إسرائيل ونعززها. لا بد أن نكون واعين أيضًا بالحساسيات التي تراود بعض الناس تجاه وعد بلفور، وندرك أن هناك الكثير من العمل الذي نحتاج أن نقوم به. ما زلنا ملتزمين بحل الدولتين فيما يتعلق بالعلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين".
هذا مشين بقدر وعد بلفور نفسه.
لذلك دعونا نتذكر ما قالته الوثيقة حقًا عام 1917: "حكومة جلالة الملك تؤيد تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أقصى مساعيها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وصار من الواضح والمفهوم أنه لن يحدث شيء للتعدي على الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الوضع الحقوقي والسياسي الذي يتمتع به اليهود في أي دولة أخرى".
الكذب الواضح في هذه الجملة – وكأنها وثيقة "للجوء" إذا كانت هناك واحدة – هو أن بريطانيا ستدعم "وطنًا يهوديًا"، وغالبية السكان (700 ألف عربي في مقابل 60 ألف يهودي، وفقًا لحنان عشراوي) لم يُعتبر أن لديهم "وطن" على الإطلاق، ولكن كان يشار لهم فقط باعتبارهم "المجتمعات غير اليهودية الموجودة". لا يطلق عليهم حتى عربًا أو مسلمين – وكان معظمهم كذلك. فقط "المجتمعات الموجودة". وبالطبع يمكن إقناعهم فيي يوم ما بأن يوجدوا في مكان آخر.
نستطيع أن ننسى أن بلفور ورفاقه اعترفوا في خلال أشهر قليلة أنهم لم يرغبوا في أن يولوا للعرب أي انتباه. وهم بالفعل لم يحظوا بذلك.في خلال ثلاثين عامًا، أنشئت إسرائيل وبدأت المأساة الفلسطينية، وفي هذا تشعر تيريزا ماي بـ "الفخر".
استمتعت على وجه الخصوص بكلمة "حساسيات" التي استخدمتها. وعلى الأرجح هي لا تقصد "حساسيات" اللاجئين الفلسطينيين، ولكن ربما بعض نواب البرلمان المحافظين، وأفترض كذلك تقصد جيريمي كوربين البائس الذي تلقى الضربات المعتادة، وهذه المرة لعدم حضوره المأدبة الرسمية للاحتفال بوعد بلفور في لندن. ماذا لو كان بهذا الوضوح فيما يتعلق بالبريكست وماذا لو رفض كل الصخب المصاحب لترك الاتحاد الأوروبي؟ ولكن للأسف هو مهتم أكثر بدوائر حزب العمال الانتخابية.
في كل الأحوال، بالنسبة لماي، هناك "الكثير من العمل الذي نحتاج أن نقوم به" و ما زالت تدعم حل الدولتين. الكثير من العمل؟ بينما ما زالت المستعمرات تقام على الضفة الغربية المحتلة؟ بينما يدرك كل شخص عاقل أن "عملية السلام" انهارت؟
بالطبع هي مأساة، مأساة لللإسرائيليين مثلما هي للفلسطينيين. إنجاز إسرائيل هو أنها ظلت حية، ونحن متأكدين أن ذلك بدعم هائل وخيالي من النقد ومعونات من الولايات المتحدة – وهي في الواقع موجودة كدولة. ولكن بدون السلام مع جيرانها وبدون نهاية الاستيطان اليهودي على أراضي شعب آخر، وبدون دولة فلسطينية – التي للأسف أشك في أنها ستتحقق - ستظل إسرائيل دائمًا في حالة حرب، وستعيش دومًا في خوف وسيكون لديها دومًا أعداء، ولكن هذا هو الوضع.
اشعروا بالكثير من "الفخر" مثل تيريزا. وإذا لم تشعروا بذلك، اعتبروا أنفسكم نازيين.