في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، وصل المخرج اللبناني الفرنسي زياد دويري، إلى لبنان عائدًا من مهرجان فينيسيا السينمائي، بعد فوز فيلمه "القضية 23" بجائزة أفضل ممثل، ليتم توقيفه من قبل السلطات اللبنانية بتهمة التطبيع الثقافي، على إثر تصويره فيلم "الصدمة" في إسرائيل والذي يرجع إلى عام 2012، وهو بطولة علي سليمان ويدور حول طبيب فلسطيني تقوم زوجته بعملية انتحارية. وهو الفيلم الذي قد قوطع في السابق في لبنان، وتدخل وزير الثقافة اللبناني بنفسه لمنع الفيلم من العرض. زياد أكد في مقابلة تلفزيونية سابقة، أن القصة اقتضت التنفيذ في إسرائيل، والاستعانة بممثلين إسرائيليين يتحدثون العبرية، وأكد أن قضيته هي الفن، ويجب أن نضع السياسة جانبًا.
في المقابلة نفسها أشار دويري أنه لم يتلق في فيلمه تمويلًا إسرائيليًا، في حين أن هناك فلسطينيين يعملون بتمويل إسرائيلي.
قبل توقيف دويري بعام واحد، وفي مهرجان بيروت الدولي للسينما والإعلام بدورته الـ 16، والذي أقيم في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، أُثير الكثير من الجدل حول الفيلم الإسرائيلي/الفلسطيني "أمور شخصية" الذي أخرجته مها الحاج، والسبب هو التمويل الإسرائيلي للفيلم. طالب مناصرو القضية الفلسطينية في لبنان بمنع الفيلم من العرض، خاصة أن القانون اللبناني يمنع التطبيع، وانتهى الأمر بالفعل بمنع السلطات لعرض الفيلم.
يدور فيلم "أمور شخصية" في إطار اجتماعي، ولكن بالطبع تتضافر الأزمات السياسية مع المشكلات الاجتماعية في الفيلم. وكان الفيلم اشترك في مهرجان "كان" في قسم "نظرة ما"، بصفته إسرائيليًا، إذ أن صندوق دعم السينما الإسرائيلي، يُلزم المخرج بدخول الفيلم المهرجانات بهذا الوصف، مما جعل مخرجته، مها الحاج، تصرح بأنها مجبرة على وضع كلمة إسرائيل على الفيلم بسبب التمويل، رغم كونه فلسطيني من الألف إلى الياء.
ظهور اسم إسرائيل على أي فيلم يعني وجود مشكلات لا حصر لها، فمن الصعب تلقي الفيلم عربيًا، بالإضافة إلى صعوبة تحديد هوية الفيلم، وإثارة مسألة تأثير وجود وإسرائيل ودعمها على مضمون الفيلم.
إلى من ينتمي الفيلم؟
قبل عدة سنوات وقع فيلم "فيلا توما" في نفس المأزق، الفيلم الذي أُنتج عام 2014 وأخرجته سهى عراف، مُنع عرضه بمهرجان الإسكندرية في دورته الـ 30، بسبب الخلاف على هويته.
وكانت عرّاف قدمت الفيلم بعرضه الأول بمهرجان البندقية، بصفته فلسطينيًا، بالرغم من حصولها على دعم من صندوق دعم الأفلام الإسرائيلية، وهو ما دفع وزارة الثقافة الإسرائيلية بمطالبة عرّاف برد الدعم التي حصلت عليه لتنفيذ فيلمها، وهو قرابة المليون شيكل.
إشكالية الدعم الإسرائيلي مثارة دائمًا لدى مخرجي عرب إسرائيل، يعتبرها بعضهم حقًا لهم بصفتهم دافعي ضرائب لـ "الدولة" التي يحملون جنسيتها، وبالإضافة إلى ذلك فلا توجد لديهم جهة تمويل أخرى مستقلة.
"مسألة حصول بعض المخرجين على تمويل مالي من مؤسسات إسرائيلية لإنجاز أفلامهم هي مسألة مرهونة بالخيار الفردي للفنان"، هكذا تقول المخرجة ساندرا ماضي للمنصة. ولدت ساندرا بالأردن لأبوين فلسطينيين، وهي صاحبة الفيلم الوثائقي "ساكن"، الذي دعمته جهة إنتاج مستقلة.
تضيف ساندرا: "بمراجعة سريعة للسيرة الإنتاجية لمخرجين كبار مثل ميشيل خليفة وإيليا سليمان وهاني أبو أسعد، وهم يحملون هويات إسرائيلية لا نجد نمطًا ثابتًا في مسألة قبولهم لهذا الدعم، ومن الملاحظ أن ثلاثتهم تخلصوا لاحقًا من تلقي أي أموال إسرائيلية، رغم صعوبة تحصيل الدعم المالي من الغرب، خاصة عندما لا تحمل هذه الأفلام مضمونًا متناغمًا مع المعيار الاستعماري الغربي، والذي يريدنا أن نقدم خدمات مجانية في صالح تلميع فكرة السلام وقبول (الآخر) المحتل".
تتفق مع ذلك المخرجة الفلسطينية الأصل وأردنية المولد ميس دروزة، مخرجة فيلم "حبيبي بيستناني عند البحر"، إذ تقول للمنصة إن المسألة ترجع لأولويات المخرجين، فمنهم من يقبل بالدعم رغم النبذ الذي سيلاقيه عربيًا. ولكن مع ذلك تضيف دروزة: "القبول بالدعم إما استسهال، أو بسبب تجييش صندوق الدعم الإسرائيلي لهؤلاء المخرجين واستقطابهم".
تعبر دروزة عن عدم قبولها للأفلام المدعومة إسرائيليًا، ولكنها لا تحكم على من يقبل هذا الدعم.
اثبت أنك فلسطيني
"أنا لم ولن أمثل في فيلم اسرائيلي لأني أمارس دوري في مقاطعة إسرائيل"، هكذا يقول الممثل والمخرج الفلسطيني رمزي مقدسي عن تلقي البعض للدعم من الصندوق الإسرائيلي. مقدسي الذي وُلد في القدس أخرج عدة أعمال درامية ووثائقية مثل "سنة معدة للفقد"، ومثّل في عدة أفلام مثل "حب وسرقة ومشاكل أخرى". يميل إلى رفض الدعم الإسرائيلي، الذي يستطيع أن يحصل عليه أهل القدس أيضًا. وفي الوقت نفسه لا يرى أن الدعم نوع من أنواع الشحاذة، لكن الاشكالية هي استخدام إسرائيل لهذه الأفلام للترويج لنفسها كدولة ديموقراطية.
يقول مقدسي للمنصة أن الأزمة ترجع إلى انفصال الحكومات والمؤسسات العربية عن المواطن الفلسطيني، وبالتالي غياب التمويل العربي والإنتاج المشترك: "حتى كممثلين لا يستعينون بنا".
يضيف مقدسي: "عندما ألجأ لتلقي منحة من مؤسسات عربية يقولون لي اثبت انك فلسطيني، وأنا مقدرش اثبت اني فلسطيني اسمي وحده بيثبت".
الحل الفلسطيني
عدم التوجه للدعم الإسرائيلي يعني احتياج المخرجين الفلسطينيين لبديل، تقول المخرجة سهى عراف، صاحبة فيلم "فيلا توما"، للمنصة: "للأسف وزارة الثقافة الفلسطينية يتبعها صندوق صغير جدًا، يسمي بالمنحة النرويجية، يقدم مبلغ أقصاه 20 ألف دولار، وهذا لا يوفي شروط الإنتاج المشترك الذي يحتاج إلى أن تكون 20% من ميزانية الفيلم محليّة، ولظروف الاحتلال فمن الصعب علينا أن نطلب من وزارة الثقافة الفلسطينية، التي تبلغ ميزانيتها 1% فقط من الميزانية العامة أن تدعم أفلامنا".
وعن مسألة حرية الأفلام الممولة إسرائيليا تقول: "إن صندوق الدعم الإسرائيلي مستقل تمامًا، ففي اللحظة التي يتصادق على إعطاء الفيلم دعمًا، لا يكون هناك تدخل في مضمونه بتاتًا، لأن صناديق الدعم عمليا تختار حكّامًا خارجيّين، مخرجين ومنتجين ومصوريين، ليسوا معيّنين من قبل وزارة الثقافة". وتضيف عراف بأن قطاع السينما بإسرائيل يميل إلى اليسار، ويدعم أفلامًا سياسية دون تدخل في المضمون: "ربما لو كان الحكّام من الصناديق الإسرائيلية نفسها، لما استطعنا الحصول على دعم".
تروي عراف أنها توجهت بالفعل إلى أوروبا ولكنها لم تنجح في الحصول على دعم: "هم يتوقعون مثلًا أن تكون الأفلام عن الجدار العازل، وحماس، وفتح"، ولم يستطع فيلمها الاجتماعي أن يجيب على أسئلتهم.
إلى جانب أنها فشلت في الحصول على دعم عربي بسبب جواز سفرها الإسرائيلي. المشكلة الأخلاقية الكبيرة لتلقي الدعم الإسرائيلي عند عراف هي تقديم الفيلم في المحافل الدولية بوصفه إسرائيليًا: "تجد نفسك تمثل دولة لا تمثلك. دولة إحتلال".
بالنسبة للعالم العربي، تعي عراف جيدا أزمة التطبيع، لكنها لا تفهم لماذا يتعصب الجميع ضد السينمائيين، بالرغم من أن معظم الدول العربية مطبّعة، دول الخليج ومصر، تقول "أنا حاربت على هوية فيلم بشكل قوي، وهذا الدعم حقي، كمواطنة تدفع الضرائب، وأتفهّم مقاطعتهم لفيلمي".
تبدو نوايا رافضي التطبيع وجيهة من بعيد، ولكن إذا دققنا النظر سنجد فلسطينيّ 48 يواجهون العزلة في صحراء العالم وحدهم، يحملون جوازات سفر إسرائيلية بشكل إجباري، مما يجعل القرار شخصي يختلف من موقف لآخر، لكن فيما يبدو أن البعض يتعامل معهم بمبدأ "ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل".