بعد ثمانِ سنوات مرت على هزيمة سابقة، تعود مصر من جديد للمنافسة على إدارة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" التي سينتخب مديرها الجديد في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد جولة اجتماعات للمجلس التنفيذي للمنظمة الذي سيختار خليفة البلغارية إيرينا بوكوفا.
بوكوفا التي ستنهي هذا الشهر ولايتها الثانية والأخيرة على رأس اليونيسكو، فازت هي الأخرى على وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، الذي رشح للمنصب في الانتخابات التي جرت عام 2009.
تعبئة عامة
تخوض السفيرة مُشيرة خطّاب منافسة أمام سبعة مرشحين آخرين، بينهم ثلاثة عرب هم اللبنانية فيرا الخوري والعراقي صالح الحسناوي والقطري حمد بن عبد العزيز الكواري، ما يعني فشل الأطراف العربية على التوافق حول مُمثل وحيد لهم أمام المرشحين الأربعة الآخرين.
ويتنافس في الانتخابات بجانب العرب الأربعة، كل من الفرنسية أودري أوزولاي والصيني كيان تاج، وهما الأوفر حظًا بالفوز، وكذلك الآذري فولاد بولبولو جلو، والفيتنامي فام سان شاو.
وأمام هؤلاء المنافسين، تخوض "خطّاب" السباق مدعومة من أعلى الجهات السياسية في مصر. فاليوم، سافر وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى باريس، إظهارًا للدعم.
وذكر بيان صادر عن الوزارة أن شكري سيجري العديد من اللقاءات مع الدول أعضاء المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، من أجل الترويج لترشيح خطاب خلال المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخابية، وذلك قبيل بدء عملية التصويت يوم اﻹثنين المقبل، 9 أكتوبر الجاري.
وقبل تحركات وزير الخارجية بشهور، أتى دعم خطّاب من رئاسة الجمهورية. ففي 10 ديسمبر/كانون الأول 2016، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي دعمه لها، وذلك عبر الحساب الرسمي له على تويتر، داعيًا المصريين لتبني الموقف نفسه، ودعمها عبر هاشتاج Khattab4Unesco.
فشل سابق
قبل ثمانية أعوام، كان فاروق فاروق حسني- وزير الثقافة المصري في ذلك الحين- مدعومًا من الكُتلة العربية، لكنه على الرغم من ذلك لم يحصل في الانتخابات إلاّ على 27 صوتًا فقط من 58 صوتًا، وعُزيّت هزيمته وقتها إلى موقف دولي ضده ولو بصورة غير مُعلنة، بسبب تصريحاته عن "حرق الكتب الإسرائيلية، إذا عثر عليها في المكتبات المصرية".
لم يحظ حُسني على المستوى المحلي بقدر كبير من التعاطف معه، ولو باعتباره ممثلًا لمصر، فالانتخابات كانت بعد أربع سنوات من حريق مسرح بني سويف، الحادث الذي لم ينسه المصريون وبعضهم حمّل الوزير المسؤولية عنه، ولو في صورتها السياسية والأدبية، على أقل تقدير.
خاض حسني الانتخابات دون منافسين عرب، وهو ما يجعل من وضعه مريحًا إذا ما قورن بخطّاب التي تنافس عربًا وأجانب، كما يلاحقها أرشيف مُحرج عن أوضاع الثقافة والفنون في مصر.
وأرشيف مُحرج
يختصر اسم "اليونسكو" الكثير مما يمكن قوله عن طبيعة عملها، فهي منظمة معنية بالتربية والعلم والثقافة، وتُعَرّف نفسها كصاحبة رسالة وأهداف مثل "الإسهام في بناء السلام، وإقامة حوار بين الثقافات من خلال التربية والعلوم والثقافة والاتصال والمعلومات، وتأمين التعليم الجيد للجميع والتعلم مدى الحياة، وتعزيز التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات".
أمام تلك الأهداف، تبدو مصر مرشحة قوية بأرشيف فني وثقافي وحضاري كبير، ولكنه لا يخلو من سطور مُحرجة بعض الشيء، مرتبطة بشكل كبير بتغيّر الأوضاع السياسية في السنوات الأخيرة.
على الصعيد الثقافي، اتخذت مصر- في أقل من عام- إجراءات عنيفة تجاه عدد من المكتبات، وذلك لدواع قضايا "جنائية" ذات أبعاد سياسية. بدأ الأمر بمكتبات "الكرامة" معنية بتثقيف النشء في أحياء فقيرة ومُهمّشة مثل طرة وبولاق الدكرور، والخانكة وعين الصيرة.
وحين سأل مؤسس المكتبات، الحقوقي جمال عيد، عن أسباب إغلاقها، أتته الإجابة من الرئيس نفسه، خلال إحدى جلسات مؤتمر الشباب بقوله إن "سبب الإغلاق إجراء قانوني"، مضيفًا "محدش يقدر يتدخل في القضاء".
ويعدّ جمال عيد واحدًا ممن صدر بحقهم قرار بالتحفظ على الأموال والممتلكات والمنع من السفر، بسبب ورود اسمه في قائمة المتهمين بقضية "التمويل الأجنبي" التي تستهدف عددًا من منظمات المجتمع المدني.
بعد شهور من الإغلاق وردّ الرئيس، زارت السفيرة مُشيرة خطاب المكتبات المغلقة، بعد دعوة وجهها لها مؤسسها لتتطلع على أوضاعها، باعتبارها مرشحة لإدارة "اليونسكو"، ووعدته بالفعل بالعمل على إنهاء هذا الوضع.
لم تُغير زيارة السفيرة أحوال "الكرامة"، التي لحق بها مكتبات أخرى في قائمة الإجراءات العنيفة، مثل "ألف" التي صارت خاضعة للجنة التحفظ وإدارة أموال الإخوان، ومكتبة "البلد" التي تعرضت للمداهمة الأمنية والتشميع ومصادرة مقتنيات منها في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.
على صعيد التراث، المُخصص له قسم بموقع اليونسكو، شهدت الأعوام الأخيرة وقائع تدلل على تردي أوضاعه في مصر، من بينها حالات سرقة ونهب كالتي وقعت بحق مواقع أثرية في منطقة ابو روّاش بالجيزة، أو ترميم خاطئ لآثار ومومياوات مثل هرم سقارة ومومياء أمنحتب، فضلاً عن حالات سرقة وتهريب آلاف القطع الأثرية.
ويخصص موقع "اليونسكو" قسمًا لحرية التعبير، وهي في مصر واحدة من الملفات الشائكة، فحرية الإبداع تصبح تتعرض للخطر كلما تصادمت مع قيود سياسية أو مجتمعية، وحالة فرقة "أطفال شوارع" التي تعرض أعضائها للحبس بسبب أغنياتهم أو الروائي أحمد ناجي الذي سُجن بسبب عمل أدبي، مثالين حديثي العهد على ما تشهده حالة الإبداع والتعبير هنا.
باﻷمس، بدأت مصر و7 منافسين مساعٍِ حثيثة للحصول على النصيب الأكبر من 58 صوتًا، هم مجموع أعضاء المجلس التنفيذي لـ"اليونسكو"، ومنذ ذلك الوقت وحتى 10 أكتوبر المقبل- تاريخ عرض النتائج على الجمعية العمومية للمنظمة- ستظل آمال مصر معقودة على الفوز بالكرسي، بغض النظر عن شراسة المنافسات أو العيوب التي تلاحق أرشيفها.