عرقلت مصر مشروع قرار دولي كان مُقدمًا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يُتيح للمواطنين حق الاعتراض الضميري على الخدمة العسكرية، مع كل من روسيا والصين وكوبا وسنغافورة، إذ اعتبرت أنه يضرب "العقيدة العسكرية".
والاعتراض الضميري، في تعريفه المُبَسّط، هو حق المواطن في رفض أداء الخدمة العسكرية والمشاركة في الحروب، أو تنفيذه كمجند لأوامر عسكرية، طالما كانت ضد قناعاته ومبادئه، وتعترف به جهات مختلفة، أبرزها الأمم المتحدة، استنادًا لحرية الاعتقاد والفكر المكفولتين بموجب العهد الدولي لحقوق الإنسان.
وذكرت المصادر أن الوفد المصري لدى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، برئاسة السفير عمرو رمضان، أجهض أمس السبت مشروع القرار تقدمت به كل من كرواتيا وبولندا وكوستاريكا، لمحاولة إقرار هذا الحق الذي سيتيح للأفراد الاعتراض على الخدمة العسكرية، والتكليفات التي يتلقونها لو تعارضت مع ما يعتقدونه من مبادئ.
وعلى الرغم من الحشد الذي كان خلف مشروع القرار، إذ حظي بدعم 32 دولة- غالييتها غربية- إلا أن مصر لم تكتف بالوقوف ضد القرار، بل حشدت ضده دولاً أخرى.
عقيدة الجيش
كان من بين الأسباب التي برر بها مندوب مصر خلال اجتماعه مع سفيرة كرواتيا- البلد الذي اقترح مشروع القرار- الرفض القاطع والبات للقرار، هو أنه "يضرب العقيدة العسكرية، ويتدخل في صلب لوائح التجنيد للقوات المسلحة، ويسمح بالتوجيه فيها"، الأمر الذي رأه السفير "عملاً سياديًا خارج نطاق مجلس حقوق الإنسان".
وكان مشروع القرار يُتيح للمجندين الاعتراض خلال فترة أداء الخدمة العسكرية، بل ويجعل ذلك الاعتراض أحد أسس طلب اللجوء للحماية من "الاضطهاد"، لكن كرواتيا سحبته في وقت لاحق على الاجتماع مع مندوب مصر لدى المجلس الدولي، في انتصار جديد تحققه الدبلوماسية المصرية ضد المبادرات التي تعزز الحرية الفردية.
وتقف مصر في معسكر لا يحتفي أبدًا بفكرة الاعتراض الضميري على أداء الخدمة العسكرية، إذ يقرّ دستورها في المادة رقم 86 منه أن التجنيد "إجباري وفقًا للقانون".
وأما القانون المُنظم لعملية التجنيد في مصر فهو 127 لسنة 1980، والذي نصّ على إلزام كل ذكر مصري أتم الثامنة عشرة من عمره بها، وذلك بمدد مختلفة فصلّها القانون، باستثناءات وردت في مواده السادسة والسابعة والثامنة، ولم يكن من بينها الاعتراض الضميري، ومن يتخلف عن أداء الخدمة دون أن يكون مستثنى منها أو صدر قرار من وزارة الدفاع بتأجيل تجنيده بالنسبة له بحكم القانون يعرّض نفسه لعقوبات جنائية.
وعلى الرغم من الترسانة القانونية، عرفت مصر معترضين ضميريين ضد الخدمة العسكرية، ومنهم من خضع بسبب ذلك لمحاكمات عسكرية كما حدث مع مايكل نبيل سند عام 2012.
وثوابت أُخرى
لم يكن الاعتراض الضميري مشروع القرار الوحيد الذي لم يخرج للنور بسبب الدبلوماسية المصرية، والتي لها صولات وجولات في المحافل الأممية ضد قرارات بعينها، إما عن طريق وأدها قبل طرحها للنقاش والتصويت، أو الحشد والتصويت ضدها، وذلك بدوافع لم تخرج في أغلب الحالات عن أمرين إما لأنه "ضد ثوابتها" أو ﻷنها يتعارض مع مصالحها، بل وأحيانًا قاطعت مصر اجتماعات أممية بسبب طبيعة القرار المطروح للنقاش أو التصويت.
وفي أغسطس/ آب 2017، قاطع السفير المنتدب للمجلس نفسه، عمرو رمضان، جلسة فرز الأصوات لاختيار المرشح لتولي منصب مراقب حقوق التوجه الجنسي وحقوق المثليين في المجلس، الهادف إلى حمايتهم من مختلف صور العنف والتمييز، ﻷنه من وجهة نظره "لا يتسق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والسيادة الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في سياق احترام القيم الدينية والأخلاقية والثقافية".
وقبل ذلك بعام واحد عرقلت مصر، في يوليو/ تموز 2016، صدور بيان عن مجلس الأمن، يدعم الحكومة التركية ضد محاولة الانقلاب العسكري التي وقعت هناك، إذ كان لابد من إجماع أعضاء المجلس بما فيهم غير الدائمين مثل مصر حتى يصدر البيان.
ولكن مصر اعترضت على جملة وردت فيه وهي "احترام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا"، وطلبت استبدالها بعبارة "احترام المبادئ الديمقراطية والدستورية وحكم القانون". وهو ما رده البعض وقتها إلى ما بين النظامين المصرية والتركي من خصومة وتوتر منذ الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين، والذي اعتبرته تركيا "انقلابًا عسكريًا".
وكان من اللافت أن تكون مصر في العام نفسه، 2016، هي الدولة الوحيدة التي تمنتع عن التصويت على قرار بشأن الانتهاكات الجنسية التي ترتكبها قوات حفظ السلام.
وفي ذلك الوقت طالبت مصر قبل التصويت بتعديل الفقرة الثانية من القرار، والمتعلقة بشروط إعادة القوات في حالات الادعاءات بارتكاب أعمال الاستغلال والانتهاك الجنسيين، وحين رفضت الدول الأعضاء جميعها هذا الطلب، اختارت مصر عدم التصويت.
واختارت مصر وقت قرار الانتهاكات أن يكون مبررها للامتناع عن التصويت هو "ضرورة التمييز بين إدانة حالات الانتهاك الجنسي والتصدي لها وبين وصم دول بأكملها والقوات التابعة لها بهذه الجريمة النكراء”، مؤكدة على لسان مندوبها بالمجلس السفير عمرو أبوالعطا رفضها لـ"أسلوب التشهير بقوات حفظ السلام والدول المساهمة بها".
وبجانب التشهير، ضمت قائمة مصر في خصومتها لبعض القرارت الأممية المتعلقة بالحقوق والحريات وغيرها مما لا يلقى قبولاً لدى القاهرة، عبارات دبلوماسية أخرى لا يمكن قياسها بمعيار واحد ومحدد مثل "رفض التشهير، أو الخصوصية الثقافية، أو حتى الثوابت والقناعات الراسخة".