ما الذي ميز المغني الأمريكي مايكل جاكسون وجعله ظاهرة فنية أثناء حياته وفنانًا خالدًا بعد وفاته؟ ما الذي ميزه عن أشقائه الذين كوّنوا معه فريق Jackson 5، أو حتى أقرانه من المغنين والملحنين المعاصرين له، بل والذين سبقوه والذين جاءوا بعده؟ ما الذي ميزه حتى لُقِّب بـ"ملك البوب"؟ ما ميز مايكل جاكسون هو بصمته في الغناء والألحان والرقص. كان يغرد خارج السرب. كان متفردًا.
وهذا ما لم يستطع أن يقوم به مخرج فيلم "شيخ جاكسون"، عمرو سلامة، من الناحية الإخراجية السينمائية. إذ صنع فيلمًا لا نستطيع أن نشهد فيه أي بصمة أو تميز للمخرج، فإذا شطبنا اسم عمرو سلامة من على تتر الفيلم ثم شاهدنا الفيلم فلن نعرف مَن المخرج، على الرغم من كونه الفيلم الخامس لسلامة.
يدور الفيلم حول الفتى خالد هاني (أحمد مالك صبيًا وأحمد الفيشاوي رجلًا)، والذي يمر بحالة من التحول خاصة بعد وفاة أمه (درة)، إذ يتعلق بالمغني الأمريكي مايكل جاكسون من أجل لفت انتباه احدى زميلاته في المدرسة، ولكن بسبب خلافاته مع والده (ماجد الكدواني) يغادر الإسكندرية إلى القاهرة ليعيش مع خاله الشيخ الملتزم دينيًا (محمود البزاوي) ليتحول إلى التزمت الديني. ولكن مايكل جاكسون وحياته حين كان صبيًا لا تفارقه، وتسبب له اضطراب يشتعل فتيله حين يعرف بوفاة المغني الأمريكي.
بالتأكيد نحن أمام فيلم جيد فنيًا. من ناحية البناء الدرامي والسيناريو المفعم بتفاصيل أغلب الشخصيات الرئيسية ومونتاج شريط الصورة والصوت والتصوير والإضاءة. إلا أن الفيلم يخلو مما يمكن أن نطلق عليه روح الفنان، حيث تغيب بصمة المخرج عن الفيلم الذي يلتزم بالأسلوب الهوليودي في كتابة السيناريو والبناء الفيلمي، وكأنه مشروع تخرج من أحد معاهد السينما خاصة الأمريكية. الكثير من الأفلام تُصنَع بهذه الجودة، بل بجودة أفضل من الناحية التقنية، إلا أن الفن يتطلب شيئًا آخر غير التقنيات؛ يتطلب روح الفنان، أو البصمة التي يصبها الفنان في الفيلم من روحه، وهو ما غاب تمامًا في الفيلم.
وهو ما يحيلنا إلى نقطة أخرى وهي أنه يبدو أننا أمام ظاهرة جديدة أو مرحلة جديدة مما يطلق عليه "السينما النظيفة" في السينما المصرية، وهي المرحلة التي يمكننا أن نطلق عليها "السينما النظيفة الفنية" والتي تستهدف الجمهور الأجنبي بالدرجة الأولى لا الجمهور المصري. ويأتي فيلم المخرج عمرو سلامة الجديد "شيخ جاكسون" 2017 ضمن هذه الفئة التي يمثلها أيضا الأخوان دياب – محمد وخالد دياب – خاصة في فيلمهما الأخير "اشتباك" 2016.
والمثير للاهتمام هو أن تتوافق هذه الرؤية مع رؤية منظمي "مهرجان الجونة السينمائي" في دورته الأولى (22 - 29 سبتمبر/ أيلول) حينما اختاروا الفيلم ليكون فيلم الافتتاح، وربما يؤكد هذه الرؤية قرار إدارة المهرجان بألا يغطي الصحفيون المصريون حفل الافتتاح وتكون تغطيته حصرية للصحفيين الأجانب. هذه الواقعة تؤكد أننا نشهد حالة جديدة تستهدف الجمهور الأجنبي فقط لا المصري وكأنه مُنتَج يصنع خصيصًا من أجل إرضاء هذا المستهلك، ولذلك يُصنَع وفقا للمعايير الأجنبية لا المصرية. وبالتأكيد الأمر يختلف في صناعة الفن عن صناعة حذاء مثلًا، فصناعة الحذاء لا تتطلب أن ينطق الحذاء بروح الصانع الذي صنعه، ولكن الأمر مختلف في الفن، فصناعة فيلم أشبه بالخلق الذي يتطلب أن يضع الفنان روحه في القطعة الفنية/ الفيلم الذي يصنعه.
محاولة الفنان أن يصل إلى الجمهور الأجنبي ليست عيبًا، ولكن العيب هو أن يحاول الوصول إلى هذه الفئة فقط؛ فالفنان يصنع فيلمًا من أجل الإنسانية، لا من أجل فئة محددة، وإذا كان يصنع الفيلم من أجل فئة محددة فمن الأولى أن يصنعه للفئة التي ينتمي إليها لأنها – من المفترض – أن تكون الأكثر تفهمًا وشعورًا بما يتناوله في عمله الفني وإلا سقط في فخ الادعاء.
التلفيق بين الرجعية والحداثة
ندرك أن صناع الفيلم يضعون الجمهور الأجنبي في اعتبارهم بداية من السيناريو مرورًا بكل الأساليب التقنية من تصوير وإضاءة ومونتاج، والتي تتبع أسلوب الأفلام الأمريكية التقليدية المعاصرة. لكن الأهم هو الفكرة التي تجذب الجمهور الأجنبي ربما أكثر من الجمهور المصري، أي وفاة المغني العالمي مايكل جاكسون، وتذكر البطل كيف أثّر المغني الأمريكي الشهير في حياته حينما كان صبيًا، وكيف تحول من فتى يعشق مايكل جاكسون ويقلده في الملبس والحركة والغناء إلى شخص متزمت دينيًا يسمع فقط قرآن وأناشيد ويرتدي جلبابًا بدويًا ويقضي الليل في قبر أو تحت السرير في محاولة منه لإدخال الخشوع إلى قلبه.
ولكن المشكلة أن تناول الشخصية جاء كاريكاتوريًا مما يجعلنا ننفر من الفكرة نفسها، ومما يريد صناع الفيلم أن يوصلوه لنا، بل ربما يجعلنا نتبنى رؤية مضادة لما يريده صناع الفيلم خاصة مع أداء أحمد الفيشاوي المبالغ فيه، أو المشهد الذي يرقص فيه مايكل جاكسون في المسجد، أو في المشهد الأخير الذي كان مثل الكريشندو في الموسيقى الكلاسيكية ولكن كضجيج بلا طحين، حيث نجد في هذا المشهد الشيخ جاكسون أو خالد هاني بجلبابه المعتاد وهو يرقص رقصة مايكل جاكسون الشهيرة والخالدة. وهو ما يعكس استمرار التناقض الذي يعيش فيه البطل والذي يبين مدى تناقض رؤية صناع الفيلم التي حاولت أن تكون توفيقية بين الرجعية المتمثلة في التزمت الديني والحداثة المتمثلة في رمز مايكل جاكسون. ولكن المشهد الأخير الكاريكاتوري يوقع الفيلم في خندق التلفيق لا التوفيق حيث سيستمر تناقض البطل النفسي بين الشقين الذين يكونان عنوان الفيلم (شيخ – جاكسون).
بالتأكيد نحتاج في السينما المصرية إلى مثل هذه الحرفية في الصناعة السينمائية إلا أننا نحتاج أيضا إلى أفلام تعكس روح وأسلوب المخرج، فما يجعل الفيلم مميزًا هو تميز رؤية وأسلوب المخرج، لا جودة التقنيات وحرفية الفنيين. فيلم "شيخ جاكسون" فيلم يؤكد التناقض الذي نعيشه طوال الوقت؛ التناقض الذي نجم عن محاولة التوفيق بين الماضي الأصولي الرجعي والحاضر الغربي الحداثي والذي لن يوصلنا إلى شيء بل سيجعلنا ويجعل السينما المصرية محلك سر.