يعرف المصريون جيدًا حكايات التعثر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم؛ الخسارة والتعادل في المباريات السهلة، سوء الحظ في المباريات الصعبة، الاقتراب من الحلم ثم ضياعه، ولكن في الكثير من الأحيان كانت أسباب عدم وصول مصر إلى نهائيات كأس العالم لا تمت لكرة القدم بصلة.
ففي الفترة من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى نهاية الستينيات، اعتذرت مصر أو انسحبت من المشاركة في التصفيات أكثر من مرة، أشهرها عندما قاطعت القارة السمراء كأس العالم 1966 الذي أقيم في إنجلترا، اعتراضًا على قرار فيفا بأن يصعد فريق واحد من قارتي آسيا وأفريقيا بعد التصفية بينهما.
وكانت مصر مدعوة للمشاركة في كأس العالم الأول عام 1930 الذي أُقيم في أوروجواي، ولكنها اعتذرت عن المشاركة لبُعد المسافة.
وفي تصفيات كأس العالم 1938 وقعت مصر في مجموعة تصفيات تضم رومانيا ويوغسلافيا، وانسحبت مصر بعد خلاف حدث بين مصر من جهة وبين فريقي المجموعة من جهة أخرى حول تحديد مواعيد مباريات المجموعة، وربما لم تكن هناك ميزانية كافية للمنتخب للسفر إلى رومانيا ويوغوسلافيا.
وكانت إسرائيل سببًا في عدم وصول مصر إلى نهائيات كأس العالم مرتين، الأولى كانت عام 1958، إذ كان نظام التصفيات ما زال يضم قارتي أفريقيا وأسيا، وكانت مصر الأقرب للوصول إلى المونديال، ولكن وقوع المنتخب الإسرائيلي في طريق المنتخب المصري للمونديال أدى لانسحاب مصر.
المرة الثانية جاءت بعد هزيمة 67 عندما اعتذر المنتخب المصري عن المشاركة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970 التي أقيمت في المكسيك بسبب ظروف الحرب.
ولكن قبل يونيو 1967 كانت مصر اعتذرت بشكل مفاجئ عن تصفيات كأس العالم تشيلي 1962 بدون سبب واضح، وللمرة الثالثة تعتذر مصر عن التصفيات المؤهلة للبطولات التي تقام في القارة الأمريكية الجنوبية، فبعد عام 1930 اعتذرت عن المشاركة في تصفيات كأس العالم المقامة في البرازيل عام 1950، بسبب بُعد المسافة.
لو لم تعتذر مصر عن المشاركة في كل هذه البطولات ربما اتخذ تاريخ الكرة المصرية مسارًا مختلفًا، فالمشاركة في بعض هذه البطولات كان سيكفل لها نسبة مشاركة تاريخية تتفوق على الفرق الأفريقية الأخرى، خاص أن مصر في هذه السنوات كانت أكثر دولة متقدمة كرويًا على مستوى أفريقيا.
وحده الجوهري
بداية من تصفيات كأس العالم 1974، وبعد حرب أكتوبر والاستقرار السياسي النسبي، بدأت مصر في المشاركة بانتظام في تصفيات كأس العالم، ولكنها رغم ذلك لم تتأهل إلا مرة واحدة في إيطاليا عام 1990 على يد المدرب محمود الجوهري. أسباب عدم وصول مصر مختلفة ومتنوعة، وكان أبرزها "تونس" وشمال أفريقيا بشكل عام، ثم المنتخبات الصغيرة وفلسفة "النقاط المضمونة".
وقف منتخبا تونس والمغرب عقبة في طريق مصر إلى التأهل لنهائيات كأس العالم في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، ففي التصفيات المؤهلة لمونديال ألمانيا 1974 خرجت مصر من التصفيات بعد الهزيمة من تونس، وتكرر الأمر في تصفيات مونديال الأرجنتين 1978 عندما خسرت مصر من تونس برباعية مقابل هدف في مباراة كان التعادل فيها يعطي تذكرة الذهاب للأرجنتين للمنتخب المصري.
ومثل تونس وقفت المغرب لمصر في التصفيات المؤهلة لمونديال أسبانيا 1982، فازت المغرب بالرباط بهدف دون رد، وفي القاهرة خرجت مصر من التصفيات بعد تعادل سلبي. وفي تصفيات مونديال المكسيك 1986، خرجت مصر من التصفيات بعد تعادل سلبي في القاهرة مع المغرب، ثم هزيمة في الرباط بثنائية نظيفة لتذهب المغرب للمكسيك على حساب مصر.
بعد ذلك لعبت فلسفة "النقاط المضمونة" التي اتبعها المنتخب المصري في مشواره للوصول لكأس العالم دورًا مهمًا في ضياع حلم الوصول. فمثلًا لم يكن من الممكن تخيل أن نخسر في تصفيات كأس العالم 1998 من ليبريا المتواضعة كرويًا، خاصة أنه في نفس التصفيات فازت مصر على الفريق نفسه بخماسية نظيفة، ولكن بعد فوات الأوان.
تجربة ليبريا تكررت من آن لآخر في رحلة مصر. في تصفيات كأس العالم 2002، وقع المنتخب المصري في واحدة من أصعب المجموعات التي عرفناها، كانت المجموعة تضم كل من السنغال والمغرب والجزائر وناميبيا بالإضافة إلى مصر.
كانت ناميبيا المنتخب الأضعف في المجموعة، بدا وكأن المباراتين تمثلان 6 نقاط مضمونة للمنتخب المصري، وبعد تعادلين مع السنغال والمغرب، بدا وكأن المنتخب المصري ضمن 8 نقاط، ولكن مصر تعادلت مع ناميبيا خارج القاهرة، خسر المنتخب نقطتين في تعادل سخيف، والغريب أن مصر عادت وفازت على ناميبيا في نفس التصفيات بثمانية أهداف.
في تصفيات كأس العالم 2010، جاءت قرعة المنتخب المصري في مجموعة أسهل نسبيًا، كان المنتخب المصري هو الأقوى أفريقيًا بعد تحقيق لقبين أفريقيين متتاليين مع المعلم حسن شحاتة، كانت المجموعة تضم زامبيا ورواندا والجزائر. على الورق كان التأهل لكأس العالم مؤكدًا خاصة وأن أقوى منتخب منافس لمصر وهو المنتخب الجزائري يمر بأسوأ حالاته ولم يتأهل لنهائيات أمم أفريقيا منذ 2006.
ولكن المنتخب المصري بدأ مشواره في التصفيات بتعادل إيجابي في القاهرة أمام المنتخب الزامبي، ثم خسر في الجزائر، لتنقلب المجموعة وتتعقد، ويبتعد حلم الوصول لكأس العالم عن مصر حتى بعد فوزها في ثلاثة مباريات متتالية أمام رواندا وزامبيا، وفوزها على الجزائر في القاهرة بهدفين.
لو فاز المنتخب المصري على زامبيا في القاهرة بدلًا من التعادل، كان سيناريو هذه التصفيات سيأخذ مسارًا مختلفًا تمامًا عما نعرفه، مسارًا لن يضع فيه منتخب مصر نفسه أمام حسابات معقدة أدت في النهاية إلى مباراة الخرطوم الفاصلة بين مصر والجزائر والتي انتهى فيها حلم الوصول لكأس العالم بقدم عنتر يحيي.
نعيش هذه الأيام حلقة أخرى من حلقات حلم كأس العالم، فرصة ذهبية للمنتخب المصري ضاعت بخسارة من أوغندا، ثم جددها تعادل المنتخب الغاني مع المنتخب الكونغولي، لتصبح مصر الأقرب إلى التأهل حتى وإن كانت في المركز الثاني بعد أوغندا.