بدأ اليوم العدّ التنازلي لـ72 ساعة، هي المُهلة التي منحتها روسيا لـ755 دبلوماسيًا أمريكيًا، لمغادرة أراضيها إلى بلادهم، وفق ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليعيد للأذهان ما وقع قبل 6 شهور بحقّ 35 دبلوماسيًا روسيًا، طردهم الرئيس السابق باراك أوباما من الأراضي اﻷمريكية، ومنحهم المهلة نفسها للمغادرة، بسبب أزمة مازالت متأججة حتى الآن.
ويأتي إعلان الكرملين ضد الأمريكيين، تفعيلاً لقرار صادر عن وزارة الخارجية الروسية، الجمعة الماضية، بتقليص عدد أفراد البعثة الدبلوماسية الأمريكية في موسكو إلى 450 شخصًا فقط، قبل حلول سبتمبر/ أيلول المقبل، وكذلك تجميد استعمال السفارة الأمريكية في روسيا لمستودعات في العاصمة موسكو، اعتبارًا من غدٍ، الأول من أغسطس/ آب 2017.
وجاء التصعيد الروسي إزاء الدبلوماسيين الأمريكيين، ردًا على قرار أمريكي بفرض عقوبات جديدة على موسكو، بدعوى احتمالية تدخُّلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
العقاب مُقدّمًا
قبل أسبوع تقريبًا، خرجت تحذيرات روسية من أن فرض عقوبات أمريكية جديدة ضدها "سيضر بشكل كبير بالعلاقات بين البلدين"، لكن تلك التحذيرات لم تثنِ أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عن الموافقة باﻹجماع على معاقبة روسيا، التي ورد اسمها يوم 28 يوليو/ تموز الجاري، على لائحة عقوبات المجلس، جنبًا إلى إيران وكوريا الشمالية.
ونالت العقوبات الإضافية على روسيا موافقة أعضاء "الشيوخ"، قبل حتى أن يصدر قرار نهائي في التحقيقات التي يُجريها مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف. بي. آي" في هذه القضية، والتي وردت فيها أسماء شخصيات بارزة، منهم مقربين من الرئيس دونالد ترامب، مثل مستشاره وصهره جاريد كوشنر، الذي خضع لتحقيق أمام لجنة معنية بالأمر، شكّلها مجلس الشيوخ.
وتعود جذور الأزمة الحالية وتوابعها، إلى شهر ديسمبر/ كانون اﻷول 2016، حين أعلن باراك أوباما- وكان وقتها لايزال رئيسًا- قرارًا بطرد 35 دبلوماسيًا روسيًا من بلاده، وإغلاق مجمعين روسيين في ماريلاند ونيويورك يستخدمان في أنشطة مرتبطة بالمخابرات، بسبب "قرصنة موسكو لانتخابات الرئاسة الأمريكية".
وفي ذلك الوقت، بدأت الأخبار تنتشر عن نوايا أمريكية لمعاقبة روسيا، التي صارت متهمة بالقرصنة ضد الانتخابات الأمريكية، باستهداف البريد الإلكتروني لمرشحة الحزب الديمقراطي (الخاسرة) هيلاري كلينتون، وأجهزة كمبيوتر تابعة لحزبها، بهدف ترجيح كفّة منافسها الجمهوري "ترامب"، وهو ما نفته روسيا مرارًا وتكرارًا.
وكان الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب، من بين الرافضين للاتهامات الموجهة لروسيا، بل واعتبر إجراء تحقيقات بشأنها "يضر بالولايات المتحدة بشدة، ويجعلها تبدو منقسمة على نفسها ومضطربة وغير موحدة". ولكن على الرغم من هذه المواقف المُسجلة للرئيس، إلا أنه سيُوقّع على العقوبات الجديدة، حسب ما أعلنه البيت الأبيض أمس الأول، ليُثقِل كاهل روسيا بمزيد من الضغوط.
مزيد من الضغوط
تشمل العقوبات الجديدة ضد روسيا، قرارات تتعلق بـ"مبيعات الغاز المسال الأميركي، والضغط على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي في السوق الأوروبية، وتقليص المدة القصوى لسوق تمويل المصارف الروسية الخاضعة للعقوبات إلى 14 يوما، وتقليص مدة إقراض شركات قطاع النفط والغاز الخاضعة للعقوبات لمدة تصل إلى 30 يوما"، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام روسية.
وتُشكّل هذه العقوبات عبئًا إضافيًا على موسكو، التي مازالت محكومة بعقوبات فُرِضَت عليها عام 2014، حين تفجّرت أزمة شبه جزيرة القِرم التي ضمتها روسيا لأراضيها، بعد أن كانت تابعة لأوكرانيا.
وأشار مسؤولون روس سابقون، في مارس/ آذار الماضي، إلى ما تكبدته بلادهم من خسائر جرّاء العقوبات المفروضة عليها، لم يكن بالأمر الهيّن، إذ أنها تبطئ نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.5% سنويًا؛ ما تراجع بالاقتصاد الروسي في السنوات الأولى بعد فرض العقوبات بمقدار تراوح بين 0.8% و1% سنويا.
خسائر مزدوجة
في وقت أزمة القرم، رحّبت الدول الأوروبية بمعاقبة الولايات المتحدة اﻷمريكية لموسكو، الأمر الذي ربما لن يتكرر هذه المرّة، خاصة وأن هناك استهجانًا بدا من دولة مثل ألمانيا للعقوبات الجديدة، التي خرجت للعلن دون تنسيق مع الشركاء اﻷوروبيين.
وخرج رد الفعل الأوروبي، عن طرف ينظر بعين إلى المصالح الاقتصادية لشركات بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي قد تضرها العقوبات الجديدة، آخذًا ف يالاعتبار ما تكبده الاتحاد من خسائر حين طبّق عقوبات 2014 على موسكو.
وللتذكرة، فإن روسيا واجهت العقوبات الأوروبية وقت أزمة القرم، بحظر استيراد المواد الغذائية من الدول التي فرضت عقوبات عليها، والتي بعد شهور قليلة من فرضها، أعلن وزير الخارجية الإسباني، أنها كلّفت الاتحاد الأوروبي خسائر تقدّر بـ21 مليار يورو في مجال الصادرات.
وتتجه أنظار العالم اﻵن صوب الإدارة الأمريكية، إذ أن توقيع أكبر رأس بها بالموافقة على العقوبات الجديدة، سيفتح الباب على مصراعيه أمام ردود فعل متبادلة بين البيت الأبيض والكرملين، ربما تشهد معها الأيام المقبلة تصعيدًا سياسيًا واقتصاديًا، بين بلدين كانتا على قدر كافٍ من الخلاف وتعارض المصالح، لدرجة الوقوف في معسكرات متضادة، حتى في أزمات بعيدة عن حدودهما، والأزمة السورية هي على ذلك خير دليل.