نشرت النسخة الإنجليزية من المقال في صحيفة ميدل إيست آي
فيما يتعلق بالوضع في سيناء، مارس الجيش المصري قدرًا مساويًا من التفكير الذي مارسه الرئيس عبد الفتاح السيسي في إدارته لاقتصاد البلد المتدهور.
مع مقتل وإصابة 50 جنديًا مصريًا في وقت مبكر هذا الشهر، بعد هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الأخير، لا بد من إعادة التفكير في حسابات الحكم.
ظهرت الجماعة التي كنت تُعرَف من قبل بـ "أنصار بيت المقدس"بعد خلع حسني مبارك، وذلك وسط القبائل التي زعمت أنها تعرضت لقمع الحكومة المصرية. في ذلك الوقت، ركزت الجماعة على الهجوم على إسرائيل، واكتسبت سمعتها السيئة بعد الهجوم على خط الغاز المصري الذي يوصل الغاز إلى الأردن وإسرائيل.
ولكن في السنوات الأخيرة، حوّلت الجماعة اهتمامها إلى الهجوم على قوات الأمن المصرية. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، بايعت الجماعة تنظيم الدولة الإسلامية وصارت "ولاية سيناء". ولأربع سنوات، تصاعد التمرد في المناطق الشمالية من سيناء.
مرارًا وتكرارًا، ينفذ التنظيم أعمالًا إرهابية. ومع تنفيذ كل هجوم كبير، نتوقع أن يكون رد الفعل مؤثرًا. ولكن هذا لم يحدث أبدًا.
ولكن هناك حلول لمواجهة التمرد، الذي تصاعد في دلتا النيل، خاصة في الشهور الأخيرة. بإلقاء النظر على التاريخ العسكري والأيدولوجيا والجغرافيا، نرى أنه قبل كل شيء، فاللجوء للمنطق هو الحل.
تصعيد العنف
بشكل مستمر، أشبه بشروق الشمس في الصحراء، تعلن الحكومة أن تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء في وضع دفاعي، أو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ولكن بدلًا من تحقيق مجموعة من النجاحات، خاصة منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، كان النمط بشكلعام هو تصاعد الهجمات الإرهابية، سواء من جهة تواترها أو من جهة عدد القتلى.
قَل عدد الهجمات في العام الماضي من 225 في الربع الثاني إلى 209 في الربع الثالث، انتهاء بـ 168 في نهاية العام، ولكن وفقًا لمعهد التحرير فالذي حدث هو إعادة صياغة للاستراتيجية، إذ توسع تنظيم الدولة في هجماته ليركز على تأجيج الفتن الطائفية بالقيام بهجمات على المسيحيين في مصر.
بدأت هذه الهجمات على المسيحيين في سيناء في فبراير/شباط في العريش، بشمال سيناء، وأدت إلى نزوح الآلاف بينما لم يكن رد فعل الدولة في الواقع سوى الصمت.
وصل تنظيم الدولة الإسلامية إلى دلتا النيل، وقام بهجمات كبيرة ومتعددة في أبريل/نيسان استهدفت كنائس بمدن رئيسية من الإسكندرية إلى طنطا، وقتلت أكثر من 100 مسيحي – أحد هذه الهجمات قتل وحده أكثر من 40 شخصًا.
ربما تزعم المخابرات الإسرائيلية أن الجيش المصري، حقق "سلسلة من النجاحات" ضد مقاتلي شمال سيناء، بعد مساعدتها التي تشتمل على مراقبة الحوارات والطلعات الجوية المتباعدة.
ولكن بينما قل عدد الهجمات في الربع الأخير من العام الماضي، زاد عدد المدنيين وسط مجموع القتلى الـ 168 بنسبة 107% عن الربع السابق له.
الأرقام لا تكذب، وفي مواجهة الكارثة، تظل الخيارات محدودة: التراجع في خوف، أوالاستمرار في ممارسة الحلول السطحية التي تسمح بالتباهي بسردية النجاح العابرة، أو قبول المسؤولية والتفكير في حلول أفضل. الأفضل لمصر أن نتجه إلى الاختيار الثاني، وبصراحة، كان علينا أن نبدأ في ممارسة تلك الحلول منذ وقت طويل.
كيف تنتصر
لماذا ننظر لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، بينما ضرب الإرهاب مناطق عميقة مثل القاهرة والغردقة منذ عدة أيام؟ من الواضح أن مركز التمرد، الذي لا تظهر فيه أي إشارة للتراجع، هو شمال سيناء، حيث يصل عدد أفراد الجيش المصري إلى 20 ألف.
الضربات تنتشر بشكل مخيف في المراكز الحضرية بالبلاد: ولكن يظل نموذجها الرئيسي هو حرب العصابات في سيناء. ولكي تنتصر في سيناء، عليك أن تهزم تنظيم الدولة الإسلامية في نطاقه، باستخدام بعض من استراتيجياته.
يقال بشكل متكرر إن الجيش التقليدي لا يمكنه أن يحارب جيشًا غير تقليدي، أو عناصر بدون دولة، ويعود هذا غالبًا لأن الجيش غير التقليدي لديه القدرة على الانتقال بسهولة ويسر من الوضع غير المسلح إلى الاستعداد المسلح في الزمان والمكان الذي يختاروه، وفي الموقع الجغرافي المفضل له، وعناصر هذا الجيش مثلها مثل السكان المحليين أنفسهم، يمكن أن يذوبوا بسهولة بداخل الكتلة السكانية، ويمكنهم أيضًا أن يحظوا بالتعاطف لأنهم يفهمون مظالم الأهالي.
حينما نضع العوامل الثلاثة التالية في ذهننا، يمكننا أن نصوغ خطة أفضل للمواجهة. لماذا نسمح للمقاتلين أن يحددوا موقع المعركة ويواجهوا القوات الثابتة؟ الخطوة الأولى للانتصار في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية تتضمن تحريك قوات الدولة المسلحة.
كن متحركًا
لا يعني هذا فقط ضرورة أن تكون الكمائن متحركة، ولكن أن تجعل من المستحيل على العناصر المسلحة وسط السكان أن ينظموا الهجمات ويحققوا الانتصارات، وفي الوقت نفسهلابد أن يفكر الجيش خارج الصندوق، وأن يضع الشِراك لا أن ينتظر الهجوم.
سواء كان الكمين في العريش او الشيخ زويد أو رفح، لا بد أن تتواجد القوات الخاصة في مساحات متحركة على مسافات 100 و500 1000 متر لكل كمين، تكون هذه الفرق كبيرة الحجم وتملك أسلحة متطورة، لتقم بدور مزدوج دفاعي/هجومي، للكمائن الثابتة والمتحركة.
بدلًا من الجنود الثابتين المعرضين للهجوم، ذوي الأسلحة الضعيفة والتدريب السيء، لا بد أن تعمل القوات النظامية مع القوات الخاصة المدربة جيدًا، ليس فقط لصد الخلايا الإرهابية، بل أيضًا لمطاردتها وتدميرها. هذه النقلة الاستراتيجية ستحطم قدرة تنظيم الدولة على مفاجأة القوى النظامية وستبدأ بالتالي في تغيير مسار المعارك.
والتغيير اليومي للطرق التي تتخذها قوات الشرطة والجيش ستعطل أيضًا كفائة العربات الملغمة والعبوات الناسفة التي يستخدمها التنظيم.
فز بالقلوب والعقول
الفوز بقلوب وعقول السكان المحليين سيضعف قدرة تنظيم الدولة على الاختلاط مع سكان سيناء، خاصة أنهم يتمتعون بامتياز المعرفة الجغرافية للمكان. من الأمور المحورية أن تفهم وكالات المخابرات ما يحتاجه السكان، وكيف يتصرف تنظيم الدولة الإسلامية مع المواطنين.
بعد مرور حوالي ثلاث سنوات من انضمام ولاية سيناء لتنظيم الدولة الإسلامية، استخدم التنظيم أسلوب العصا والجزرة بأفضل شكل. معظم الناس لا يسمعون سوى عن ممارسات العصا، لأن الصحفيين غير مسموح لهم بدخول سيناء، باستثناء حالات نادرة، إذ تقدم الحكومة تغطية من طرف واحد، تنشر الدعاية فيها أكثر من المعلومات.
سيقرأ المصريون أو يشاهدون مقاطع فيديو تظهر ممارسات قطع الرؤوس أو تدمير المنازل التي يقوم بها التنظيم، وذلك في محاولة لتخويف السكان المحليين والسيطرة عليهم. ولكن العديد من الناس لا يعرفون شيئًا عن الأموال التي يدفعها التنظيم للسكان المحليين تعويضًا عن المنازل التي دمرها الجيش أثناء بحثه عن مقاتليهم.
عن طريق ذلك يحسّن التنظيم من سمعته في المنطقة، ويستفيد من السخط المحلي على جهود الجيش غير المدروسة االتي أدت لعمليات إخلاء قسري وفقدان عدد من السكان لمنازلهم ووظائفهم، إلى جانب هدم شبكات الأنفاق وتحول الأرض إلى مكان خالي من البشر.
تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء ينسخ جهوده الاجتماعية في سوريا والعراق، ولا يتردد في هذه الجهود ليترك أثرًا دائمًا، ومن جهوده توزيع الأموال التي توضع في أظرف بريدية، مكتوب عليها "تنظيم الدولة الإسلامية، ولاية سيناء"، ويوزعون التموينات على الأسر، ويقدمون الهدايا إلى الأطفال.
الأموال غانية عن التعريف، وتنظيم الدولة الإسلامية يفهم ذلك. تريد أن تحظى بمكان في معركة القلوب والعقول؟ ليس من المفترض أن يُنظر للجيش على أنه الطرف الذي يدمر الحياة، ويهدم البيوت، ويغلق المدارس، ويقتل السكان والعائلات.
القيام بالجهود المحلية لإعادة بناء المدارس، وإنشاء برامج تدريب على الأعمال الصغيرة، والمعاملة الأفضل في الكمائن، كلها عوامل ستحقق خسائر للعدو الذكي.
استعِد الأرض
مع الانتصارات العسكرية، يأتي "توسيع النطاق" الذي يقوم به تنظيم الدولة، الذي يشمل إنشاء كمائنهم الخاصة والاستعانة بـ "شرطة الأخلاق" وإعاقة تهريب السجائر، وهي تجارة متفجرة.
وبشكل منافق، وبينما اعتمد جل تمويل ولاية سيناء في فترة مبكرة على تنظيم الدولة الإسلامية، فمع الهزائم المتلاحقة في العراق وسوريا، تعتمد عمليات الجماعة وبرامجها الاجتماعية بشكل كبير الآن على الدخل القادم من تجارة المخدرات، وصار ذلك ممكنًا بسيطرتها على المناطق الحدودية.
في الحقيقة، تنظيم الدولة الإسلامية متورط للغاية في تجارة المخدرات، لدرجة أن هناك زعمًا بأن إحدى أكبر القبائل في شمال سيناء – قبيلة الترابين – هاجمت الجماعة ودعت القبائل الأخرى في المنطقة للاتحاد معها. الموقف الذي تتخذه الترابين غير نابع من "موقف وطني كبير" كما أخبرني زاك جولد، الزميل غير المقيم في آتلانتيك كاونسل، ولكنه نابع من المعركة على المكاسب غير المشروعة.
رغم إن القول أسهل من الفعل، محو سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عن تلك المناطق سيحقق الهدف الأهم لقوى الأمن: وهو قطع الإمدادات المادية التي تمول العمليات الإرهابية.
ما وراء الحلول السريعة
النقلة الاستراتيجية في الحماية العسكرية، وعمليات الهجوم ضد عدو متحرك، وأسلوب الجزرة مع سكان سيناء الذي لم يروا سوى العصا وقطع التمويل، كلها ضرورات وليست اقتراحات.
إذا كانت الحكومة جادة في السعي لهزيمة تنظيم الدولة، فالأفكار متاحة. ما نحتاج إليه هو الإرادة السياسية والعسكرية لتنفيذ تلك الأفكار. ولكن حتى الآن سياسة الحكومة هي: نحن بحاجة إلى وحوش، فلتتقدموا.
إذا كنت شخصًا متهكمًا سوف أتساءل: بدون الوحوش المماثلين لتنظيم الدولة الإسلامية، كيف سيبرر السيسي حالة الطواريء الفاشلة وغير المنتهية؟
الحلول السريعة وعدم تغيير الأسلوب سيزيد الشكوك حول دوافع النظام بالقاهرة.
ومن أجل أن نتجنب أن تتحول القاهرة إلى شمال سيناء، على السيسي أن يتحرك، الآن.