عندما وصلت حفارات النفط إلى وسط اليمن قبل ثلاثة عقود، لم تكن قبيلة الشيخ سالم سعيد بن هوطلي تتوقع ما كان سيحدث.
"وإلا لكنا حمينا أنفسنا"، حسب ما قال الزعيم القبلي، الذي يعيش في منطقة زراعية محاطة بآبار النفط، في مقابلة مع الصحفيين.
ويتذكر أنه شاهد خلال السنوات المنصرمة عمال شركة نفط أجنبية يقومون بإلقاء براميل لما يبدو أنها نفايات الحفر في حواجز رملية مفتوحة بالقرب من المكان الذي تعيش فيه قبيلته.
واستذكر كيف كانت الطيور تأتي وتشرب الماء. ولكن عندما بدأت تموت، أقامت الشركة سياجًا حول الحفر الرملية، لكن هذا لم يفعل الكثير لمنع الأمطار الغزيرة من جرف المحتويات إلى أسفل الوادي وصولًا إلى منطقة رسب، حيث تعيش قبيلة بن هوطلي في قلب إحدى المناطق المنتجة للنفط في البلاد.
وقال بن هوطلي لـ"مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود" OCCRP إنه "عندما تأتي السيول الجارفة، نرى سوادًا في الماء يشبه النفط".
ومثل العشائر الأخرى التي تعيش بالقرب من حقول النفط اليمنية، دفعت قبيلته ثمنًا باهظًا بينما حققت شركات استخراج النفط الخاصة والعامة مليارات الدولارات. ومنذ اكتشاف النفط في اليمن في ثمانينيات القرن العشرين، تعثرت محاولات المساءلة بسبب الحرب وتشظي السلطة السياسية.
يوثق تقرير غير منشور أُنجز نهاية عام 2014 بتكليف من البرلمان اليمني أكثر من 30 انتهاكًا بيئيًا ارتكبتها عشرات شركات النفط والغاز ما بين أيام الازدهار في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لحين انزلاق البلاد إلى حرب أهلية في عام 2014. وتقدم المقابلات التي أجراها فريق التحقيق الصحفي مع السكان المحليين والخبراء والمسؤولين، بالإضافة إلى مراجعة سجلات المحكمة وتقارير أخرى تتعلق باستخراج النفط والغاز، صورة مماثلة عن هذه الممارسات.
تم تسليم التقرير إلى المشرعين نهاية عام 2014 عندما بدأت البلاد تنحدر إلى حرب أهلية. وما زال التقرير حبيس الأدراج منذ ذلك الحين بينما غادرت العديد من شركات النفط البلاد مع تردي الأوضاع الأمنية. وتظهر تقارير OCCRP أن الشركات الحكومية التي استحوذت على الصناعة من الشركات الأجنبية متهمة الآن بمواصلة الدمار.
في إحدى الحالات، يقاضي الرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن د. عبد القادر الخراز شركة حكومية بسبب الآثار الصحية المستمرة على الناس في المنطقة.
ويقول درهم أبو حاتم، مدير عام البيئة والسلامة في وزارة النفط والمعادن اليمنية لـ OCCRP "إن الشركات عندما تحفر في أي دولة من دول العالم يكون عندها لوائح تنظيمية وخوف على سمعتها. ولكن عندما تعمل في دولة القانون عندها ضعيف تأخذ الشركات راحتها" وبخاصة أنه وقتها أيضًا لم تكن هناك لوائح وضوابط لتنظيم الأثر البيئي لعملية التنقيب.
تمت كتابة التقرير المؤلف من 147 صفحة من قبل د. محمد الحيفي أستاذ البيئة المشارك في جامعة صنعاء وراجعه المهندس علي عبدالله الذبحاني مدير عام السلامة الكيميائية والنفايات الخطرة في وزارة المياه والبيئة. وتم تكليفهم من قبل البرلمان في ظل تزايد الشكاوى بشأن مخالفات في قطاع استخراج النفط والغاز . وبحسب الصور الملتقطة والتحليلات لعينات المياه والهواء وعمليات التفتيش وشكاوى المواطنين، يصف التقرير الحوادث التي تورطت فيها أكثر من اثنتي عشرة شركة نفط دولية، فضلًا عن شركات ومقاولين محليين.
مثلًا، شركة النفط الكندية نكسن - التي كانت تعمل حتى عام 2015 بالقرب من قبيلة بن هوطلي متهمة بـ "التهور والإهمال المتعمد في تلويث البيئة بسوائل الحفر"، حسب ما ذُكر في التقرير البرلماني.
وخلص التقرير إلى أن حجم التلوث وتكراره "يشير إلى الإصرار المتعمد على ارتكاب جرائم ضد البيئة".
تظهر صور التقطها فريق الصحفيين العاملين مع occrp نهاية عام 2021 لمواقع حفارات نكسن بالقرب من المكان الذي يعيش فيه بن هوطلي، وهي منطقة تعرف باسم قطاع 51، كميات كبيرة من السوائل الداكنة تتجمع بين رمال الصحراء. تم شراء نكسن من قبل CNOOC الصينية في عام 2015.
وبدلاً من معالجة نفايات الحفر بشكل صحيح، اختارت الشركة الكندية الخيار "الرخيص والسهل" المتمثل في خلط سوائل النفط ببساطة في التربة وتركها في حفر مفتوحة، كما قال د. عبد الغني جغمان، الخبير الجيولوجي الذي عمل في وزارة النفط اليمنية في أوائل عام 2000، بعد مراجعة التفاصيل الواردة في التقرير.
وقال د. جغمان الذي راقب عمل شركات النفط خلال فترة عمله في الوزارة في مقابلة مع الـ occrp أن "نكسن" كانت مهملة بشأن طريقة التخلص من سوائل الحفر أو معالجتها". وأضاف قائلًا "شركة نكسن لم تكن وحدها، ولكن حتى الشركات الأخرى العاملة في اليمن".
وقال علي الذبحاني، الرئيس السابق لإدارة النفايات الخطرة في وزارة البيئة، الذي راجع التقرير قبل تقديمه إلى البرلمان، لـ OCCRP إن التقرير لا يظهر فقط "تهور وإهمال" شركات النفط، ولكن أيضًا فشل السلطات اليمنية في تطبيق التعليمات بشكل صحيح.
وحسب ياسمين الإرياني، المديرة التنفيذية للإنتاج المعرفي بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، التي سلطت الضوء على تحديات قطاع النفط في دراسة لها عام 2020، فإن اندلاع الحرب الاهلية في اليمن عرقل بصورة أكبر جهود إصلاح القطاع. وقالت الإرياني لـoccrp "إن الظروف اليوم أصبحت أكثر صعوبة لسن آليات المساءلة".
بعد دعم موازنة الحكومة اليمنية لعقود، أصبحت أرباح النفط الآن تشكل مصدر دخل للفصائل المتحاربة في البلاد. ولا يزال المواطنون مثل الشيخ الهوطلي يعيشون مع هذه التداعيات. ومثل كثيرين في المنطقة، يلقي الشيخ بن هوطلي باللوم على التلوث النفطي في انخفاض غلة المحاصيل في منطقته وارتفاع الأمراض مثل السرطان وأمراض الكلى.
ويتحسر قائلًا "أرضنا لم تكن أبدًا هكذا. لقد كانت مثمرة والآن أصبحت قاحلة ولا فائدة منها".
ولم ترد وزارة النفط والمعادن على أسئلة أرسلها فريق الصحفيين الاستقصائيين حول ما وثقوه وكشفوه.
ويقول المسؤولون الذين حاولوا محاسبة الشركات إنه تم إسكاتهم.
وقال رئيس سابق لهيئة حماية البيئة اليمنية إنه استهدف بعد تحديه لشركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج التي تديرها الدولة بشأن سجلها، ومنذ ذلك الحين رفع دعوى قضائية ضد الشركة وفر من البلاد. وقال مسؤول كبير آخر في هيئة حماية البيئة إنه طرد أيضًا العام الماضي بعد تحديه لشركات النفط والسلطات.
القطاع 14
بعد اكتشاف النفط في اليمن في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، توافدت مجموعة من الشركات الأجنبية على البلاد للحصول على مناطق الامتياز التي قامت الحكومة بتقسيمها إلى "قطاعات" بموجب اتفاقيات مشاركة الإنتاج، التي منحت الشركات حقوق التنقيب عن النفط بشرط أن تتقاسم الإتاوات مع الدولة.
في ذروة الإنتاج في أوائل عام 2000، كان اليمن يضخ 450,000 برميل يوميًا. وقبل اندلاع الحرب، كانت عائدات النفط والغاز تمثل حوالي 70 في المائة من ميزانية الدولة.
كانت نيكسن، التي كانت تعرف سابقًا باسم أوكسيدنتال بتروليوم الكندية، واحدة من أوائل الشركات التي عثرت على النفط في عام 1991. وبحلول أوائل عام 2000 كانت تدير قطاعين في محافظة حضرموت. لم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ السكان المحليون في الشعور بآثار عملها.
يفصل التقرير البرلماني كيف انزلق ما يقدر بنحو 450,000 برميل من المياه الزيتية في مارس/آذار 2008 من بئر تصريف في منطقة امتياز نكسن الرئيسية، قطاع 14، حيث انسكبت لمسافة تقريبًا ثلاثة كيلومترات.
يتذكر الزعيم القبلي عمر سعيد باعباد حادثة التسرب. وقال باعباد الذي يبلغ من العمر 75 عامًا، في مقابلة مع OCCRP خلال زيارة للمنطقة أن المياه الملوثة استمرت في التدفق لمدة أربعة أيام، وغطت العديد من مزارع المنطقة.
وأضاف قائلًا "إن الأرض لم تعد كما كانت أبدًا، كنا ننتج 40 إلى 50 كيسًا من القمح في الموسم الواحد. أما الآن فنحن ننتج 10 فقط ونشتري الباقي".
مؤلفو التقرير وصفوا المياه بأنها "مياه مصاحبة": سائل يتم ضخه إلى السطح إلى جانب النفط وغالبًا ما يكون ملوثًا بمواد كيميائية خطرة، بعضها مشع.
وأشار التقرير إلى أن الشركات في جميع أنحاء حضرموت ارتكبت "انتهاكات بيئية صارخة" عند التخلص من هذا النوع من النفايات.
يمكن التخلص من المياه المنتجة عن طريق إعادة حقنها مرة أخرى في الحوض الذي أتت منه، ولكن يجب أن يتم ذلك بعناية لتجنب تلويث مصادر المياه الجوفية، كما أوضح د. جغمان، خبير الجيولوجيا. الخطر شديد خاصةً في حضرموت، التي تقع فوق أكبر طبقة مياه جوفية في اليمن.
وقال د. جغمان إن "المياه المنتجة سامة، ولا يمكن استخدامها للبشر أو الزراعة ما لم تخضع لمعالجة كبيرة، وهو ما تتجنبه شركات النفط لأنها عملية مكلفة".
بعد أن غادرت نكسن قطاع 14 في عام 2011، وجدت الشركة التي تديرها الدولة والتي استحوذت على قطاع ذلك الموقع في حالة من الفوضى، وفقًا لقضية تحكيم دولية رفعتها وزارة النفط والمعادن اليمنية ضد الشركة الكندية وشركائها في باريس بعد عامين على مغادرتها اليمن. المحكمة التجارية متخصصة في فض النزاعات التجارية.
واتهم اليمن الشركات بإعادة حقن المياه المصاحبة بلا مبالاة، والفشل في مراقبة ما إذا كانت الشركات قد لوثت المياه الجوفية. واعترفت نكسن خلال التحكيم بأنها ضخت المياه الملوثة أسفل طبقة المياه الجوفية العذبة لمدة خمس سنوات في تسعينيات القرن العشرين، لكنها قالت إنها لم تسبب أي ضرر بيئي.
كما وصفت الوزارة في مرافعتها أنها عثرت على آبار خطرة وناقصة، ونفايات ملقاة أو محترقة في العراء، ومحرقة نفايات مكسورة لم يتم إصلاحها منذ سنوات. وعلى الرغم من أن القوانين البيئية في اليمن كانت وقتها ضعيفة، إلا أن وزارة النفط جادلت في محكمة التحكيم الدولية الأولى بأن نكسن وشركاءها فشلوا في تلبية المعايير الأساسية المنصوص عليها في العقد.
في حين تم رفض بعض الاتهامات، على أساس أنه تم اعتبار الادعاء حول التسبب في التلوث بالمياه المنتجة خارج إطار قانون التقادم، أمرت المحكمة شركة نكسن بدفع ما يقرب من 10 ملايين دولار على شكل غرامات لاستبدال المحرقة المكسورة، ومعدات أخرى لم تعد فاعلة، وأيضًا لدراسة تقييم الأثر البيئي الذي لم تقم به الشركة قبل أن تغادر القطاع الذي عملت به.
بالنسبة لليمنيين الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط في البلاد، يمكن قياس تأثير التلوث بأكثر من الدولارات، حيث أظهرت الدراسات العلمية أن العيش بالقرب من حقول البترول يرتبط بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع مرض السرطان.
تظهر البيانات الصادرة عن مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان، عن المنطقة التي عملت فيها شركة نكسن، أن حالات السرطان تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا بين أوائل عام 2000 وعام 2015. وقال مديرها، الدكتور وليد عبد الله البطاطي، إنه على الرغم من عدم وجود دراسات تثبت أن التلوث النفطي تسبب في ارتفاع الأعداد، فإن المناطق القريبة من الكتل النفطية "لديها أعلى معدلات الإصابة بالسرطان مقارنة بالمحافظات الأخرى".
ويلقي باعباد، الزعيم القبلي الذي تلوثت أرضه، باللوم على التلوث النفطي، وأنه كان سبب السرطان الذي أودى بحياة شقيقه قبل بضع سنوات.
وقال للصحفيين في لقاء بمنزله "صحتنا و أراضينا كلها دمرت بسبب شركات النفط".
القطاع 18
في المنطقة الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط في اليمن، على بعد حوالي 30 كيلومترًا من مدينة مأرب، يقع القطاع 18، حيث اكتشفت شركة هنت للنفط ومقرها دالاس في الولايات المتحدة الأمريكية أول نفط في اليمن عام 1984 .
يصف التقرير البرلماني انتهاكات مختلفة خلال فترة ولاية هنت التي استمرت 20 عامًا تضمنت انبعاث مستويات خطيرة من أكاسيد النيتروجين في الهواء إلى جانب التخزين غير السليم لمئات البراميل من المواد الكيميائية منتهية الصلاحية.
كما وجد أن شركة هنت قد دفنت مواد كيميائية في حفرة في الصحراء إلى جانب نفايات الحفر، ويُزعم أنها حاولت دفن "كمية لا يستهان بها من نفايات الحفر" في موقع آخر قبل أن يوقفها المسؤولون المحليون في منتصف الطريق. ورفضت شركة هنت التعليق على ما ورد في التقرير.
خرجت هنت من قطاع 18 عام 2005 بعد أن رفض البرلمان تجديد عقد الامتياز. لكن شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج (SEPOC) التي تديرها الدولة والتي استحوذت عليها متهمة بمواصلة إرث شركة هنت.
إرث مدمر
في عام 2018، تلقى د. عبد القادر الخراز، الذي كان آنذاك رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن البيئة، شكوى مفادها أن الشركة الحكومية صافر دفنت نفايات كيميائية خطرة من إحدى وحدات المعالجة التابعة لها في الصحراء. بعد أقل من عام، تلقت الهيئة نفسها شكوى أخرى مفادها أن الشركة كانت تخزن المواد الكيميائية بشكل غير صحيح، مما يجعلها عرضة للعوامل الجوية، في تهديد للمنطقة المحيطة.
بعد فشل جهوده المتعددة للحصول على تعاون من شركة صافر، رفع د. الخراز دعوى قضائية في عام 2020 متهمًا الشركة بدفن المواد الكيميائية الخطرة ونفايات الحفر، وطالبها بتعويض نيابة عن العشرات من مرضى السرطان.
يدعم د. الخراز ادعاءاته أمام المحكمة بنتائج بتحليل 65 عينة تربة أخذها من مواقع مدافن النفايات والقمامة المختلفة في قطاع 18 الذي تديره صافر وقطاعين مجاورين على مدار عدة سنوات. وكشفت الاختبارات المعملية أنها تحتوي على جزيئات هيدروكربونية متطايرة ومعادن يمكن أن تسبب السرطان مثل الكروم والنحاس والنيكل والرصاص بمستويات أعلى من الحدود الدولية المسموح بها.
في إحدى العينات، كان مستوى الرصاص أعلى بأكثر من 120 مرة من المعيار الدولي المستخدم في المختبر، بينما كان الزنك أعلى 32 مرة.
كما وزع الخراز استبيانًا عام 2020 على عينة عشوائية من 51 شخصًا في حريب، وهي مدينة بالقرب من القطاع التي أخذت عينات منه، ووجد أن ما يقرب من ثلثيهم يعانون من السرطان وأكثر من 17 في المائة يعانون من أمراض الصدر والجهاز التنفسي. وكان معدل الإصابة بسرطان الدماغ أعلى بين الأطفال بحسب ما وثق.
وفي تصريحات لـ OCCRP، نفت صافر دفن أي مواد خطرة في موقعها أو انتهاك لقانون البيئة اليمني الذي يعاقب على التلوث المتعمد الذي يضر بالبيئة بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات. ورفض المتحدث باسم صافر التعليق على دعوى د. الخراز التي لم تراوح مكانها في أروقة المحكمة.
وقالت الشركة إنه منذ توليها القطاع 18، اتخذت تدابير لحماية البيئة، مثل تبطين حفر النفايات وحماية إمدادات المياه من خلال تدعيم أفضل للأنابيب تحت الأرض.
صناعة النفط "خط أحمر"
توقفت الإجراءات القانونية التي اتخذها د. الخراز ضد صافر في المحاكم منذ عام 2020، حيث يطعن محامو الشركة في التفاصيل الفنية بينما تنحى القاضي الأصلي في القضية عن منصبه في ذلك العام، ورفض قضاة آخرون إعادة فتح القضية. وفي الوقت نفسه، قال د. الخراز إنه قوبل بحملة ترهيب.
في سبتمبر 2019، بعد بضعة أشهر من تقديم شكواه الثانية إلى صافر، تم استبدال د. الخراز رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة.
وعندما رفع د. الخراز القضية ضد صافر في العام التالي، طلب محامي الشركة من النيابة التحقيق معه بتهمة الإخلال بالسلام والإضرار بالمصلحة العامة.
في مرحلة ما من التقاضي، طلب د. الخراز الحماية بعد أن أخبر محامي صافر المحكمة أن السكان المحليين عرضوا على الشركة منعه من رفع قضية ضد شركة النفط. وقال د. الخراز إنه ينظر إلى التعليقات على أنها تهديد.
يقول د. الخراز إنه فر في نهاية المطاف من اليمن بعد أن تصاعدت التهديدات ضده. التهديدات بدأت "كنصيحة" من الأصدقاء ثم تطورت إلى الترهيب اللفظي، بما في ذلك المسؤول الحكومي الذي تحدث إلى والده.
ويعتقد د. الخراز أن حادثة قصف منازل العائلة في مأرب بصواريخ الدبابات في 9 ديسمبر 2021 بعد شهر من مغادرته البلاد "إنما هو تنفيذ للتهديدات التي تعرض لها بسبب ما كشفه حول الموارد النفطية، والقضية التي رفعها ضد الشركات النفطية المتعلقة بالتلوث النفطي ومطالبته بوقف عمليات دفن المخلفات الخطرة ومعالجة مرضى السرطان بالمنطقة وتعويضهم" على الرغم من أن OCCRP لم تجد أي دليل يؤكد ذلك.
ويظهر مقطع فيديو تم تصويره في مضارب آل الخراز قيادات الجيش في محافظة مأرب يزورون الديوان بعد التوصل لصلح عشائري مع وجهاء العائلة مقرون بتعويض عن الخسائر. ونفى متحدث باسم قائد اللواء 14 التابع للحكومة المعترف بها دوليًا مزاعم د. الخراز بأن قصف منازل العائلة "كان بناء على أوامر وصلت القيادة المحلية من جهات داخل الدولة".
وقال المتحدث لـ occrp إن "كل ما ذكرتم في رسالتكم مجانب للحقيقة. قضية الأخ محمد الخراز تم تحكيمه فيها بإشراف وجاهات قبلية وتم تعويضه بما حَكم به. وقد تنازل عن القضية برضاه وبعد استلام التعويض وكتب أنه لم يبق له أي دعوى أو طلب في الحكم الموجود لدينا".
وقال د. الخراز الذي يقضي الآن غالب وقته متنقلًا بين عديد الدول العربية والأجنبية "أن الأشخاص النافذين في الحكومة وشركات النفط يحمون مصالحهم من خلال منع التدقيق الفعال في قطاع استخراج النفط".
وقال محمد سالم مجور مدير مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة شبوة الغنية بالنفط إنه تم إقصاؤه من الوظيفة أيضًا بعد محاولته كشف التلوث في منطقته.
في عام 2020، بدأ مكتبه في توثيق التلوث الذي تقوم به شركات النفط الأجنبية والمحلية العاملة في المنطقة. وشملت هذه الانتهاكات الفشل في وقف تسرب النفط المتكرر وبكميات كبيرة من خط أنابيب تديره الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية التي تديرها الدولة، ومعالجتها بشكل صحيح.
ولم ترد الشركة على طلب occrp الحصول على تعليق.
وكتب مجور في بيان عام نُشر في أبريل/نيسان 2022 "أنه سرعان ما تم تحذيرنا من بعض السلطات بخطورة ذلك الملف لأنه ظل لسنوات سابقة خطًا أحمر بعيدًا عن الرقابة لارتباط القطاعات النفطية بقوى نفوذ تتحكم بها وتحمي تلك الشركات العاملة فيها".
وبعد شهرين، كتب مجور رسالتين إلى محافظ المنطقة يزعم فيها أن مبعوثه أصدر تعليمات إلى الهيئة العامة لحماية البيئة بعدم اتخاذ إجراءات قانونية ضد شركات النفط أو الإضرار بسمعتها. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، تم استبعاد مجور.
ولم يرد مكتب محافظ شبوة على طلبات متكررة للتعليق.
وأبرز مجور نسخة لشكوى الفصل التعسفي التي رفعها لدى مفوضية حقوق الإنسان اليمنية. وأكدت المفوضية استلام الشكوى لكنها لم تعط المزيد من التفاصيل. وقال مجور في مقابلة مع occrp في شهر مارس إن مشكلة التلوث النفطي لم تحل بعد. "التربة الملوثة ما زالت هناك وعندما تتساقط الأمطار تجرف التربة للمناطق الزراعية".
عودة الشركات لليمن
وعلى الرغم من أن غالبية شركات استكشاف النفط الأجنبية العاملة في اليمن غادرت بعد بدء الحرب أو أوقفت إنتاجها بسبب التحديات الأمنية إلا أن بعضها عاد للعمل. في أكتوبر/تشرين الأول 2021 زار صحفيون محليون يعملون مع occrp على هذا التحقيق الصحفي الاستقصائي منطقة قطاع 9 في حضرموت، حيث كانت تدير العمليات وقتها شركة كالفالي بتروليوم قبرص.
وقال الشيخ عبد الله مبارك بن بدر الذي يقيم في منطقة قريبة من نطاق عمل الشركة إنه "عندما تسقط الأمطار تتراكم مادة سوداء تحت أشجار النخيل". وتابع قائلًا: قبل شهور جرفت الفيضانات هذه المياه الملوثة من الموقع النفطي إلى الوادي.
واعترف المتحدث باسم كالفالي بالحادث، وقال إن الشركة دفعت تعويضات من خلال عملية رسمية تقودها الحكومة للسكان الذين تضرروا من التسرب الذي جاء من الحفر المفتوحة التي غمرتها الأمطار الغزيرة. وقال المتحدث إن الحادث كان بسبب "فيضان استثنائي".
خلال الزيارة، شاهد الصحفيون حفرة ترابية منفصلة للمياه المنتجة داخل موقع كالفالي وتفتقر إلى أي بطانة. كانت محتويات الحفرة تتدفق إلى الأرض المحيطة من خلال كوة في جدار منهار.
وقال المتحدث باسم الشركة إن هذه البركة شيدت قبل صدور لائحة تنظيمية عام 2010 تتطلب الآن وجود طبقات واقية للمياه المنتجة، وأن لا علاقة لها بأحدث تسرب. وأضاف قائلًا إن خطط كالفالي لإصلاح الحفرة قد تعطلت بسبب الحرب.
وأضاف المتحدث "سيتم ذلك بمجرد أن تتمكن الشركة من استعادة الإنتاج ويسمح الوضع الأمني في اليمن لشركات الخدمات الدولية بالعودة إلى اليمن".
*تحقيق ينشر بالشراكة مع OCCRP.