تصميم أحمد بلال، المنصة 2024
انتشر غاز بروميد الميثيل بين المزارعين المصريين رغم حظره بسبب الضرر الذي يلحقه بطبقة الأوزون

الغاز المحظور.. كيف تسلل بروميد الميثيل إلى حقول مصر؟

منشور الاثنين 4 نوفمبر 2024

قبل 10 أعوام حظرت وزارة الزراعة المصرية استخدام غاز بروميد الميثيل في الزراعة وتبخير المحاصيل المحلية بعد الانتهاء من المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للتخلص من استخدامه، لما يسببه من تآكل طبقة الأوزون، على أن يتم الاكتفاء باستخدامه فقط في تبخير الصادرات والواردات. 

كشفت الحكومة حينها أن استهلاك غاز بروميد الميثيل بلغ 92 طنًا في عام 2013، وأنه من المُخطط طبقًا للبرنامج المصري لحماية طبقة الأوزون خفض تلك الكمية بنسبة 35% لتصل إلى 32.2 طن في عام 2020. لكن البيانات الصادرة عن نشرة جودة البيئة والطاقة، الصادرة عن جهاز شؤون البيئة في مايو/أيار 2024 تكشف أن استخدامه ارتفع في عام 2020 إلى 152 طنًا، ثم إلى 268 طنًا في 2021، بنسب تبلغ 65.2% و190% على التوالي.

كما تكشف بيانات حصلت عليها المنصة من قاعدة بيانات الشركات LexisNexis عن زيادة واردات مصر من غاز بروميد الميثيل إلى أكثر من 5 آلاف طن خلال عام 2023 وحده، بعدما كانت حوالي 268 طنًا في 2021 وفقًا لإحصاءات نشرة الجودة والبيئة. 

في هذا التحقيق، تكشف المنصة استخدام مزارعين مصريين لغاز بروميد الميثيل في الزراعة بالمخالفة للمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر. كما تتتبع الشركات المصرية المستوردة لبروميد الميثيل، والشركة الهندية المُصدرة لمصر، عبر قاعدة بيانات الشركات وقاعدة بيانات Sayari التي توفر معلومات عن حجم التبادل التجاري لكل شركة.

أونلاين شوبينج عبر السوشيال ميديا

في مصر، حُظر استخدام غاز بروميد الميثيل في "تعقيم التربة" نتيجة لأضراره البيئية والصحية، بسبب تدميره لطبقة الأوزون، إضافة لتعريض المزارعين والمتعاملين معه لمخاطر صحية. وكانت مصر وقعت على بروتوكول مونتريال عام 1987 الذي يحدّ من استخدام بروميد الميثيل باعتباره من الغازات المستنفدة للأوزون، إلى أن بدأ حظره في الزراعة عام 2005، ثم تم منعه نهائيًا من الاستخدامات الزراعية بداية 2015.

ويعدّ بروميد الميثيل من مركبات الكربون الكلورية فلورية التي تُسبب تآكل طبقة الأوزون المسؤولة عن حماية الأرض من الآشعة فوق البنفسجية، إذ تصل قدرته على إنقاص الأوزون بنسبة 6 في الألف، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة البيئة.

إحدى الصفحات المروجة لاستخدام غاز البروميد في الزراعة

وعلى الرغم من حظره، تمكنا من رصد إعلانات لمشاتل وشركات زراعية عبر السوشيال ميديا تروج لبيع واستخدام غاز بروميد الميثيل، مُتجاهلة العواقب البيئية والصحية الوخيمة. 

رصدت المنصة عدة إعلانات لصفحات فيسبوك منها مشتل إنبات الذي جاء في دعايته "تجهيز وزراعة أمهات الفراولة لموسم 2023/2024.. والتعقيم بغاز بروميد الميثيل.. للجودة عنوان". وفي إعلان آخر، نشرت الصفحة نفسها صورًا لأسطوانات الغاز المحظور أثناء استخدامه في تعقيم تربة أحد المشاتل الزراعية، يصاحبها تعليق "عملية تعقيم أرض مشتل فراولة بغاز بروميد الميثيل".

تخاطب هذه الإعلانات المزارعين باعتبار استخدام الغاز معيارًا للجودة. وتعمد كثير من المشاتل والشركات الزراعية إلى ذكر استخدامه في التسويق دليلًا على تفوق منتجاتها.

تواصلنا مع إحدى الصفحات التي تعلن عن استخدام الغاز الممنوع في تربة شتلات الفراولة التي يسوِّقونها، بغرض التحقق من إمكانية الحصول على الغاز فعلًا واستخدامه، حيث طلبنا منهم المساعدة بإرشادنا إلى كيفية الحصول على هذا الغاز. 

بعد فترة وجيزة، وصلتنا منهم رسالة تؤكد توفر الأسطوانة/الأنبوبة بمبلغ 50 ألف جنيه مصري، مع إمكانية استرداد 5 آلاف جنيه عند إعادتها فارغة.

رسالة من بائع أسطوانات بروميد الميثيل لمعد التحقيق

تواصلنا كذلك عبر فيسبوك ماسنجر مع شركة أخرى مختصة في تغذية النباتات بعدما وجدنا على صفحتهم معلومات تُروج لأهمية بروميد الميثيل في زراعة الفراولة، وسألناهم أيضًا المساعدة في الحصول على الغاز.

لم يتأخروا في الرد، بعدما ادعينا حاجتنا لاستخدام بروميد الميثيل في صوب زراعية بمنطقة النوبارية؛ رشحوا لنا التواصل مع مهندس يُدعى "عبد المنعم" وصفوه بأنه المسؤول عن بيع الغاز في محافظة الجيزة. 

يمتد الأمر إلى جروبات فيسبوك مثل رابطة مزارعي الفراولة بمركز بدر، بورصة المبيدات والأسمدة والبذور ورابطة مزارعي الفراولة بالقليوبية، حيث يجري تبادل الطلبات والعروض بكل أريحية، ووثقت المنصة ذلك عبر سكرين شوتس من عروض بيع وشراء الغاز المحظور. 

تجربة شراء الغاز المحظور

تحت ستار أننا وسطاء نسعى لشراء 3 أسطوانات من غاز بروميد الميثيل لصالح شركة وهمية تعمل في زراعة وتصدير الفاكهة، بهدف تعقيم التربة قبل الزراعة، تواصل معنا شخص قال إن اسمه "رجب"، يقيم في مركز بدر بمحافظة البحيرة، إذ عرض علينا أسطوانة فارغة للغاز المطلوب.

ولما سألناه عن جدوى شراء أسطوانة فارغة، أجاب "أنبوبة البروميد زيها زي أنبوبة بوتجاز عادية، بس أكبر شوية"، مضيفًا أنه من الضروري شراء واحدة فارغة لتسليمها مقابل الحصول على واحدة مملوءة، وذلك لتجنب دفع رهن قد يصل إلى 5 آلاف جنيه لكل أسطوانة.

سكرين شوت للمحادثة مع أحد تجار بيع غاز بروميد الميثيل ويدعى رجب وهبة

وعن كيفية استخدامه في الأراضي الزراعية، شرح رجب أنه يمكن حقن الغاز في خراطيم تنقيط المياه أو باستخدام الصوب البلاستيكية، إذ تظل الجرعة فعّالة لمدة عام كامل، "تقدر تزرع عليها زرعتين وتلاتة خلال السنة" على حد قوله.

اقترح رجب، بخلاف إمدادنا بالأسطوانة الفارغة، أن يكون وسيطنا لشراء الغاز ذاته. وطمأننا قائلًا "أنا هجيب لك من مكان موثوق، من دكتور زراعة شغال في مركز البحوث"، مشيرًا إلى أن سعر الأسطوانة قد يتجاوز 45 ألف جنيه.

في اليوم التالي، تواصل معنا رجب ليؤكد توفُّر طلبنا: 3 أسطوانات من غاز بروميد الميثيل. لكنه قال إن الأسعار ارتفعت بين ليلة وضحاها "الأسطوانة 50 كيلو عاملة 65 ألف جنيه". وتابع "أنا قلت لك إنها عاملة 40 و45، لكن الكلام ده كان من 10 شهور أو سنة، وقت ما كان الدولار بـ28 و30 جنيه.. دي بتيجي مستوردة على فكرة".

أوضح رجب أن الفدان الواحد يحتاج من 2 إلى 3 أسطوانات، اعتمادًا على سنوات خدمة الأرض ونسبة الفاقد من إنتاجها الزراعي بسبب الآفات والحشائش والعفن. وأوضح أنه بالإضافة لسعر الغاز، الذي يبلغ 65 ألف جنيه، سيكون من الضروري دفع 7 آلاف جنيه رهنًا لكل أسطوانة سنشتريها، قابلًا للاسترجاع خلال أسبوعين.

حينما أبدينا استياءنا من ارتفاع السعر، رد رجب بحزم "اللي عارف يعني إيه بروميد الميثيل مش هيستخسر يدفع في الأسطوانة 100 ألف جنيه"، موضحًا أن الغاز يوفر على مستخدميه تكاليف مكافحة النيماتودا، وهي نوع من الديدان الأسطوانية المدمرة للنبات، التي تتكلف مكافحتها آلاف الجنيهات للجرعة الواحدة للفدان. 

كشف الشركات المستوردة للبروميد

للتأكد من وجود وجودة المنتج قبل إتمام الصفقة؛ اتفقنا مع رجب على إرسال صور للأسطوانات التي سنشتريها منه. وخلال فترة وجيزة وصلتنا الصور التي تُظهر الأسطوانات بشكل واضح.

من خلال الصور، لاحظنا مُلصقًا طبع عليه بالبنط العريض أنه "للاستخدام الخاص" وأنه "سام جدًا". كما احتوى المُلصق على دواعي الاستخدام "لتبخير المحاصيل الزراعية في المخازن والقضاء على الحشرات بالمخازن"، وعن الجرعة المقررة دوّن "20 جرامًا لكل متر مكعب". 

ملصق لإسطوانة غاز بروميد الميثيل يظهر اسم الشركة المصرية المستوردة وهي "التنمية الإفريقية" واسم الشركة الموردة الهندية "إنتك الهندية"

أما عن طريقة الاستخدام، فدوّن "داخل الأماكن المحكمة الغلق أو تحت مشمعات غير منفذة للغاز"، مما يعني أنه لا يمكن استخدامه في الأماكن المفتوحة لتعقيم التربة، وكذلك أن "الاستخدام فقط بواسطة المتخصصين في مكافحة الآفات أو تحت إشرافهم المباشر".

والأهم، أن الملصق احتوى على اسم الشركة المُصدّرة، وهي إنتك أورجانيكس الهندية، بينما الشركة المُستوردة هي شركة التنمية الإفريقية للتجارة-إدكو. وتبين أن تاريخ الإنتاج المدون على الأسطوانة هو 5/2023، وانتهاء الصلاحية 4/2025.

الهند.. بوابة دخول غاز البروميد

رغم ما تدّعيه وزارة البيئة من أن استهلاك مصر من بروميد الميثيل بلغ 268 طنًا فقط خلال عام 2021، فإن قاعدة بيانات الشركات Sayari كشفت أن واردات مصر بلغت نحو 5 آلاف و107 أطنان بالمخالفة لقرارات وزارة البيئة والزراعة والبرنامج المصري لحماية طبقة الأوزون الذي أقر بخفض كميات غاز بروميد الميثيل بنسب 35% في 2020، على أن تصل إلى 70% في 2021.

وكشفت البيانات التي حصلت عليها المنصة عبر Sayari أن مصر استوردت من الشركة الهندية إنتك أورجانيكس وحدها أكثر من 5 آلاف طن من بروميد الميثيل في أسطوانات صغيرة الحجم، تصل سعة كل منها 50 كجم؛ إلا أن الشركات التي قامت بالاستيراد إلى مصر أخفت بياناتها بناءً على طلبها دون توضيح الأسباب.


وشركة إنتك أورجانيكس المحدودة/Intech Organics Limited هي شركة عامة هندية غير مدرجة في الأسواق المالية، تأسست عام 1999 ويقع مقرها في جورجاون هاريانا، ويبلغ رأسمالها المدفوع نحو 56.9 مليون روبية هندية، حوالي 700 ألف دولار، وتحمل رقم U24239HR1999PLC048878 في السجل التجاري الهندي.

وتتوزع ملكية إنتك أورجانيكس بين رجل الأعمال الهندي نافانشو صحاري/Navanshu Saharan بنسبة 43%، و28.99% لشركة مكافحة الآفات الخاصة المحدودة/PEST KARE، و25.45% لشركة ترينيتي فنتشر كابيتال، والباقي 2.56% يمتلكه آخرون وفقًا لبيانات ليكسس نيكسس. 

وبلغت الإيرادات التشغيلية لشركة إنتك في نهاية العام الماضي نحو 3.1 مليار روبية، فيما قدرت أصولها بأكثر من 4 مليارات روبية، ووصلت أرباحها خلال العام المالي الأخير نحو 442.6 مليون روبية هندية. والشركة متخصصة في تصنيع وتوريد المواد الكيميائية الصناعية مثل فوسفيد الألومنيوم وفوسفيد الزنك وبروميد الميثيل.

من الذي يستورد الغاز الممنوع؟ 

أسطوانات غاز بروميد الميثيل المحظور معروضة للبيع، ويظهر عليها اسم شركة إنتك الهندية كمصدر وشركة التنمية الإفريقية كمستورد

يقول صاحب إحدى شركات استيراد وتجارة المبيدات الزراعية، طلب عدم نشر اسمه، "تقتصر إجراءات استيراد بروميد الميثيل على تقديم طلب من الشركة المستوردة لإدارة الحجر الزراعي لاستيراد كمية معينة".

وذلك لأنه منذ انطلاق مشروع التخلص من بروميد الميثيل في العقد الأول من الألفية، حُظر استيراد الغاز إلا من خلال طلبات تُقدم لإدارة الحجر الزراعي بوزارة الزراعة، وذلك بعد اقتصر استخدام الغاز على تبخير الصادرات والواردات فقط، بعدما مُنع استخدامه نهائيًا في تعقيم التربة أو الحبوب المخزنة في الصوامع والشوّن. 

وتصل الكميات المسموح لمصر باستيرادها نحو 220 طنًا سنويًا، ونص القانون رقم 562 لسنة 2019 بشأن القواعد المنظمة لأعمال الحجر الزراعي المصري على استخدامها فقط في عمليات تبخير الصادرات والواردات؛ مع الأخذ في الاعتبار إقرار البرنامج المصري لحماية طبقة الأوزون بضرورة خفض كميات الهيدروكلوروفلوروكربونية المستوردة، ومنها بروميد الميثيل، بنسبة 10% عام 2015 ترتفع إلى 25% في 2018، ثم 35% في عام 2020، إلى أن تصل إلى 70% في 2025، ثم 97.5% في 2030، على أن يتم منعه نهائيًا عام 2040.

ويُضيف المصدر صاحب شركة استيراد المبيدات لـ المنصة أن إدارة الحجر الزراعي تمنح الشركة الراغبة في استيراد كميات من بروميد الميثيل الموافقة على إدخال كميات محددة، وعند وصول الشحنات تكتفي لجنة المبيدات بشهادة تحليل مُرفقة مع الشحنة، دون إجراء تحليل فعلي للشحنة، والسبب الذي تُبرر لجنة المبيدات به ذلك هو عدم توفر الإمكانات لديها لتحليل الغاز.

كما يوضح المهندس السيد عباس، مدير المكتب الفني بالحجر الزراعي، وعضو لجنة الأوزون الوطنية في حديثه لـ المنصة أن لجنة أعمال الحجر الزراعي قررت في سبتمبر/أيلول 2005 قصر استيراد بروميد الميثيل على 5 شركات معتمدة لديها من قبل بدء استراتيجية التخفيض. ومع تطبيق سياسة تقليل الكميات المستوردة سنويًا، التزامًا ببروتوكول مونتريال، تسببت محدودية الكميات في انسحاب بعض الشركات من سوق استيراد البروميد، ومن بينها البنك الزراعي المصري، وكل من شركة Bridge Trade المملوكة لأحمد مسعد، وشركة تكنوجرين المملوكة لمجدي منصور، وفقًا لعباس. 

ورغم تلقي اللجنة 17 طلبًا من شركات أخرى لاستيراد بروميد الميثيل، لم يتم قبول أي منها التزامًا بهذا القرار.

وبناءً على ذلك اقتصر استيراد بروميد الميثيل بصورة قانونية على شركتين فقط؛ التنمية الإفريقية للتجارة-إدكو، التي تستحوذ على الحصة الأكبر من الكميات المستوردة؛ والثانية شركة SAW للتجارة التي يملُكها أمين رشوان، وتستورد كميات قليلة جدًا، حسب عضو لجنة الأوزون الوطنية.

احتكار الميثيل

كنا ذكرنا أنه خلال رحلتنا لشراء الغاز، عُرضت علينا ثلاث أسطوانات تحمل ملصقات شركة التنمية الإفريقية للتجارة-إدكو، المملوكة لرجل الأعمال محمد عاشور، التي يقع مقرها في حي الدقي بالجيزة. 

وتُظهر بيانات ليكسس نيكسس أن شركة التنمية الإفريقية استوردت نحو 3 آلاف و520 طنًا من فينيل البروميد خلال عام 2023. 

عند مواجهة محمد عاشور، مالك شركة إدكو، بشأن انتشار أسطوانات بروميد الميثيل للبيع بين المزارعين بمُلصق يُفيد بأن شركته هي المستورد، نفى علاقته بهذا الأمر قائلًا "أنا شغلي أستورد وأنفذ موافقات للمستخدمين/شركات التبخير.. لكن كون أن الغاز بيخرج بره الحجر فدي مش مسؤوليتي.. الشغلانة كلها في إيد الحجر الزراعي".

وأضاف عاشور لـ المنصة أنه بعد استيراد الكمية المحددة من بروميد الميثيل يقوم بتوزيع كميات الغاز على نحو 36 شركة تبخير تعمل في تبخير الصادرات والواردات، ويتم ذلك بناء على موافقات وتصاريح محددة بالكمية، تحصل عليها شركات تبخير الصادرات والواردات من إدارة الحجر الزراعي بوزارة الزراعة. 

ويُشترط أن تقدم شركات التبخير إلى الحجر الزراعي ما يُسمى بـ"الاستهلاكات"، أي الإيصالات والشهادات والفواتير التي تُثبت استخدام كمية الغاز في تبخير شحنات صادر ووارد، قبل أن تحصل على موافقة بطلب استلام كمية جديدة، حسب عاشور.

واستورد عاشور العام الماضي 2023، حسب قوله، ما يتراوح بين 150 و200 طن من بروميد الميثيل، والرقم ذاته تقريبًا في 2022؛ أما منافسه أمين رشوان صاحب شركة SAW فلم يتمكن من استيراد أي كميات من بروميد الميثيل في 2023 بسبب أزمات مادية، ما جعل عاشور مسيطرًا على سوق الغاز.

وأضاف "أنا منوط بيا أن كل شحنة أجيبها أوزعها على شركات التبخير وأدّي تسويتها للحجر الزراعي".

وحمّل عاشور أصحاب شركات التبخير مسؤولية تسريب بروميد الميثيل إلى السوق الزراعية وانتشاره بين المزارعين، قائلاً "لما ييجي يصرف طن غاز علشان يستخدمه في التبخير، ويستخدم منه 600 كيلو، ويفضل عنده 400، ويلاقي سكة أنه يبيعهم ويقفل ورق استهلاكه فيهم، بيعمل كده".

وألمح على أن شركات التبخير غالبًا ما تقوم ببيع جزء من الكميات التي تحصل عليها من بروميد الميثيل إلى "صغار المزارعين" في المناطق التي تشهد استخدامًا شائعًا له؛ مثل القليوبية التي تشتهر بزراعة الفراولة.

الميثيل يتسرب إلى السوق السوداء

من جهته، يقول محمد علي بطة، مسؤول التبخير أمام الحجر الزراعي بشركة بروتكت، إحدى شركات التبخير، إن البروميد هو إحدى السلع التي تنتشر في "السوق السوداء"، خاصةً وأنه يُعتبر حلًا سحريًا لمزارعي الفراولة في مكافحة النيماتودا.

لا ينكر علي بطة احتمالية تورط بعض شركات التبخير في تسريب الغاز المحظور من الحجر إلى السوق الزراعية المصرية "كل يوم تصلني مكالمات: يا باشمهندس، محتاج أسطوانتين، محتاج ثلاثة.. أقول لهم أنا مببيعش، أنا بشتري زيكم من الشركة المستوردة.. وإذا الكمية اللي عندي خلصت، منين هجيب محاضر استهلاك؟".

لكن مسؤول التبخير أمام الحجر الزراعي بشركة بروتكت ينفي لـ المنصة أن تكون شركات التبخير وحدها هي المسؤولة عن وصول الغاز إلى أيادي المزارعين، ويؤكد أن عملية صرف الغاز واستخدامه في شركات التبخير تمُران بمراحل صارمة تتطلب أوراقًا وإثباتات.

تبدأ بتقديم طلب إلى الشركة المستوردة لصرف كمية محددة بعد الحصول على موافقة الحجر الزراعي، مرورًا بتسجيل محاضر استهلاك تُوثق كل كيلو من الغاز المستخدم في تبخير الشحنات الصادرة أو الواردة، إذ يشهد على كل عملية تبخير لجنة من الحجر الزراعي مكونة من 2 من المهندسين، وانتهاءً بجمع المحاضر وتقديمها للحجر الزراعي لتثبت شركة التبخير استهلاكها للكمية، متبوعًا بطلب لصرف كمية جديدة.

ويُشير علي بطة إلى أن شركته تستخدم حوالي 3 أطنان من بروميد الميثيل سنويًا في التبخير، خاصة في موسم تصدير البطاطس من يناير/كانون الثاني وحتى يونيو/حزيران، بينما يُخصص الجزء الأقل لتبخير باليتات خشب التصدير، وواردات القطن المصري.

شركات توزيع على المزارعين

في سوق الزراعة المصرية، تمتلك شركات استيراد بروميد الميثيل شبكة من العلاقات مع التجار وشركات المستلزمات الزراعية، التي يتوزع نشاطها في مناطق مختلفة من مصر؛ يأتي في مقدمتها قرى مثل ميت كنانة والدير بمحافظة القليوبية، ومدينة الصالحية بالإسماعيلية.

وفي مركز بدر بالبحيرة؛ يبرز اسم هشام السيد مالك شركة نايل دريب/Nile Drip كأحد رواد بيع وتوزيع غاز الغاز المحظور، حيث رشحهُ لنا بعض الأشخاص الذين تواصلنا معهم أثناء تجربتنا لشراء بروميد الميثيل.

استخدمنا أرقام التواصل الهاتفي المتاحة على موقع الشركة الإلكتروني، وسألنا بشكل مباشر "هل يتوفر لديكم بروميد الميثيل؟"، فجاءنا الرد من الطرف الآخر للمكالمة بأننا يمكننا "التواصل مع مدير المبيعات في الشركة، الأستاذ إبراهيم النجار، للتأكد منه"، وأعطونا رقم هاتفه.

اتصلنا بالنجار، وأخبرناه أن إحدى موظفات الشركة طلبت منا التواصل معه لسؤاله عن بروميد الميثيل، موضحين أننا نحتاجه لتعقيم تربة صوب خضار قبل زراعة فلفل ألوان، وحددنا الكمية التي نحتاجها بـ6 أسطوانات، فرد علينا بتوافر الكمية المطلوبة "ماشي، فيه دفعة جايالنا بعد العيد، حوالي نص طن أو 600 كيلو، باقيين من الدفعة بتاعتنا".

وفي سياق التوضيح، شرح النجار لنا أن غاز بروميد الميثيل يصله على دفعات، يتسلم الدفعة الأكبر منه في نهاية أغسطس/آب وبداية سبتمبر، وهي الفترة التي تتزامن مع موسم زراعة الفراولة، حيث يكون الطلب على شراء الغاز  كبيرًا.

وأوضح النجار أنه لا تزال لديه كمية تقدر بحوالي 500 كيلوجرام من الدفعات التي وصلته في شهري مايو ويونيو  الماضيين، وأعرب عن استعداده لتوفيرها لنا بعد عيد الأضحى الماضي. سألناه عن السعر، فأفاد بأن تكلفة الأسطوانة 50 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى 5 آلاف جنيه كتأمين حتى تتم إعادة الأسطوانة فارغة.

وفي نهاية المكالمة، عرفنا من النجار بوجود شبكة واسعة بطول مصر وعرضها تعمل في تجارة بروميد الميثيل المحظور، وذلك حين استفسر منا عن مكان التعقيم المخطط لاستخدام الغاز؟ فأجبناه بأننا نعتزم استخدامه في مجموعة صوب بالإسماعيلية، فأوضح أن هناك تجارًا معروفين في الإسماعيلية يوفرون الغاز مثل سيد أبو حبيبة، وعرض مساعدتنا في التواصل معهم لتوفير عناء شراء الغاز من البحيرة واستخدامه في الإسماعيلية.

وجهة نهائية أم ترانزيت؟ 

عن ذلك الانتشار الجغرافي يقول السيد عباس مدير المكتب الفني بالحجر الزراعي لـ المنصة "لا أستبعد وجود ثغرات تسمح بتداول بروميد الميثيل بين المزارعين في بعض المناطق بمصر"، مشيرًا إلى أن الغاز قد يدخل البلاد عن طريق التهريب، إذ ضبطت القوات المسلحة قبل 5 أو 6 سنوات حوالي 40 طنًا من بروميد الميثيل على الحدود الشرقية مع إسرائيل، وهي من أكبر المنتجين لهذا الغاز، وتم تسليم الشحنة إلى وزارة الزراعة التي قامت حينها بإرسالها إلى البنك الزراعي المصري. 

وفي الوقت نفسه، ينفي عباس أن تصل كميات بروميد الميثيل المستوردة، بأي طريقة كانت، إلى آلاف الأطنان، قائلًا إن تلك الكميات تتجاوز احتياجات السوق الزراعية المصرية، ولكنه لا يستبعد أن تكون مصر محطة لتهريب هذه الكميات إلى ليبيا.

أين البدائل؟ 

أطلقت الحكومة مشروع "استخدام بدائل لبروميد الميثيل في الزراعة وتبخير المحاصيل" بتمويل من منظمة التنمية الصناعية - اليونيدو/UNIDO، بالتعاون مع وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة، ومعهد بحوث أمراض النباتات التابع لوزارة الزراعة، وعدد من الشركات الزراعية الكبرى والصغيرة، حيث أثمر المشروع عن اعتماد مجموعة بدائل صديقة للبيئة في تعقيم التربة ومكافحة الأمراض النباتية المختلفة، وأظهرت النتائج نجاح هذه البدائل.

لكن نتائج دراسة صادرة في 2018 بعنوان "معرفة زرّاع الفراولة باستخدام بدائل بروميد الميثيل في تعقيم التربة ببعض قرى محافظة القليوبية"، أظهرت أن 46% من المزارعين معرفتهم منخفضة ببدائل بروميد الميثيل المستخدمة لتعقيم التربة لزراعة محصول الفراولة، ومن أهم المشاكل التي أقرها غالبية المزارعين في محاولتهم لاستخدام البدائل مع الفراولة هي: عدم معرفتهم الجيدة بكيفية استخدامها (بنسبة 78%)، تليها مشكلة أن أسعار البدائل مرتفعة (بنسبة 76%).

الدراسة التي شارك في إعدادها مجموعة من أساتذة معهد بحوث أمراض النباتات، ومعهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية، من بينهم أساتذة شاركوا في مشروع "بدائل بروميد الميثيل"، تؤكد أن استخدامه يُشكل خطرًا على صحة الإنسان، وله آثار سلبية ضخمة على البيئة، إذ يُعد شديد السمية، ويسبب تهيجًا للجهاز التنفسي وللرئتين، ويؤثر بشكل سلبي على الجهاز العصبي.

كما يساهم الغاز المحظور في تلويث المياه الجوفية وتراكم متبقياته في الثمار وخاصة الخضروات، بالإضافة إلى أثره على طبقة الأوزون، التي يؤدي تآكلها إلى نفاذ الآشعة فوق البنفسجية وزيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد.

مخاطر صحية 

يُعدد الدكتور صلاح أبو ريا، أستاذ الصناعات الغذائية والتغذية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، مخاطر استخدام البروميد على الأرض والبشر، ويقول لـ المنصة إنه غاز سام جدًا وقد يتسبب في قتل المزراعين حال عدم استخدامهم أدوات وقائية أثناء رشه، مشيرًا إلى أنه مركب كيميائي يتكون من مادة البروميد وغاز الميثيل، وعند رشه يتطاير الغاز، لكن تستقر المادة في التربة، ما قد يجعل المحاصيل عرضة لتسرب البروميد السام إليها ومنها إلى الإنسان. 

ويضيف أستاذ الزراعة أن مخاطر البروميد على التربة الزراعية كبيرة، إذ يقتل كل الأحياء الدقيقة الموجودة في التربة بالتالي يتسبب في عقمها وقلة خصوبتها. 

رغم كل ذلك، لا تزال صفحات على السوشيال ميديا تروج للمنتج الضار باعتباره عنصرًا أساسيًّا لعملية زراعية ناجحة، دون التفات لمخاطره أو تدخل حاسم من الدولة.