لم تتردد الصفحة الصهيونية في التهكم على الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، بجعله بطلًا لكوميكس يتحدث عن هزيمة 1967.
صور للقطات من أفلام عربية- غالبًا مصرية كوميدية- مصحوبة بـ"كوميكس"، يناقش قضية سياسية، كالذي يُصممه ويشاركه يوميًا مئات الآلاف من مُرتادي فيسبوك، هل يبدو الأمر غريبًا؟ الإجابة ستكون لا، إلا لو علمنا أن الكوميكس لا يُناقش إلا العلاقات العربية- الإسرائيلية، وتنشره بالعامية المصرية صفحة تحمل اسمًا غير مألوفًا للجمهور العربي، The Zionist Sarcasm Society.
"صفحة صهيونية ساخرة لا تتبع أي جهة ولا تعبر عن أي وجهة نظر رسمية، وكل منشور لا يُعَبّر سوى عن رأي صاحبه"، هكذا عَرّفت الصفحة نفسها، بكلمات لا تُخفي أبدًا هويتها الصهيونية، لكن في الوقت نفسه تؤكد أنها بعيدة عن أي جهة يهودية أو إسرائيلية رسمية.
لم يتطلب اكتساب الصفحة شعبية وقتًا طويلًا، إذ تحظى بـ"إعجاب" أكثر من 44 ألف شخص، ومثلهم كمتابعين لها، وذلك في غضون 3 شهور تقريبًا، من تاريخ تدشينها في 4 مايو/ أيار 2017.
لكّن لا يوجد ارتباط شرطي بين ما نالته الصفحة من انتشار بالإعجاب والمتابعة، وبين ردود الفعل على منشوراتها، والتي يأتي أغلبها في صورة شتائم موجهة لإسرائيل والصهيونية، التي لم تكن يومًا مُصطلحًا حسن السُمعة في الأوساط العربية، سواء على مستوى التاريخ المكتوب، أو الوعي الجمعي الشعبي.
والصهيونية- في تعريفها المُبسط- حركة قومية يهودية، ظهرت في شرق ووسط أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، تهدف إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين، التي تراها "الوطن القديم لليهود"، والمعروف بينهم باسم "أرض إسرائيل"، وفقًا لما يذكره موقع Encyclopedia Britannica.
الصفحة الصهيونة ليست الرائدة في مخاطبة الجمهور العربي وتجميل إسرائيل، إذ سبقها إلى مرتادي موقعي فيسبوك وتويتر العرب، جهات أخرى إسرائيلية رسمية، أبرزها الصفحتين الرسميتين لكل من أفيخاي أدرعي وأوفير جندلمان، المتحدثين باسم الجيش اﻹسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وصفحتي "إسرائيل في مصر" الخاصة بسفارتها في القاهرة، و"إسرائيل تتكلم بالعربية" التي تُعرِّف نفسها بأنها "الصفحة الرسمية للدولة".
لكن لو كان للصفحة الصهيونية ريادة، فستكون في مُسماها الصريح والواضح "الصهيونية"، وفي محتواها السياسي الساخر، الذي يُميزها اليوم عن بقية الجهات المؤيدة لإسرائيل.
على سبيل المثال، سيجد متابع صفحة "جندلمان" أنها تخاطب الجمهور العربي بلغة رسمية، وتُعنى بنقل البيانات الصحفية والقرارات الحكومية، ومثلها صفحتي إسرائيل وسفارتها في القاهرة، وإن تخلل منشوراتهم جميعًا شيء من "تودد"، بالحديث عن المشتركات بين اللغتين والثقافتين العبرية والعربية، وبتقديم التهاني في المناسبات الدينية الإسلامية.
أما الصفحة الصهيونية، فسيجد مُتابعها أنها اختارت لمنشوارتها أسلوبًا مُشابه ﻷي صفحة ساخرة عربية، سواء في استخدام لغة هي اﻷكثر انتشارًا في البلاد العربية "العامية المصرية" وبطلاقة، أو تصميم الكوميكس على أفلام ومُسلسلات مصرية ذائعة الصيت في تلك البلاد، وبـ"إفيهات" تتماشى تمامًا مع ما كان في تلك الأعمال من محتوى، وبالحس الكوميدي نفسه تقريبًا، بل أن الصفحة تستخدم الألفاظ الخارجة المتداولة في الشارع المصري.
والسؤال، لماذا تستخدم الصفحة الصهيونية كل ما سبق؟ الإجابة ستبدو واضحة للغاية من منشوراتها، التي تدور أغلبها حول "الدفاع عن الصهيونية كفكرة وإسرائيل كدولة"، وبطريقة اختلفت فيها عن بقية الصفحات التي تتبنى لغة دبلوماسية بمفردات مثل "التقارب، والسلام، والتاريخ المُشترك"، فالصهاينة الساخرون لا يترددون في توجيه سهام النقد اللاذع لأي مهاجم لإسرائيل.
وتتبنى الصفحة أهدافًا أخرى بجانب الدعاية البيضاء لتل أبيب، إذ أنها وبجرأة لم تتمتع بها اﻷوساط الرسمية، لم تكتف باستهداف الشعوب العربية بنكاتها، بل تهكمت على واحد من أبرز قادتها، الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، حين جعلته بطلًا لكوميكس يسخر منه عقب هزيمة 1967.
وحرب 1967 تحديدًا، لم يفت الصفحة أن تنشر تأويلًا ومسارًا تاريخيًا لها يوافق الهوى الإسرائيلي، إذ ذكرت في منشور ساخر أنها لم تكن إلا "ردًا من إسرائيل على تحركات لجيوش عربية صوب تل أبيب".
حتى وقت قريب، لم يعرف الجمهور العربي إسرائيليًا أكثر شهرة من أفيخاي أدرعي، صاحب الصفحة الأكثر انتشارًا بين العرب، بعدد متابعين يتجاوز المليون شخص، لا يكتفي بتقديم أخبارًا دعائية للجيش الإسرائيلي لهم وحسب، بل صار معتادًا أن ينشر على صفحته آيات قرآنية، وأدعية إسلامية في أيام الجُمعة، بل وصور ﻷكلات شرقية نالها الجندي الإسرائيلي من "صديق أو صديقة عربية"، غالبًا ما يتفاعل معها المعلقون بالشتائم والسخرية.
https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FIDFarabicAvichayAdraee%2Fvideos%2F1604978312886088%2F&show_text=0&width=560ولكن على ما يبدو، سيقاسم "أدرعي" في انتشاره بين العرب، خلال الفترة المقبلة، وافد جديد على السوشيال ميديا، هو The Zionist Sarcasm Society، صفحة تجميل وجه إسرائيل والسخرية من جيرانها العرب وساستهم.