بصوت صارم وعبارات مقتضبة، أعلن رئيس المجلس علي عبد العال موافقة مجلس النواب بأغلبية بسيطة على الاتفاقية في جلسة برلمانية استغرقت أقل من ساعتين.
اليوم، 14 يونيو/حزيران 2017، وافق مجلس النواب على خروج جزيرتي تيران وصنافير من حدود الوطن.
بصوت صارم وعبارات مقتضبة، أعلن رئيس المجلس علي عبد العال موافقة مجلس النواب بأغلبية بسيطة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر والسعودية في أبريل/ نيسان من العام الماضي. في جلسة برلمانية استغرقت أقل من ساعتين.
وسط صيحات وبكاء نائبات ونواب من الرافضين للاتفاقية التي مُرِّرت بتصويت غالبية الحاضرين، رفع عبد العال الجلسة، وخرج رئيس المجلس إلى مكتبه بعد أن أتم مهمة برلمانية ثقيلة، يعلم المتابعون أن نتيجتها كانت محددة سلفًا.
أربعة أيام استغرقتها مناقشة الاتفاقية في البرلمان، انعقدت في ثلاث منها جلسات استماع ومناقشة في لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، حاول فيها النواب المعارضون للاتفاقية الدفع بعدم قانونية عرضها على البرلمان ورفض مناقشتها والتصريت عليها لصدور حكم بات من محكمة القضاء الإداري ببطلانها.
لم تنجح محاولات المعارضين في إيقاف الإصرار على تمريرها من جانب رئيس المجلس ونواب الكتل البرلمانية المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي وأجهزة الدولة، وانتهت اللجنة بعد الاستماع إلى آراء عديدة مؤيدة لسعودية الجزيرتين ورأي وحيد مؤيد لمصريتهما إلى قبول المناقشة وقرار بكونها لا تستلزم استفتاءً شعبيًا، كونها تتضمن تنازلا عن جزء من أراضي الدولة. رأت اللجنة أن الجزيرتان ليستا جزءًا من أراضي الدولة من الأساس ولا يوجد داع لاستفتاء الشعب على التنازل عنهما.
اقرأ أيضًا: يوميات تيران وصنافير في البرلمان
محاولات المعارضة لم تتوقف بعد وصول الاتفاقية للجنة الدفاع والامن القومي ثم الجلسة العامة، ومع اقتراب الثانية عشرة ظهر اليوم، قبل بدء جلسة التصويت على الاتفاقية، تجمع نواب تكتل 25/30 وآخرين من النواب المعارضين للاتفاقية في البهو الفرعوني بمجلس النواب، وبدأوا في جمع توقيعات من باقي النواب الرافضين لارفاقها بطلب يقدم لرئيس المجلس لإثبات أسماء المعارضين في المضبطة.
بينما حضرت النائبات منى جاب الله ونشوى الديب ونادية هنري ورانيا السادات بالملابس السوداء، حدادًا على التناول عن أراض مصرية بموافقة برلمانية.
اجتماع لجنة الدفاع
عقدت لجنة الدفاع والأمن القومي اجتماعًا مغلقًا بدأ في الحادية عشرة صباحًا، لم تتجاوز مدته نصف الساعة، أعلن بعدها رئيس اللجنة اللواء أركان حرب كمال عامر الموافقة على الاتفاقية بالإجماع، وإحالتها للجلسة العامة بمجرد الانتهاء من التقرير الذي كان جاهزا للعرض على الجلسة العامة بالفعل، عقب انتهاء اجتماع اللجنة بقليل.
وكانت قد ترددت أنباء لم يتح لنا التيقن من صحتها، عن عقد اللجنة اجتماعًا مساء أمس دون الإعلان عنه.
اعتذار وأمنية
بدأ رئيس مجلس النواب الجلسة العامة بتقديم اعتذار للنائبين كمال أحمد، والسيد الشريف وكيل المجلس. اعتذار عبد العال جاء لترضية النائبين بعد تعرضهما لـ"التطاول" من قبل النواب المعارضين للاتفاقية.
وقال أحمد إن أحد النواب تعدَّى عليه بالقول، وسبه وقال له "يا كلب يا ابن الكلب". عبد العال أكد أن تقديم الاعتذار لا ينفي تطبيق اللائحة على المتجاوزين.
بعدها أعلن رئيس المجلس إحالة تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي للجلسة العامة وقال: "أمنيتي أن أُقدم الجلسة للعالم كله أنها جلسة حوار ديمقراطي تعكس تاريخ المجلس النيابي الذي مضى عليه أكثر من 150 عاما".
وأضاف رئيس المجلس الذي كان يقف على مقربه منه 4 من حرسه الخاص: "استدعينا الكثير من الخبراء منهم أعضاء اللجنة القومية التي شاركت في هذه الاتفاقية من المساحة البحرية والجغرافيا والتاريخ وكل العلوم الخاصة بترسيم الحدود البحرية".
وتابع: "هناك اتفاقية دولية تم إبرامها في 1982، وضعت القواعد الفنية لترسيم الحدود. واستدعينا بعض الخبراء الذين كنا نعلم عدم اتفاق رأيهم مع الحكومة" في إشارة إلى المستشارة هايدة فاروق، الخبيرة الوحيدة التي سمح لها بالإدلاء بشهادة تخالف رؤية الحكومة.
وقال: "ليس لدينا ما نخفيه في هذه الجلسة، كلنا حريصون على الصالح العام. الجميع هنا لا يهدف إلا للصالح العام".
المسافة والسيادة
بدأت الجلسة العامة بالاستماع والمناقشة، وتحدث العميد أشرف العسال رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية عن نقاط الأساس التي وُضعت بموجبها هذه الاتفاقية.
وقاطعه النائب سمير غطاس بعدما قال العسال إن المسافات وقرب الجزر من أراضينا لا تحسم السيادة، فردد غطاس: "السيادة مصرية السيادة مصرية"، وطلب عبد العال الهدوء من القاعة قبل أن يقول: "يبدو أن في فهم خاطئ". مضيفا: "من لا يحترم الزي العسكري لا مكان له في المجلس". وصفق النواب لكلمة عبد العال مع استمرار انفعال غطاس.
واستكمل العسال أن هناك معلومة تم تداولها أن الجزر أقرب لمصر وهذا لا يجيز السيادة، فالسيادة أمر يحسمه التاريخ.
وصفق النواب من الجانبين لكلمة العسال وردد المعارضون للاتفاقية" مصرية مصرية". فاستدرك العسال: " الشُعب المرجانية اللي خارجة من الجزيرة أقرب للسعودية، بينها وبين السعودية 800 متر فقط".
الهيئات البرلمانية
بدأ النائب محمد السويدي، رئيس ائتلاف دعم مصر، كلمته بآية قرآنية، ثم قال: "نحن أمام يوم من أصعب أيام المجلس، ونتعامل في ملف في منتهى الحساسية، ولم يحسم من قبل مثل باقي الملفات التي كانت متروكة". ثم أعلن موافقته على الاتفاقية قائلاً: "الملف حُسم بقرار جمهوري في 1990، ولم يتبعه استكمال بعض التعهدات".
وزعم أن هناك "حملة وتهديدات [...] يتعرض لها النواب"، ولفت إلى "المكاسب التي ستتحقق لمصر من الاتفاقية خاصة المزايا الاقتصادية"، ونوه الى اكتشافات الغاز التي كانت من نصيب مصر بعد ترسيم الحدود مع قبرص.
يعلم السويدي وغيره تكلفة تمرير الاتفاقية، وهو ما بينه بقوله: "القرار يكلفنا الكثير، وهو قرار أعتبر أن الحكومة فشلت تماما في عرضه". وهي العبارة التي لاقت استحسان النواب وصفقوا لها بما فيهم نواب المعارضة؛ فقال عبد العال إن النائب يتحدث عن قرار صدر سنة ١٩٩٠ في إشارة للتأكيد على موافقته للاتفاقية.
رئيس المجلس قال هذه العبارة ليذكر الجميع ويؤكد على موقف السويدي المؤيد للاتفاقية، تجنبا لأية تفسيرات أخرى قد ترد في أذهان الحضور بسبب نقد السويدي للحكومة.
واستطرد السويدي موجها كلامه للنواب "ماحدش يقول كلام نيابة عني، نحن نعاني من يوم ما قدمت الحكومة الملف، والموضوع كان مطروح من سنة تسعين ولا نسرق حق حد".
وتحدث من تكتل 25/30 النائب محمد عبد الغني، الذي قال "إن الوثائق من 1805 تقول إنها [الجزيرتان] تخص مصر، ولا دولة غير مصر" مشيرا الى وثيقة تصف مصر بأنها "دولة المضيق".
وأضاف: "السيادة مصرية، الرئيس عبد الناصر أعلن أنها أرض مصرية، وأغلق المضيق. وكلام مبارك بعد رفع العلم المصري". وذكّر بعدد من الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر والتي تتعلق بهذه المنطقة، وقال: "في حكم قضائي أكد أن سيادة مصر مقطوع بها مقطوع بها".
وصفق عدد ليس بقليل من النواب لعبد الغني الذي حذر من التفريط في هذه المنطقة التي هي "بمثابة أمن قومي عربي".
أما رئيس الهيئة البرلمانية للمصريين الأحرار علاء عابد، فبدأ كلامه بالآية التي استخدمها زميله محمد السويدي في إحدى جلسات لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية وقال: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها". وأضاف: "الكرة في ملعب النواب، ونتحمل المسئولية التاريخية أمام الله والشعب والأجيال القادمة التي يجب ان تتعلم من برلمان الثورة، إن في ناس تقول نعم ولا؛ إحنا شوفنا الأوراق وقعدنا مع الناس ". ودافع عن الجيش وقال: "ما ينفعش أخرجه من المعادلة".
أما محمد صلاح خليفة فتحدث عن موقف حزب النور معلنا للمرة الأولى موافقة الحزب على الاتفاقية.
وتحدث النائب المعارض مصطفى كمال الدين حسين، الذي أكد تقديره للجيش، واشتبك معه حمدي بخيت وقال له: "ما تتكلمش عن الجيش"، وتحدث النواب مصطفى بكري والسيد فليفل وأحمد سميح درويش، وثلاثتهم مؤيدين للاتفاقية.
وبعدها طرح عبد العال إغلاق باب المناقشة وبدء التصويت، وهو ما وافق عليه النواب.
الاتفاقية تمر
طرح عبد العال التصويت على الاتفاقية وقوفًا، وأعلن موافقة المجلس عليها، وسط تصفيق المؤيدين وهتاف المعارضين "مصرية مصرية". لتشهد قاعة المجلس لأول مرة صراخ وبكاء وانهيار نائبات.
نادية هنري وقفت صارخة: "حرام عليكم حرام عليكم"، نشوى الديب انخرطت في بكاء شديد وحاول زملائها تهدئتها، وخرجت من القاعة متوجهة لمكتب عبد العال ووقفت جواره باكية وهي تحمل لافتة مكتوبًا عليها "#مصرية"، وقالت والبكاء يخنق صوتها "عايزة بس أسأله المجلس هيعمل إيه؟ هيبعت وفد يحضر تنزيل العلم المصري من على الجزر؟" ووقف مصطفى الجندي بجوارها وقال لها "الـ game لسة ما خلصش، وإحنا نرفع راسنا. إحنا ما اتكسرناش. إحنا كسبنا نفسنا".
بينما خرج المؤيدون من القاعة ضاحكون، ونشوة الانتصار تعلو وجوههم، وغادروا البرلمان فور تحقيق الهدف.
المعارضون تفرقوا ما بين المغادرة في صمت وعلى وجوههم علامات الانكسار، ومنهم من ذهب كنشوى الديب إلى مكتب عبد العال، مستمرا في الاشتباك والاعتراض.
اعتصام
في حالة واضحة من الانكسار، اتجه عدد من النواب منهم مصطفى الجندي وخالد يوسف وأحمد الشرقاوي وضياء داوود لمكتب رئيس المجلس. وفي حجرة مدير مكتبه والطرقة المقابلة، لها تجمع عشرات النواب مطالبين بإثبات رفض 97 نائب للاتفاقية وتسجيلها في المضبطة. نذكِّر هنا أن 113 نائبًا كانوا قد أعلنوا رفضهم للاتفاقية قبل بدء مناقشتها في لجان البرلمان، لكن بعضهم سافر في رحلة إلى واشنطن تزامنًا مع بدء المناقشة والتصويت، والبعض الآخر أعلن امتناعه عن حضور الجلسات والتصويت.
النواب المحتشدون اتهموا عبد العال بمخالفة الدستور واللائحة، وهو ما أكده ضياء داوود وخالد يوسف، وقالا: "يجب إثبات تحفظنا على كل الإجراءات فهي غير لائحية"، وهددوا بالاعتصام لحين تحقيق مطلبهم.
بعد نحو نصف ساعة أبلغهم الأمين العام لمجلس النواب بموافقة رئيس المجلس على تسجيل أسماء المعترضين في المضبطة.
تحرير الأرض
بعدها عقد نواب تكتل 25/30 مؤتمرًا صحفيًا داخل المجلس، لوحوا فيه بالاستقالة من البرلمان، وذلك في البيان الذي ألقاه هيثم الحريري.
المؤتمر جمع عشرات النواب المعارضين للاتفاقية. وجاء في نص البيان أن اليوم هو بداية "نضال شعبي وقانوني ونيابي لتحرير الأرض المصرية".واعتبر نواب التكتل في بيانهم أن الأرض المصرية صارت من اليوم واقعة تحت الاحتلال، وأنهم سيبدأون نضالهم لتحريرها.
خالد يوسف قال إنهم سيلجأون للمحكمة الدستورية العليا، للطعن على كل الإجراءات التي اتبعها البرلمان لتمرير الاتفاقية. وأضاف: "من اليوم تبدأ معركتنا لتحرير الأرض".
اللافت أن الانتقادات التي وجهها نواب المعارضة للأطراف التي حرصت على تمرير الإتفاقية، لم تمتد إلى الرئيس، لم يذكر أيهم اسمه، كما لم تفارق عباراتهم كلمات الامتنان والتقدير للقوات المسلحة التي ساندت الاتفاقية بقوة، ووجهوا كل انتقاداتهم للحكومة ورئيس البرلمان لمخالفة الأخير الدستور واللائحة.