انتهى البرلمان يوم الأربعاء الموافق 14 يوليو/ تموز 2017 إلى الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية. ودلك بعد جلسة قصيرة لم تتجاوز الساعتين.
قبلها ناقشت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالمجلس مدى دستورية الاتفاقية في أربع جلسات عقدت خلال ثلاثة أيام، ووافقت عليها بأغلبية 35 نائبًا من أصل 55 أعضاء اللجنة، بعضهم لم يحضر. ثم وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي بالإجماع على الاتفاقية التي مرت بمحطات احتجاج شعبية وأحكام قضائية عدة، قبل أن تقرر السلطة التنفيذية برئاسة المشير عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، إحالتها إلى مجلس النواب بقرار وقعه رئيس الحكومة، وسط توقعات بتمرير الاتفاقية وتنفيذها بمباركة البرلمان، لتنتقل جزيرتا تيران صنافير رسميًا للسيادة السعودية.
وبعد الاستماع إلى العديد من الشهادات التي تؤيد سعودية الجزيرتين، وشهادة وحيدة تؤيد مصريتهما، خرجت صاحبتها المستشارة هايدي فاروق من قاعة البرلمان باكية بعد تخوينها والتشكيك في وطنيتها؛ قررت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالبرلمان، برئاسة العضو المعين "بهاء أبو شقة" أن الاتفاقية لا تخالف أحكام الدستور، ولا يستوجب إقرارها استفتاءً شعبيًا.
وفي اليوم الذي صدر فيه تقرير اللجنة بعد ساعتين من انتهاء اجتماعها الرابع والأخير، أعلنت محكمة القضاء الإداري عن تأجيل نظر 11 دعوى قضائية لإلغاء قرار رئيس الحكومة إحالة الاتفاقية للبرلمان، إلى جلسة الثالث من يوليو/ تموز المقبل، بسبب تأخير تقرير هيئة مفوضي المحكمة، ما أثار غضب المحامين والمدعين، الذين يرون أن قرار رئيس الحكومة مخالف للقواعد القانونية القاضية بقيام رئيس الجمهورية - لا رئيس الحكومة- بإحالة الاتفاقات السيادية للبرلمان، وأن القرار الصادر عن الحكومة يمثل تحديًا للأحكام القضائية الصادرة ببطلان التوقيع على الاتفاقية.
المنصة تابعت يوميات مناقشة الاتفاقية داخل البرلمان منذ إحالتها للجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ثم إحالتها للجنة الدفاع والأمن القومي، وصولا للتصويت عليها في الجلسة العامة، وذلك من خلال باب "يوميات صحفية برلمانية" الذي تقدمه الزميلة صفاء عصام الدين.
هي "اتفاقية عادية"، هكذا يتعامل معها مجلس النواب وفقًا للائحة الداخلية، فهي اتفاقية بين طرفين، مصر والمملكة العربية السعودية، وبالتالي يحاول المجلس التعامل معها كغيرها من عشرات الاتفاقيات التي مررها على مدار عام ونصف، بدون الأخذ في الاعتبار البعد السياسي الحرج فيها.
لا تحتاج الاتفاقية موافقة ثلثي الأعضاء ولا إجراء تصويت عن طريق النداء بالاسم، مثلما حدث في قانون العلاوة الذي يطبق بأثر رجعي، وفي واقعتي إسقاط عضوية النائبين توفيق عكاشة، ومحمد أنور السادات. وإنما يمكن الموافقة عليها بأي نسبة أغلبية.
وبعد أكثر من خمس دقائق من الشجار المتواصل، سمح عبد العال لضياء الدين داوود بالحديث، وبدأ النائب حديثه عن ضرورة الوفاء للعَلَم الذي يجلس عبد العال أمامه، وشدد ضياء على بطلان الاتفاقية بموجب حكم المحكمة وعدم جواز مناقشتها. واستعرض المواد القانونية التي تُلزم الدولة بتنفيذ الأحكام، وتعاقب الموظفين العمومين حال تجاهلهم تنفيذ الأحكام القضائية، وقال "وبالتالي على المجلس أن لا يناقش هذه الاتفاقية حتى حسم الأمر من المحكمة الدستورية".
واستكمل داوود، "اللي عنده منازعة على بيت خمسين متر، المحكمة تسمعه"، وحاول عبد العال مقاطعته فانفعل نواب التكتل، وأشار أحد النواب من الجانب المؤيد للاتفاقية الى ضرورة اختصار الكلمات، فقال خالد يوسف "إن شاء الله نقعد سنتين نتكلم ده وطن". فردت غادة عجمي النائبة في ائتلاف دعم مصر، "أنا مش عايزة أقعد سنتين".
الخبراء الذي ظهروا على مدار اليوم هم شخصيات اختارتها الحكومة، ويتبنون وجهة نظرها التي تؤكد أن الجزيرتين غير مصريتين، وأن الحكم القانوني كان "احتلال" للجزر. ألقى أستاذ القانون الدستوري صلاح فوزي كلمة ينفي فيها سيادة مصر على الجزيرتين، وأن مصر لم تمارس حقوق السيادة عليها، وأن قسم الشرطة هو من شؤون الإدارة وليس السيادة، وحذر من اللجوء للتحكيم الدولي.
أضاف فوزي: "التحكيم الدولي يتطلب منازعة بين الدولتين، القاعدة العامة في التحكيم الخاص أو محاكم التحكيم تفترض وجود منازعة، حتى اللحظة لا توجد منازعة" فقاطعه النائب طلعت خليل "مَن قال لا يوجد منازعة؟"، وتجددت بعدها مشادات في الاجتماع بين النواب المعارضين والمؤيدين للاتفاقية. كما اعتبر فوزي في كلمته أن الاتفاقية لا يمكن أن تخضع للاستفتاء الشعبي، وقال: "أوضحت ذلك يوم أمس وكان صوتي ضعيف، أو فيه مصدّات منعت وصوله"، في إشارة الى المشادات والمقاطعات من النواب.
بدأ النائب علاء عابد كلمته مستشهدا بالأية الكريمة "إن الله يامركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".
وأعلن رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار موقفه المؤيد لاتفاقية ترسيم الحدود، مشددا على أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان.
وأضاف: "قبل ما تتحدث المستشارة هايدي فاروق لم أكون عقيدة، لكن بعدما تحدثت عن مستندات وخطابات من الإدارة الأمريكية التي أقرت مستنداتها أن ارض فلسطين أرض إسرائيلية...". وتابع "أستند لوثائق الجيش المصري [التي] تقول أنهما سعودتيان، مش ممكن يكونوا مصريين زي ما تقول الإدارة الأمريكية. أقول الجزيرتين سعوديتين، وأقول ذلك أمام الله وأمام الشعب".
وعقب رئيس المجلس علي عبد العال قائلا: " أريد أن أؤكد على حقيقتين أقرتهما المحاكم، أن ما يرد في الوثائق الأجنبية ليس حجة". وأضاف أنه خلال قضية التنازع على تبعية منطقة طابا الحدودية، "جلب الجانب الاسرائيلي بعض المستندات من الإدارة الأمريكية لم تعتد بها هيئة التحكيم".
وفي الرابعة والربع، وخلال الجلسة العامة، أعلن رئيس البرلمان علي عبد العال وصول تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالموافقة على إحالة الاتفاقية للجلسة العامة. وقال "هل توافقون على إحالتها للجنة الدفاع والأمن القومي؟ برجاء رفع اليد بصورة واضحة"، وأعلن الموافقة على إحالتها للجنة الدفاع والأمن القومي المختصة التي ستعد تقريرًا يجري بموجبه التصويت النهائي.
بصوت صارم وعبارات مقتضبة، أعلن رئيس المجلس علي عبد العال موافقة مجلس النواب بأغلبية بسيطة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر والسعودية في أبريل/ نيسان من العام الماضي. في جلسة برلمانية استغرقت أقل من ساعتين.
وسط صيحات وبكاء نائبات ونواب من الرافضين للاتفاقية التي مُرِّرت بتصويت غالبية الحاضرين، رفع عبد العال الجلسة، وخرج رئيس المجلس إلى مكتبه بعد أن أتم مهمة برلمانية ثقيلة، يعلم المتابعون أن نتيجتها كانت محددة سلفًا.