نشرت الجريدة الرسمية، في عددها الصادر الإثنين الماضي، قانون تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، رقم 70 لسنة 2017، بعد أن أقرّه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وصدر القانون، رغم جدل واعتراضات عليه، حتى من جهات حكومية، ليعيد للأذهان معركة وقعت قبل شهر واحد فقط، حول إقرار تعديلات قانون السلطة القضائية.
ويضم القانون الجديد موادًا جعلت قوى سياسية ومدنية مصرية ومنظمات دولية، بل وحكومات دول كبرى، تنظر إليه منذ كان مُسوّدة، باعتباره "يقضي فعلياً على المجتمع المدني"، بعد أن أضيف له قبل إقراره برلمانيًا، عقوبات سالبة للحريات، جعلته في نظر البعض قانونًا "يهدد الجمعيات المستقلة، ويُخضعها لمراقبة الجهات الأمنية".
لكن منظمة العفو الدولية، ذكرت صراحة في بيان صادر عنها، الثلاثاء، أن هذا القانون "بمثابة حكم بالإعدام على جماعات حقوق الإنسان في مصر"، لما يمنحه للسلطات من "صلاحيات واسعة لحل الجمعيات الأهلية وإقالة مجالس إداراتها، وتقديم أعضائها لمحاكمة جنائية استناداً إلى تهم مصاغة بعبارات مبهمة، من قبيل "الإخلال بالوحدة الوطنية... أو النظام العام"
مكملين
سيطبق القانون على كيانات أهلية، قدّرت الحكومة المصرية عام 2016، عددها بحوالي 47 ألف جمعية.
ومن بين تلك الكيانات، مؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية، التي يزيد القرار موقفها تعقيدًا، فهي جمعية مُشهرة لدى وزارة التضامن الاجتماعي، بجانب كونها إحدى الجهات الحقوقية التي تستهدفها القضية 173 لسنة 2011، والصادر بموجبها قرار بالتحفظ على أموالها، وآخر يحظر سفر مديرتها التنفيذية، مُزن حسن، التي تقول الآن "احنا مستهدفين من فترة طويلة".
وعن القانون الجديد، أوضحت مُزن حسن، لـ"المنصّة"، موقف "نظرة" منه بقولها "نحن لا نملك رفاهية اختيار توفيق الأوضاع من عدمه؛ فالقانون يُطبَّق علينا بصورة تلقائية، لأننا خاضعين لوزارة التضامن".
ترى الناشطة النسوية أن القانون "يقتل العمل المدني"، ورغم ذلك تصرّ على أداء دورها، "طول الوقت بنعمل في إطار ضاغط جدًا، وبنحاول ندوّر على وسائل للاستمرار، وقررنا دلوقتي إننا نكمل شغل بكل الوسائل المتاحة، على قد ما نقدر، ومش هنقفل ولا نجمد شغلنا، وهما بقى (السلطات) لو مش عايزينا ياخدوا قرار حلّ".
في خلال سنة واحدة من الآن، لابد وأن تكون جميع الكيانات التي تمارس العمل الأهلي، قد وفّقت أوضاعها وفقًا لأحكام القانون الجديد، حسبما نصت المادة الثانية منه، وإلا تصبح عرضة لحكم قضائي بالحلّ.
ومثل العاملين في مركز "نظرة"، يؤكد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، لـ"المنصّة"، مواصلة العمل رغم كل التضييقات "الأكيد إننا طول ما احنا برّه السجن هنشتغل، سواء في إطار مؤسسات أو فرادى".
بل ويبدي "عيد"، أملاً في الحركة الحقوقية والأهلية في صورتها الواسعة، بقوله "لو كان الهدف من القانون إغلاق بعض المنظمات والجمعيات، فالحركة الحقوقية موجودة، بآلاف المهمومين بحقوق الإنسان والمدافعين عنها، ونحن (المؤسسات) جزء منها، والضربة الحالية لو أضعفتها فلن تقضي عليها".
رغم القيود
التضييقات التي توقّع الحقوقيان العمل في ظلّها، بعد إقرار قانون الجمعيات الأهلية، دفعت، زميلهم محمد زارع، إلى وصف بأنه "أسوأ من القانون 32 لسنة 1964، ولا يقارن إلا بما يوجد في دول مثل روسيا وكوريا الشمالية، المعروفة بعدائها للمجتمع المدني".
"زارع" واحد من المستهدفين بالقضية 173 لسنة 2011، وعضو بمركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان، والذي انتقل جزء من نشاطه انتقل إلى تونس منذ عام 2014، وأما أعضائه في مصر، فتقّلص عددهم، ورغم ذلك يعملون حتى بلا مقرّ، بعد إغلاق مكتب القاهرة.
العمل من خارج مصر، كحل ولو مؤقت، لم يطرحه "عيد"، وترفضه مُزن، "إحنا مقتنعين تمامًا إننا ناشطات نسويات مصريات، بننطلق من مصر إلى بقية العالم العربي مش العكس، والانتقال برّه ده مش مطروح دلوقتي، مش علشان قرار المنع من السفر، لأن الضغوط علينا من قبله، وكان قرارنا الاستمرار هنا".
لكن حلولاً أخرى أمام القيادات الحقوقية، تلوح في الأفق، وتنتظر تشاور فيما بينهم، ومنها الطعن القضائي على مواد القانون، وعنه تقول الناشطة النسوية "ده محتاج نقاش مع بقية المنظمات، خاصة المستهدفين والمحامين".
عقوبات ومحظورات
مَن يقرأ مواد القانون، سيجد الكثير من المواد التي تحمل صيغة عقابية وأخرى مانعة لممارسة النشاط، سواء منعًا قاطعًا باتًا، أو مرهونًا باستصدار تصاريح.
ومن الصور العقابية التي وردت في القانون "حلّ الكيان، وقف نشاطه، عزل مجلس إدارته"، لكن الأكثر تشددًا كانت عقوبتي الحبس والغرامات.
وأُقر القانون الجديد، الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد عن 5 سنوات، مع غرامة مالية لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه، في المادة 87، بينما حددت مادته 88 عقوبة أخرى بين الحبس بما لا يزيد عن سنة، أو الغرامة التي لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه.
وتوقّع العقوبات، على مَن يخالف بنود القانون التي كان منها "التصرف في أموال الكيان، أو نقل مقرّه دون إذن".
من هنا، رأى الحقوقي جمال عيد، القانون "يُحاصر الجمعيات، خاصة المستقلة، سواء الخيرية التنموية أو الحقوقية، ويقع ضرره الأكبر على الملايين المستفيدين من عملها".
يحظر القانون على كيانات المجتمع الأهلي والمدني، ممارسة عدة أمور، ما لم تحصل على موافقات الجهات المختصة (حكومية)، مثل "العمل في المناطق الحدودية، أو إجراء ونشر استطلاعات رأي أو بحوث ميدانية، أو مشاركات جمعيات أخرى محلية أو أجنبية في أنشطتها، أو فتح مقار لها بالمحافظات".
وربما لهذا السبب يراه "زارع" قانونًا "ينظر للجمعيات الأهلية، ليس باعتبارها تقدم خدمات عجزت الدولة عن توفيرها، بل كخطر على الأمن القومي المصري".