بينما كان قطاع السياحة يسير عكس اتجاه الاقتصاد، بعد أن استطاع خلال السنوات المالية الثلاث الأخيرة أن ينمي إيراداته الدولارية بنحو 200%، حاصرته مؤخرًا عدد من الأزمات التي قوضت قدرته على جلب العملة الصعبة لاقتصاد يعاني استنزاف احتياطاته الأجنبية.
يتأثر القطاع هذه الأيام بالحرب على غزة، مع إلغاءات واسعة في الحجوزات الأجنبية على شواطئ البحر الأحمر، لكن من قبل الحرب كان القطاع يعاني من مشكلات أخرى أبرزها تأثير ضَعف الجنيه على تكاليف النشاط، ما دفع مستثمرو السياحة للمطالبة بتدخل أوسع من الدولة للمساندة.
موسم الكريسماس تحت القصف
"هناك الكثير من حجوزات الفترة المقبلة خاصة المتعلقة بالأعياد، الكريسماس مثلًا، تم إلغائها من جانب سياح أغلب الدول الأوروبية وحتى الكتلة الشرقية" كما يقول عضو مجلس إدارة إحدى الشركات السياحة، أيمن عبد النبي، ملخصًا الأوضاع على شواطئ البحر الأحمر منذ أن بدأ عدوان 7 أكتوبر الإسرائيلي.
وبحسب عبد النبي، فإن نسبة الإشغالات في فنادق شرم الشيخ حاليًا تتراوح ما بين 35 إلى 40%، بينما كانت قبل أحداث غزة تتراوح في هذا التوقيت من العام بين 70 و80%.
ويوضح نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة الأسبق، والمسؤول حاليًا في إحدى الشركات السياحية، أحمد حمدي، لـ المنصة أن "هناك تأثير واضح وملحوظ في السياحة الشاطئية في جنوب سيناء تحديدًا، مناطق شرم الشيخ وطابا ونويبع".
ويرى مسؤول عن إحدى شركات السياحة في سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، أنه "إذا طال أمد الحرب في غزة عن شهر ستحتاج منطقة جنوب سيناء السياحية إلى دعم مالي مباشر من قبل الحكومة ليمكنها الاستمرار في العمل"، وذلك في ظل توقف شبه كامل للطلب على فنادق وكامبات كانت تعتمد بشكل رئيسي على السياحة الإسرائيلية.
ويضيف المصدر أنه في حالة انتهاء الحرب قريبًا، سيظل على هيئة تنشيط السياحة وضع هذه المنطقة في أولوياتها بالدعاية لها في الخارج،"لتستطيع العودة سريعًا إلى معدلات عملها الطبيعي".
ارتفاع تكلفة الأتوبيس السياحي
من جهة أخرى يشير رئيس غرفة شركات السياحة بالأقصر، ثروت عجمي، لـ المنصة، إلى الضغوط التي يواجهها العاملون في قطاع السياحة، لارتفاع تكاليف النقل السياحي مع الصعود القوي في أسعار السيارات.
ويقول عجمي "ارتفع سعر الأتوبيس السياحي بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة ليصل إلى أكثر من 8 ملايين جنيه، بزيادة ثلاثة ملايين عن سعره قبل تعويم الجنيه في يناير الماضي، لم يعد أحد قادرًا على شرائه".
وسمح البنك المركزي بارتفاع سعر صرف الدولار في مواجهة الجنيه خلال يناير/كانون الثاني، مع ارتفاع العجز في صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي، وتترقب الأسواق تعويمًا جديدًا مع اتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي في سوق الصرف.
ويقول العجمي إن سعر الميكروباص السياحي وصل حاليًا إلى قرابة مليون و200 ألف جنيه بعدما كان سعره قبل التعويم الأخير بين 300 و400 ألف جنيه.
فيما يشير عضو اتحاد الغرف السياحية، حسام هزاع لـ المنصة إلى محدودية عدد خطوط طيران الشارتر في مصر، ما يسهم في الاعتماد بكثافة على النقل البري الذي يتسم بارتفاع التكلفة وطول مدة التنقل.
ويقول هزاع "رحلة اليوم الواحد للسائح من الغردقة إلى الأقصر تستغرق 16 ساعة رايح جاي بالأتوبيس ويكون أمامه فقط 6 ساعات لزيارة مكانين أو ثلاثة، بينما الطيران سيجعله يقضي يومه بالكامل في الأقصر وهذا معناه زيارة أماكن أكثر، وإنفاق أكثر، ودخل أكبر للدولة".
مطلوب غرف فندقية جديدة
وقبل أحداث الحرب على غزة كانت وزارة السياحة تتوقع أن يصل عدد السياح الوافدين لمصر بنهاية العام الجاري إلى نحو 15 مليون سائح، وهو مستوى مرتفع لم تبلغه البلاد منذ 2010، ما يعبر عن حالة التعافي التي كان يعيشها القطاع مع استفادته من ضعف الجنيه، الذي أدى لانخفاض تكلفة الخدمة السياحية في مصر بالنسبة للأجانب.
وكانت إيرادات السياحة بلغت 13.6 مليار دولار، خلال العام المالي 2022/2023، ما يمثل قفزة في حجم مدخولاتها التي عانت من انكماش خلال أزمة كوفيد.
وتضع الدولة مستهدفات طموحة بمضاعفة عدد السياح الوافدين، إلى 30 مليون سائح، بحلول 2028،لكن الوصول لهذا الهدف يتطلب استثمارات جديدة في القطاع لزيادة عدد الغرف الفندقية إلى 500 ألف غرفة خلال خمس سنوات.
يعني هذا الهدف زيادة عدد الغرف الفندقية بأكثر من الضعف، فبحسب تصريحات لوزير السياحة في أغسطس/آب الماضي يبلغ العدد الحالي للغرف 215 ألف غرفة.
"في حين تريد الحكومة زيادة عدد السياح لا تعطي رخص إنشاء الفنادق بسهولة"، كما يقول عجمي، مشيرًا إلى أن استخراج التراخيص لا يزال يستغرق وقت وإجراءات طويلة نسبيًا.
وتأتي الحاجة لإنشاء غرف فندقية جديدة، في الوقت الذي تشير فيها بيانات جهاز الإحصاء لضعف الإشغال الفندقي للمنشآت القائمة بالفعل، والذي يصل في المتوسط إلى نحو 40%.
ويفسر الخبير السياحي، أحمد شبل، لـ المنصة حاجتنا إلى فنادق جديدة بأن "نسبة الإشغال زادت في الفترة الأخيرة، خصوصًا قبل حادث الإسكندرية وأحداث غزة".
ويشير وكيل أول وزارة السياحة السابق حمدي الشامي، إلى أن ضعف معدلات الإشغال الظاهر في بيانات جهاز الإحصاء يعود إلى "وجود غرف سياحية يملكها أفراد ولا يرغبون في إتاحتها".
كذلك يشير إلى أن نوعية الفنادق المطلوبة لنجاح مستهدفات الدولة في زيادة الإيرادات السياحية تتطلب استثمارات في بناء نوعية معينة من الفنادق، وهي فنادق الخمس نجوم التي يمكن أن تجذب سياحًا من شرائح الدخل العليا.
تيسيرات مطلوبة من البنوك
من جهة أخرى، يرى مستثمرون في القطاع، ضرورة تجديد مبادرات الدولة لتوفير تمويل بفائدة مدعمة لشركات السياحة، بعد أن تم إنهاء مبادرة المركزي في هذا المجال خلال العام الجاري.
ويقول رئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع سامي سليمان، لـ المنصة، إن التعافي الذي حدث للقطاع لم يشمل كل الشركات، ما يتطلب تقديم الدعم لمناطق أو قطاعات محددة.
تتوقع وكالات تعويمًا جديدًا للجنيه بعد انتخابات الرئاسة، وهو ما يمثل فرصة للمستثمرين في قطاع السياحة للترويج لخدمات أرخص تكلفة للأجانب، لكن العاملين في القطاع ينتظرون المزيد من دعم الدولة حتى يستطيعون رفع إيرادات القطاع فوق مستوياتها الحالية.