تصميم أحمد بلال- المنصة
من أجل الحصول على معاش أحد الوالدين، يلجأ الزوجان إلى الطلاق الرسمي أمام الدولة، ليتزوجا عرفيًا فيما بينهما.

طلاق على ورق سوليفان

حيلة "نعمة" للجمع بين زوجها ومعاش والدها

منشور الأحد 12 نوفمبر 2023

لم تتوقع نعمة سيد(*) أن تضطرها الظروف للتوقيع على وثيقة طلاقها بعد زواج دام 21 عامًا؛ "الفكرة جتلنا عشان خاطر نحسن من الوضع اللي إحنا فيه ونحاول نسد ع المصاريف، هنعمل إيه". 

الفكرة لم تكن وليدة اللحظة، بل وليدة الحاجة، فنعمة التي تعاني من آثار التضخم التي دفعت بها بعد خط الفقر بأشواط، تعرف أنه يمكنها الحصول على معاش والدها من الدولة حال طلاقها، لتزيد من مواردها المالية، بعد انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار السلع والخدمات. 

عندما أخبرت زوجها بالفكرة لم يتردد، تقول نعمة في حديثها مع المنصة "اتطلقنا على الورق، بقيت قدام الحكومة مطلقة وأستحق معاش أبويا، ورجعنا كتبنا عقد عرفي".

ما يفعله التضخم

يمكن ملاحظة علاقة طردية بين التضخم ونسب الطلاق، ففي عام 2022 زاد عدد حالات الطلاق في مصر  بنحو 15 ألف حالة، ليصل إلى 269.8 ألف حالة، مقارنة بـ254.8 ألف حالة طلاق عام 2021، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. فيما واصلت معدلات التضخم ارتفاعها لتصل إلى 40.3% في سبتمبر/أيلول 2023، ما ينعكس بالضرورة على الأسعار التي شهدت ارتفاعًا خلال الفترة الماضية.

معاش تكافل وكرامة 500 جنيه لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية

ويعيش ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما هناك ثلث آخر "معرّضون لأن يصبحوا فقراء".

وعلى الرغم من أن الدولة توفر معاشًا يحمل اسم "تكافل وكرامة" يقدم دعمًا ماليًّا مشروطًا لفئات مختلفة في محاولة لتوفير شبكة أمان اجتماعي، فإنه لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية. قيمة المعاش 500 جنيه وصلت بعد الزيادة الأخيرة التي أقرها الرئيس السيسي إلى 625 جنيهًا ما يجعل البحث عن مصدر آخر إلزاميًّا. 

نعمة التي لم تنهِ تعليمها، وتوقفت عن الذهاب للمدرسة بعد المرحلة الابتدائية، تعرفت على زوجها في "فرح"، وعاشا معًا على "قد الحال، هو نقّاش على باب الله". حتى ثلاث سنوات مضت كان زوجها يعمل بانتظام، "كان بيكسب كويس، والدنيا كانت ماشية، بيكفينا أكل وكسوة"، كما تقول نعمة، لكن مع بداية عام 2020 تدهور الوضع "بقى شغال يوم آه ويوم لأ، في الفترة الأخيرة ممكن يشتغل 10 أيام في الشهر كله". 

لم يعد زوج نعمة قادرًا على تلبية احتياجاته وأسرته الأساسية، في ظل ارتفاع معدلات البطالة البالغة 7%، إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل 2185.00 حتى أغسطس/آب 2023، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

لدى نعمة 3 بنات، تزوجت إحداهن، والأخرى أنهت تعليمها، فيما لا تزال الصغرى في المرحلة الثانوية. أثر "الغلا اللي حصل" في يومياتها، لم تعد تأكل اللحوم سوى مرة كل أسبوعين "زمان كنا بناكلها علطول"، فيما لم تعد الملابس ضمن مقدرتهم الشرائية. 

بطلاقها تحصل نعمة على معاش 1850 جنيهًا، "يسد في المصاريف شوية"، لكنه لا يكفي لتغطية كل النفقات المطالبة بها، "لا هيسد شوار البنت، ولا هيكفي دروس اللي في ثانوي". 

يد القانون 

الطلاق الذي تم بشكل رسمي، تعتقد نعمة أنه لم يقع، لأنه "ما رماش عليا اليمين"، فلا يزالان يعيشان زوجين في منزلهما وسط بناتهما. تقول نعمة: "كده كده مش متطلقين رسمي ده ع الورق بس".

لم يرتب القانون صراحةً عقابًا جنائيًّا على الزواج العرفي

لا تعلم نعمة أن ما فعلته يندرج في القانون تحت تهمة الاستيلاء على أموال التأمينات الاجتماعية، التي تصل عقوبتها إلى السجن مع دفع الغرامة، ارتبكت نعمة عندما عرفت ذلك قائلة: "كنت فاكرة الموضوع فيه حبس شهرين تلاتة، لكن قضية والموضوع كبير مكنتش أعرف لأ لأ". دافعت عن نفسها مكررة: "اللي إحنا وصلناله كله بسبب قلة الشغل والغلا".

يقول محمد عبد الرحمن، المحامي، لـ المنصة "إن كُشِف أمر الحصول على المعاش أثناء الزواج بحيلة على القانون، ستواجه تهمة الاستيلاء على أموال الهيئة، وهي تستوجب رد المبالغ المأخوذة سابقًا أو الحبس والغرامة".

ويوضح عبد الرحمن أن "عقوبة التحايل على القانون من أجل المعاش تأتي في مادتين؛ المادة 165 من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، والمادة 336 من قانون العقوبات، التي تنص على أن عقوبة الحبس تصل إلى سنتي حبس حال ثبوت التحايل على القانون للحصول على المعاش". كما يجب على المتهم رد المبالغ التي استولى عليها لصالح الهيئة. 

لا يُعد الزواج العرفي جريمة في حد ذاته، ولم يرتب القانون صراحةً عقابًا جنائيًّا على الزواج العرفي، كما يوضح أسامة بدوي المحامي لـ المنصة، وفي حال أنجب الزوجان طفلًا بإمكانهما إثبات نسبه خلال 15 يومًا من تاريخ الميلاد. "بسبب غياب الرابط التقني بين الأنظمة الرقمية في المؤسسات الحكومية، فلا يمكن كشف التحايل في صرف المرتب عن طريق الزواج العرفي، أو ما ينتج عنه من أطفال". 

ويشير عبد الرحمن إلى أن "كشف مثل هذه الحيلة لن يتم إلا ببلاغ من أحد الأقارب أو الجيران، وفي حال التحري عن الواقعة وثبوت عيشهما سويًّا في البيت ذاته، يمكن حينها تكييفها قانونيًّا عن طريق تمكين الزوجة من مسكن الزوجية، واستمرار الزوج فيه باعتباره محل سكنه وليس لديه مكان آخر". 

منطق الجريمة

تكشف دكتورة عزة داود، رئيس لجنة أمانة المرأة في حزب غد الثورة، عن انتشار هذه الحالات من الطلاق على الورق، التي رأتها بنفسها بحكم وظيفتها، حتى بين الطبقات الأعلى؛ المتوسطة والمتوسطة العليا، في محاولة لزيادة الدخل، وتراه "منطقيًّا؛ كيف لزوجة تخطت الخمسين ولم تعمل طوال حياتها أن تجد عملًا يناسبها براتب يكفي احتياجاتها"، خاصة وأن معاش التضامن الاجتماعي لا تزيد قيمته عن 500 جنيه، فيما استبعدت أن تحدث حالات طلاق بهذا الشكل بين الشباب، "الشباب مش عارف يتجوز أصلًا عشان يطلق بسبب التضخم وارتفاع الأسعار".

تكشف عزة عن حالة معظم الشابات العاملات "هي بتشتغل في شغلانة من غير تأمين، وبتاخد معاش والدها أو والدتها، وده يخليها تسأل أنا هتجوز ليه؟ عريس مرتبه كام؟ لو اطلقت مرتين هتحرم من المعاش!"، مستدركة "الشباب بقت تحسبها كتير". 

كما تفعل نعمة التي تتعاطف مع زوجها كونه يسعى جاهدًا كل يوم للإنفاق في حدود مقدرته وسيطرته، التي خرجت عنها الأمور في مصر حاليًّا، ويبحث دائمًا ويوميًّا عن عمل، لكنه لا يجده في معظم أيامه، "هو اللي بيقدر عليه بيساعدني بيه يوم آه ويوم لأ"، تقول نعمة.

تحيا نعمة على أمل وحيد، وهو أن تتحسن ظروفها المعيشية وتتمكن من تجهيز بناتها للزواج، بعد أن يجد زوجها عملًا مستقرًّا، "نفسي أرجع أعيش حياة طبيعية". 


(*)اسم مستعار بناء على رغبة المصدر