"كان يهوديًا، وكان اسمه شاول الطرسوسي. كان إنسانًا مثقفًا، كان يهوديًا متعصبًا، مُضطَهِدًا، وقال عن نفسه إنه كان يضطهد كنيسة الله بإفراط".. يقول بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني، للحشود المجتمعة أمامه في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بقُدّاس عيد القيامة، ومتابعيه عبر الفضائيات
https://www.youtube.com/embed/wY4FZMDfm-E?vq=highresوعلى مدى دقائق عشرة تقريبًا، أنهى البابا تواضروس لمسامع حضور الكاتدرائية، عشية العيد، مساء السبت الماضي، قصة "شاول الطرسوسي"، التي كان يمكن أن تمرّ دون لفت للأنظار، فقط لو كان سياق إلقائها مختلفًا قليلًا، ولكن اكتسبت "عظة القيامة" هذه المرّة مغزى يرتبط بالأحداث الجارية، والسبب سياقها الذي حوّلها إلى ما يُمكن اعتباره ردّ- ولو غير مباشر- من الكنيسة على مرتكبي تفجيرات استهدفت أبناءها، خلال أسبوع الآلام، السابق على العيد.
شاول الذي صار بولس
أما عن شاول الطرسوسي، الذي حاز على نصف وقت عظة البابا تواضروس، فهو مَن تحول بـ"معجزة" من كاره للمسيحية وقاتل لأتباعها، إلى أحد مؤمنيها، وصار يُعرف باسم القديس بولس الرسول.
ووفقًا لتفسيرات سفر أعمال الرُسُل (أحد كُتب العهد الجديد)، فإن الطرسوسي شاول، وفي خضم معاركه ضد المسيحيين في أورشليم (القدس) وبلاد الشام، "التقى في رؤيا بيسوع (المسيح)، حين أبرق حوله نور سماوي، وسمع صوتًا يقول له (شاول شاول لماذا تضطهدني)"، وهنا يظهر "أعمال الرُسُل" ما كان لهذا اللقاء مع "المسيح الذي قام" من تأثير على "الطرسوسي"، إذ تعبّد وتعمّد بعدها وصار مسيحيًا، وفقًا للمصدر نفسه.
وعرض البابا تواضروس، في العظة نفسها، لتحول العبراني شاول إلى الإيمان بالعقيدة التي كان كارهًا لها "حتى صار يُسمى آخر تلاميذ المسيح"، ويؤرخ لها بالعام 37 ميلادية، ليسافر بعدها إلى أوروبا للتبشير، حيث انتهت حياته بقطع رأسه في روما.
وبهذا، ومع اختيار البابا تواضروس، لهذه القصة تحديدًا، بما تنطوي عليه من تفاصيل عداء للمسيحية، انتصر عليه المسيح، بل وحوّل مبغض الكنيسة إلى ابن بار لها، وذلك دونًا عن كل الدروس والعظات المرتبطة بـ"التعذيب والصلب والقيامة"، يتضح مغزى وأمل في الانتصار على مبغضين آخرين، كان لهم من عظة البابا هذه نصيب.
من أجل المسيئين
وقاسم حكاية بولس الرسول، في عظة البابا تواضروس هذه، كلمات أخرى عن الأحداث الجارية، التي قال عن تزامنها مع العيد "نحتفل هذا العام بعيد القيامة وسط مرارة، بسبب أحداث الأسبوع الماضي، وهي أحداث لم تشهدها مصر من قبل ونتألم بسببها كثيرا".
والأحداث التي يُشير إليها البابا تواضروس، هي التفجيرين اللذين استهدفا يوم 9 أبريل/ نيسان الجاري، الموافق أحد الشعانين "السعف"، أول أيام أسبوع الآلام السابق على عيد القيامة، كنيستي مارجرجس ومارمرقس في طنطا والأسكندرية، على الترتيب، وارتفع عدد ضحاياها أمس الأول إلى 45 قتيلًا، فيما بلغ عدد المُصابين 125 شخصًا.
وعقّب البابا تواضرس، على التفجيرات، بقوله "نحن لا نملك إلا شيئين، لا نملك إلا الصلاة التي نرفعها إلى الله، ونملك الحب الذي نقدمه إلى كل أحد، فهكذا علّمنا السيد المسيح، حتى إن وُجِدَ أعداء: (أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، وأحسنوا للذين يسيئون إليكم). نحن نرفع قلوبنا بالصلاة، ونقدم قلوبنا بالحب".
قداسات أُخر
في مقابل عظة هذا العيد، التي يمكن أن تُرى كرسالة لكارهي الكنيسة، تحدث البابا في عظة عيد القيامة الماضي (2016)، عن "أنوار القيامة"، وتناول فيها الخطايا، منذ وقت آدم وقتل "قايين" (قابيل) أخيه هابيل، وعن "النور" الذي يمحيها، وكيف يحتاج الإنسان إلى "نور القيامة"، ليعطيه "عقلاً مستنيرًا".
وبالتيمة نفسها، خرجت عظة "القيامة" لعام 2015، إذ كانت بعنوان "قوموا يا بني النور"، وتحدث فيها البابا عن "حياة التوبة، والإيمان الضروري للانتقال من ثقافة الموت لثقافة الحياة، عبر معرفة الله، وترك الخطايا والبداية من جديد".
واختار البابا تواضروس لـعظة عيد القيامة لعام 2014، الحديث عن مراحل حياة السيد المسيح، وكيف كان "في حياته معلمًا وراعيًا، وفي وقت الصليب والقيامة كان مُخلّصًا ومحررًا، ويعدها كان مُحررًا ومفرحًا"، وذلك بشرح مُفصّل لكل مرحلة منها.
https://www.youtube.com/embed/Ov8Htq3XLew?vq=highresولا تنفي تلك القداسات، حقيقة أن البابا أتى على ذكر "الطرسوسي" قبل عامنا هذا بالفعل، وذلك في عظة القيامة لعام 2013، لكن كان الأمر بصورة عابرة، وفي إطار كونه واحدًا من عديدين أثر فيهم المسيح، وتساوى معه في العظة على مستوى المساحة الزمنية، اثنين آخرين، هما "زكّا العشّار، ومريم المجدلية"، أي لم يخصّه وحده بكل كلماتها تقريبًا كما كان في عيد القيامة 2017، الذي لم يخلّ من حديث عن تفجيري "أحد الشعانين".