حقبة جديدة تبدأها المصري اليوم، قد تدفعها للتخلي عن ثوب الجريدة المستقلة، لتدخل تحت جناح شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، إذ أكدت مصادر داخل الصحيفة لـ المنصة رحيل رئيس تحريرها عبد اللطيف المناوي، وطرح اسم رئيس قطاع الإنتاج الوثائقي بالمتحدة الكاتب الصحفي أحمد الدريني ليحل محله.
وأثارت تلك القرارات تساؤلات حول مستقبل المصري اليوم، وما إذا كان ما يحدث يُعد شكلًا جديدًا من الاستحواذ تمارسه شركة المتحدة، على وسائل الإعلام.
لكن مصدرًا مقربًا من المتحدة، تحدث لـ المنصة شريطة عدم ذكر اسمه، نفى أي نية للاستحواذ على الجريدة المستقلة، قائلًا "هذا كلام ليس به أي قدر من الصحة، لا توجد حتى مفاوضات حول شراء المصري اليوم".
وهو نفس ما أكده مصدر بمجلس تحرير المصري اليوم لـ المنصة، تحفظ أيضًا على ذكر اسمه، بقوله إنه "لم يسبق للمتحدة أن عرضت شراء المصري اليوم، بل العكس، فإن آل دياب، المهندس صلاح دياب وابنه توفيق، عرضا بيع المؤسسة لكن المتحدة لم تبد اهتمامًا".
جاء قرار رحيل المناوي خلال اجتماع ضم العضو المنتدب للمصري اليوم توفيق دياب، ورئيس مجلس الإدارة عبد المنعم السعيد، والمدير العام وائل نبيه، بحسب مصدر مقرب من مجلس إدارة الجريدة أكد لـ المنصة أن "القرار جاء بسبب خلافات في السياسة التحريرية، أدت إلى صدامات لا تريدها الصحيفة مع السلطة"، واصفًا الاجتماع بأنه "لم يكن عاديًا".
ولم يبدِ المصدر المقرب من مجلس الإدارة اندهاشه من القرار، واصفًا إياه بأنه كان "متوقعًا "، لا سيما وأن "المناوي دائم الانشغال بمشروعات أخرى، خاصة في الإمارات، والجريدة بالنسبة له تحصيل حاصل".
حاولت المنصة التواصل مع توفيق دياب، لكنه رفض التعليق، إلا أن المناوي أكد لنا تقديم استقالته، مشيرًا إلى قبولها وإعلان رحيله عن المصري اليوم خلال الأسبوعين المقبلين.
ولفت إلى مقاله الأخير في المصري اليوم بعنوان "الابتعاد عن المسؤولية الممتعة"، الذي أعلن فيه انتهاء صلته بالجريدة.
ولانشغاله بالسفر خارج مصر لم يعلم المناوي اسم المرشح لخلافته، لكنه سمع عن ترشيح الدريني، ورفض التعليق على الأمر.
المتحدة واحتكار الصحافة
دفعت هذه الصدامات مع السلطة إلى تولي رئيس تحرير موقع مبتدا، المملوك للشركة المتحدة، هاني لبيب مسؤولية "مراجعة" مقالات الرأي في المصري اليوم خلال الأشهر الأخيرة، بحسب تأكيدات مصادر عدة من داخل الجريدة لـ المنصة.
لكن المصدر بمجلس تحرير الجريدة، نفى وجود خلافات قائلًا "المناوي طلب الاستقالة منذ فترة طويلة تزيد عن سنة، لكن بسبب العلاقة القوية التي تجمعه بآل دياب، على المستويين المهني والأسري، ظل مستمرًا في منصبه، إلى أن سمحت له الظروف بالاستقالة"، وهو نفس ما أكده مصدر آخر يشغل منصبًا تحريريًا في الجريدة، قال لـ المنصة إن "الحديث عن بديل للمناوي بدأ منذ شهور".
وبينما لم يوضح المصدر بمجلس التحرير كيفية اختيار خليفة المناوي، قال المصدر الذي يشغل منصبًا تحريريًا أن الاستقرار على اسم الدريني تم بعد اتفاق بين شركة المتحدة ومالك الجريدة صلاح دياب، على أن يكون المرشح من داخل المتحدة.
وأضاف أن "رحيل المناوي الفعلي وإعلان الدريني بديلًا له سيكون في أول أكتوبر (تشرين الأول) بحسب الاتفاق مع دياب"، مشيرًا إلى أن المصري اليوم وضعت للدريني "العقدة في المنشار" عندما اشترطت تركه لقناة الوثائقية والتفرغ للمصري اليوم، وهو ما تدور حوله المفاوضات الآن.
هذه المفاوضات، قال عنها المصدر بمجلس تحرير الجريدة أنه "لا يعلم عنها شيئًا"، موضحًا أن "الدريني ترك منصبه التنفيذي بقناة الوثائقية، وأصبح مشرفًا على قطاع. وبما أنه غير منغمس في منصب تنفيذي قد يستطيع الجمع بين المنصبين".
بينما أكد مصدر من داخل قناة الوثائقية، ومقرب من الدريني، أنه "قَبِل تولي رئاسة تحرير المصري اليوم، لكن دون التخلي عن رئاسة القطاع، لا سيما أنها حلمه الخاص".
تعيين الدريني، مع وجود لبيب، وكلاهما من المتحدة، يوحي بأن الجريدة ستكون تحت سيطرة الشركة المالكة للعدد الأكبر من وسائل الإعلام في مصر.
لكن المصدر المقرب من شركة المتحدة أكد لـ المنصة أن جمع الدريني بين رئاسة تحرير المصري اليوم والقطاع "مجرد خيارات شخصية وليست لها دلالة معينة"، ونفى ما يتردد عن سعي المتحدة للدفع بأحد كوادرها داخل جريدة مستقلة، قائلًا "أمر عادي، ومن الشائع أن يعمل الصحفيين في أكثر من مكان، وأن يتنقلوا بين الصحافة والإعلام".
تمتلك المتحدة أكثر من 40 شركة رائدة في مختلف المجالات الإعلامية
وشدد المصدر المقرب من المتحدة على أن الشركة لا تسعى لاحتكار سوق الصحافة والإعلام في مصر.
وتملك المتحدة، التي استحوذت خلال السنوات القليلة الماضية على عدد من المنصات الإعلامية، قنوات دي إم سي، وأون، وسي بي سي، والحياة، والقاهرة الإخبارية، وإكسترا نيوز، وأون تايم، وسي بي سي سفرة، ودي إم سي دراما، والحياة دراما، وأون دراما، وسي بي سي دراما، والناس، ومصر قرآن كريم، والقناة الأولى، وa.n.a، والوثائقية.
ومن إذاعات الراديو تمتلك أون سبورت إف إم، وراديو هيتس، وشعبي 95، وميجا إف إم، ونغم إف إم، وراديو 9090، وشبكة راديو النيل.
أما الصحف والمواقع الإخبارية، فتمتلك المتحدة حتى الآن، وفق المعلن على موقعها الرسمي، الوطن، والأسبوع، والدستور، واليوم السابع، وأموال الغد، ودوت مصر، ومبتدا، وصوت الأمة، وزاجل، وkora Plus، و Egypt Today و Business Today.
وتعرِّف المتحدة نفسها على موقعها الرسمي باعتبارها واحدة من أكبر الكيانات الإعلامية في المنطقة العربية بأكملها، فهي تمتلك أكثر من 40 شركة رائدة في مختلف المجالات الإعلامية. ولكن، من وجهة نظر المصدر المقرب من الشركة، فهي لا تمتلك كل السوق "من ضمن الصحف الكبرى التي لا تملكها المتحدة ولا تسعى لملكيتها المصري اليوم والشروق".
ونفى المصدر المقرب من المتحدة تصنيف ملكية هذا العدد الهائل من وسائل الإعلام استحواذًا، موضحًا أن "الممارسة الاحتكارية لها صور كثيرة، من بينها منع الآخرين من دخول السوق، وهذا لا يحدث، ومن بينها كذلك ممارسة الضغوط من أجل البيع، وهذا أيضًا لا يحدث. السوق خاضع للعرض والطلب. من يريد أن يبيع يبيع، ومن لا يريد محدش بيضربه على إيده".
بدوره، يرى المصدر في مجلس تحرير المصري اليوم أن "أي رئيس تحرير جديد سيكون حريصًا على وضع بصمته، وهو ما حدث مع رؤساء التحرير السابقين الذين تعاقبوا علينا على مر السنين"، مستدركًا "وتقديري، من معرفتي بأحمد الدريني، أنه شخص عاقل ومتزن، وأظن أنه سيحرص على وضع بصمته الشخصية على المؤسسة بغض النظر عما تريده المتحدة".
منصب "على كف عفريت"
وفي أبريل/نيسان 2018، أقال مجلس إدارة المصري اليوم رئيس تحريرها محمد السيد صالح، بعد تغريمها 150 ألف جنيه، بسبب انتقادها لمسؤولين حكوميين خلال تغطيتها للانتخابات الرئاسية، وفق رويترز.
ونشرت الصحيفة آنذاك عنوانًا رئيسيًا في صفحتها الأولى يقول الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات، في إطار تغطيتها للانتخابات التي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية أمام مرشح وحيد مؤيد له، ولا يتمتع بثقل سياسي.
لم يكتف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حينها بالغرامة المفروضة وإقالة صالح، بل طالب الجريدة بنشر اعتذار للهيئة العامة للانتخابات، قبل أن يشغل حمدي رزق منصب رئيس التحرير لشهور معدودة. وفي سبتمبر/أيلول 2018 بدأت رئاسة المناوي، ليقضي 5 سنوات في منصبه.
حلم يتحقق
"أيام ويتسلم الدريني مهام عمله بالمصري اليوم، فقط يحتاج إلى ترتيب أموره، فهو صحفي في الأساس، وهذا المنصب يمثل إضافة له"، بحسب المصدر بقناة الوثائقية.
في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت المتحدة تدشينها قطاعًا للإنتاج الوثائقي، وتأسيس أول قناة وثائقية مصرية، على أن يبدأ بثها التجريبي في يناير/كانون الثاني الماضي، وإطلاقها رسميًا في مايو/أيار الماضي، كما قررت تعيين الدريني رئيسًا للقطاع.
لم تكن "الوثائقية" حلم الدريني، فحلمه الحقيقي أن يصبح رئيس تحرير ولو لدقيقة، بحسب وصفه في بوست على فيسبوك في ديسمبر 2016، قائلًا "بادئ ذي بدء، منذ يومي الأول في جريدة الدستور في مارس 2005، وبداخلي حلم يأخذ بمجامعي ويستولي على أركاني، أن أصبح يومًا ما رئيسًا للتحرير، أظن أن الصحفي مجبول على هذا الحلم، امتلك أدواته كاملةً أو لم يمتلك، سيان... ولو وافاني الأجل قبل أن تقترن بي الصفة ولو لمدة دقيقة واحدة، لمتُ وفي نفسي شيءٌ من حتى".
بداية الدريني كانت مع الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، في جريدة الدستور في 2005، ثم انطلق إلى جريدة البديل، مع رئيس تحريرها خالد البلشي، وحصد لها الجائزة الثانية في التغطية الخارجية في جوائز نقابة الصحفيين للأحداث التي شهدها السودان خلال عام 2009، ونشرها في البديل تحت عنوان "7 أيام في بلاد الذهب والرصاص (9 حلقات)".
راديو تيت
شهد عام 2008 محطة مهمة في تاريخ الدريني؛ محطة "راديو تيت"، التي أسسها الصحفي إبراهيم الجارحي، رفقة الدريني و4 صحفيين آخرين. وعلى مدار 3 سنوات قدم راديو تيت، الذي كان شعاره "صوت الجالية المصرية في مصر" في إشارة لموقفهم ضد التهميش والاستبعاد، مئات من الحلقات الإذاعية النقدية الساخرة، وقوبل الجارحي والدريني بانتقادات لاذعة، وسلطت عليهم الأقلام بأنهم معادين للنظام، وهو ما أوضحه الدريني في حلقة إذاعية له.
في الحلقة المشار إليها قال "أنا أحمد الدريني من توريت راديو مش تيت رايو، دي كانت زمان، كانت صفارة الرقيب اللي مكنش بتتقال في وسائل الإعلام بسهولة، كانت شتيمتهم، الشتيمة اللي بتوجعهم، كانت المحجوب والمستخبي والكلام اللي بيوجعهم واللي بنخاف نتكلم فيه مع نفسنا أحيانًا. لكننا في مرحلة متلازمة توريت، ودي سببها خلل عصبي وراثي صاحبها يتفوه بألفاظ بذيئة غصب عنه، ويقعد يشاور بحركات عصبية وممكن تعتبرها نوع من قلة الأدب، يؤسفني أقولك إن إحنا الستة (إبراهيم وعلاء ودريني وهواري وفؤاد وحربية) عندنا المتلازمة دي، واتلمينا على بعض، وعملنا راديو وبنعمل أزمات، زي ما بيقول 3 صحفيين كتبوا عنا إننا إذاعة قليلة الأدب".
عقب انتهاء تجربة راديو تيت، عاد الدريني إلى دور الكاتب الصحفي المحلل في 2013، من خلال مجموعة مقالات نشرها في المصري اليوم، بلغت 296 مقالًا. كان آخرها في 2020، وكانت في مجملها داعمة للإدارة السياسية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اتجه الدريني للإعلام المرئي، ليقدم برنامج الحق المبين، على شاشة "دي إم سي"، مع الشيخ أسامة الأزهري، في محاولة للتصدي للأفكار الإرهابية.
كما قدم مجموعة أخرى من البرامج، مثل عن قرب، ويحب الجمال، ورجال صدقوا. وكذلك قدم حلقات في برامج مساء دي إم سي، واليوم، ورجال حول الرسول.
تغييرات صحفية سابقة
هذا التغيير في المصري اليوم، إن حدث، لن يكون الوحيد الذي يشهده الوسط الإعلامي مؤخرًا، ففي أغسطس/آب الماضي، أعلنت شركة المتحدة تعيين أسامة الشيخ رئيسًا لقطاع قنوات الرياضة بها، وأصدرت قرارًا بتعيين الإعلامية ريهام السهلي رئيسًا لشبكة قنوات دي إم سي، كما أسندت مهمة رئاسة تحرير اليوم السابع للصحفية علا الشافعي، لتصبح أول امرأة تشغل المنصب، منذ تأسيس الجريدة، وأخيرًا تعيين الكاتب الصحفي مصطفى عمار رئيسًا لتحرير الوطن.
وبينما ينتظر العاملون في المصري اليوم وصول رئيس التحرير الجديد، يظل التساؤل حول مغزى التغيير قائمًا، لا سيما مع بدء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقبلة.