تطرب سارة لسماع أخبار القتلة، لا يدفعها نحو ذلك وحده فضول التعرف على أسباب تحول رجل مسالم إلى سفاح، "بحس إن عندهم نقص حنان" تفسر مشاعر الانجذاب.
يقول صوت العقل أن نبتعد عن القاتل قدر الإمكان، خاصة إن كان يستهدف النساء، غير أن ما يدور في بال العشرينية سارة فخر الدين يحفزها للبحث عن وسيلة تصلها بالقاتل، مبررة ذلك "بحس إن أنا ممكن أصلّح ده، ممكن أغيرهم".
واكب عرض مسلسل سفاح الجيزة على منصة شاهد، حالة من الإعجاب ببطله بين الفتيات والسيدات، ظهرت بشكل واضح على السوشيال ميديا. جسدتها صانعة المحتوى شفيقة شامل التي كشفت عن تعاطفها مع السفاحين في برنامج الستات.
قد تبدو المسألة إحدى المحاولات المستمرة للوصول للترند، غير أن تعليقات العديد من الفتيات على كلماتها جعلت ما تقوله ربما لا يخصها وحدها.
تجد دوافعنا العدوانية متنفسًا لها في الأفلام العنيفة
التعاطف الذي صاحب جريمة قتل نيرة أشرف ليس منا ببعيد، إذ ظهرت أصوات ترى المتهم ضحية وتبرر سلوكه، وتجعل من المجني عليها شريكًا في الجريمة. نساء كثيرات تعاطفن معه لدرجة إنشاء جروبات على فيسبوك تدعمه وتدعو لتخليصه من حبل المشنقة.
يبدو التعاطف للوهلة الأولى مستغربًا، لكنه ليس كذلك من منظور علم النفس، فقد يأتي من ميول تدميرية فطرية محصورة في اللاوعي، حسب فرويد، تنشط أحيانًا فتخرج في صورة افتعال شجار حقيقي، أو في صورة أنشطة مقبولة مجتمعيًا، كمشاهدة فيلم عنيف عن قاتل متسلسل؛ العنف متأصل في جيناتنا، يبقينا على قيد الحياة ضد وحوش البرية. والآن في عالمنا المتحضر، وجدت دوافعنا العدوانية متنفسًا لها في وسائل رمزية، كالأفلام، أو التعلق بالسفاح والتعاطف معه.
الوقوع في غرام السفاح
هذا التعاطف يراه الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، متجسدًا في المجتمعات المختلفة، فبادر بمجرد سؤالنا عما إذا كان يمكن لفتاة التعلق بالسفاح، بقوله "وتتجوزه كمان"، في إشارة إلى تيد باندي، السفاح الذي ذاع صيته في أمريكا.
في الثمانينيات من القرن الماضي، بداخل السجن المركزي بفلوريدا كان تيد باندي، السفاح الأمريكي الأشهر، والملقب بالشر المطلق، الذي كان يستمتع بقتل ضحاياه من النساء وتعذيبهن، ويقال إنه كان يستكمل عمليات الاغتصاب بعد الموت إلى أن تتعفن الجثث. تهافتت النساء عليه، وكن يتجمهرن حول السجن للتعبير عن حبهن له وتعاطفهن معه.
كانت تصله منهن مئات الرسائل الرومانسية، بل إنه تزوج من إحداهن وتدعى كارول آن بون أثناء المحاكمات، وأنجب منها ابنته روز. وعندما اعترف بجرائمه وتأكد لها شره، تطلقت منه بعد زواج دام 6 سنوات.
كيف أنجب تيد باندي ابنته روز وهو داخل السجن
يفسر دكتور سعيد تهافت النساء على السفاحين، بسعيهن نحو الشهرة وجذب الاهتمام، يقول "في الأغلب يكن في سن المراهقة، غير متزوجات، يعشن حياة غير محددة الأهداف، ساكنة، فارغة، مملة، تنقصها الإثارة".
الدوافع باب التعاطف
تتعلق سارة التي تبلغ من العمر 21 بالسفاحين، من متابعتها لأخبارهم، لكنها تعي فداحة الجريمة، فتبحث عن دوافعهم باجتهاد، تقول في حديثها مع المنصة "لازم يبقى عنده دوافع، لو شر في شر. لأ، أديه بالجزمة، واحتمال أقتله". لهذا لا بد لكل قاتل من دافع، وبمجرد فتح الباب، فالتعاطف آتٍ لا محالة.
تعتقد الشابة السكندرية العزباء، التي تعمل متخصصة تسويق ومطورة أعمال، أنها قادرة على تفهم دوافعه، وهو ما يفسح مجالًا للتعلق "بحس بيه، جايز يكون اتعرض لظلم، والقتل ده نتيجة الغضب اللي حاسس بيه" تعبر سارة عن نفسها.
وجود مأساة تكمن وراء ارتكابه لجرائمه، هو ما يدفع النساء، المنساقات خلف عاطفتهن لإنقاذه، ولهذا "لا نجد رجالًا معجبين بالسفاح، فقط نساء" حسب الدكتور سعيد.
خاصة مع ما تضفيه وسائل الإعلام والأعمال الدرامية المقدمة عن السفاحين من جاذبية على شخصية القاتل، الذي دائمًا ما يتم التركيز على صفاته الذكورية، ذكائه، وسامته، وقدرته على جذب انتباه ضحاياه.
فهي تشجع المشاهد على التعاطف مع الشرير، كما حدث مع مسلسل Dahmer، أحد المسلسلات الدرامية الأكثر شعبية على نتفلكيس، ويحكي عن القاتل جيفري دامر، وقدمه باعتباره مجرد مريض عقلي يساء فهمه، مما جعل الكثير يتعاطفون معه، وخاصة النساء.
تتخيل سارة صاحبة رواية متحف ماجدولين "الموضوع as an art"، فالسفاح عبارة عن فنان، خاصة إن كانت له طرق وطقوس خاصة للقتل، تنبع تلك التفاصيل الساحرة والجاذبة التي لم تختبرها سارة في الحقيقة، بشكل أساسي من التصوير الدرامي للحظات القتل في المسلسلات التي تتناول السير الذاتية للقتلة.
ويذهب الدكتور سعيد في تفسيره للتعلق بالسفاحين لأبعد من ذلك، إذ يفترض أنه ليست جميع النساء نسويات، بل منهن ذكوريات كارهات لبنات جنسهن، يدعمن وجود قاتل يحارب أعداءهن، يوضح "الواحدة منهم تتخيل لو معاها سفاح يطلع عين الستات دي، بالنسبة لها تمثيلية نضيفة، مش متخيلة الحقيقة إيه".
ليس إعجابًا.. بل محاولة لكسر الملل عند الناس التي ترغب في الإثارة
فيما يرى الدكتور عماد الغمراوي، استشاري الطب النفسي، أن الإعجاب والتماهي مع القاتل لا يمكن قولبته بصورة نهائية، فكل حالة فردية، ولكن بشكل عام هو نوع من التوحد مع المعتدي Identification with the aggressor، أو ما يعرف بـ متلازمة ستوكهولم، والتوحد هو التقمص والتماهي مع مشاعر المعتدي، وتبرير أفعاله عن طريق حيل دفاعية، أو إنكار تام لها "التوحد مع الشخص يعني بألّهه، بعظّمه، ببص له بانبهار أو بإعجاب" يقول الغمراوي.
كما توصف حالة التعلق أو الانجذاب الجنسي للقتلة المتسلسلين، أو على نطاق أوسع، الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم، بالهيبريستوفيا hybristophilia، التي يُشار إليها عادة باسم متلازمة بوني وكلايد، والتي تمنح الفتاة شعورًا بالسيطرة والإثارة.
دراما أم حقيقة؟
تقر سارة أن الحالة خيالية، وأنها تميل إلى "الفانتزي" أكثر من الواقع لكنها لا تستبعد حدوثها، تستدرك "سأفكر ألف مرة، شرط أن أحس بالانتماء ليه ولبيئته".
فيما تقف دكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، على الجانب الآخر "مافيش حد بيعجب بالسفاح". فالمجتمع الذي يتحدث عن إعجابه بالجرائم، ومرتكبيها مجتمع مثير للرعب، وهي حالة يمكن وصفها بالمرض الاجتماعي.
ترى دكتورة هدى أنها ليست حالة حقيقية، وإنما مجرد كسر للملل عند الناس التي ترغب في الإثارة فتتابع الأعمال الخاصة بالقتلة المتسلسلين.
هذا الاستنكار، لا يشاركها فيه الدكتور عماد الذي يرى أن الفتاة قد تنساق وراء رغبتها لدرجة يمكن أن تورطها في مشكلة، "ممكن تبحث فعلًا عن قاتل وتتعلق به"، وأوضح أن هذه الرغبات قد تصل لحد الرغبة في أن تكون الحالة هي الضحية القادمة.
لكن سارة لا تفكر في نفسها كضحية، بل بطلة منقذة، تؤمن كما أغلب النساء بقدرتها السحرية، على تحويل الباد بوي إلى شخص مسالم ومتعاطف، ليصبح شريكًا مثاليًا.