في كتاب "فتاوى الحاخامات.. رؤية موضوعية لجذور التطرف في إسرائيل" للدكتور منصور عبد الوهاب نشاهد جانبًا من إسرائيل لا نهتم به كثيرًا، ربما لا نلاحظه إلا عندما تنقل لنا الأخبار مستوطنين يقاومون قوات الشرطة الإسرائيلية عند إخلاء المستوطنات، تذكرنا ذقونهم الطويلة وطاقيتهم بالجماعات السلفية في مصر. أو أثناء الانتخابات في إسرائيل عندما نقرأ عن تحالف أحد الأحزاب الكبرى مع بعض الأحزاب الدينية وإشراكها في تشكيل الحكومة.
يقدم لنا الكتاب صورة موسعة عن تأثير الدين والحاخامات في المجتمع الإسرائيلي، أو بمعنى أدق بعض قطاعات المجتمع، وذلك من خلال استعراضه لمجموعة كبيرة من فتاوى الحاخامات المتطرفين من خلال مواقع إلكترونية، بدون تدخل من الكاتب. يشير الكاتب إلى امتداد تأثير تلك الفتاوى على رجل السياسة، وكثيرًا ما تؤدي لعمليات على الأرض، إذ تسببت في مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين على يد شاب متطرف يهودي، في مشهد مشابه لاغتيال الرئيس السادات في مصر.
جُمعت هذه الفتاوى التي اختار منها الكتاب عن طريق "المنظمة العربية لمناهضة التمييز" والتي بدأت نشاطها في عام 2003، وأغلقت عام 2009، وقام الكتاب بتقسيم الفتاوي حسب الموضوعات.
فتاوي المرأة.. نظرة متدنية
بينما يسير المجتمع العلماني في إسرائيل في طريق تحقيق المساواة للمرأة، يقف المجتمع الديني عقبة أمام ذلك، إذ تحرّم الشريعة اليهودية على المرأة الكثير من الحقوق، فهي تنص مثلًا على أن الابنة لا ترث أباها إذا كان لها أخوة ذكور، كما تعتبر المرأة عند الزواج في مرتبة أدنى من زوجها. وترفض بعض التفسيرات للشريعة اليهودية شهادة المرأة أمام المحاكم، وبالتالي عدم جواز توليها القضاء، كما يرفض البعض تولي المرأة أي منصب ينطوي على سلطة، ويذكر تاريخ إسرائيل أن حزب أجودات إسرائيل انسحب من الحكومة عقب تعيين جولدا مائير رئيسة للوزراء.
ووفقًا للتقاليد اليهودية القديمة يحق للرجل أن يتزوج أكثر من امرأة "ولا يكثر من النساء لئلا يزيغ قلبه"، ولا ترث البنات آباءهن مادام هناك بنين وفقًا للتوراة وهذا علي النقيض من قانون الدولة، الذي يمنع تعدد الزوجات، والذي تحكم بموجبه المحاكم العلمانية بأن ترث البنات مع البنين بالتساوي.
وفي فتوى عن تحريم صوت المرأة يجيب أحد الحاخامات بأن غناء المرأة يعتبر عورة ومُحَرَّم سماعه، ويُحَرَّم سماع صوت النساء اللاتي يشاركن بالغناء في فرقة غنائية أو في الراديو والإسطوانات الغنائية وما شابه.
ويحرم حاخام آخر ارتداء المرأة للسروال (البنطلون) لسببين الأول هو أن "لا ترتدي امرأة زي رجل"، أما السبب الآخر فهو عدم احتشام سراويل النساء. ويحرّم آخر علي الفتاة القيام بتدريبات بدنية أمام رجل، ولقد وصلت هذه الفتاوي لدرجة رفض رئيس بلدية القدس المتدين مصافحة النساء الفائزات بجائزة إسرائيل في "عيد الاستقلال" مما دعا بعض الصحف للتعليق علي تصرفه الذي وصفوه بالعنصري.
المسيحية وثنية
لا تقتصر أعمال العنف على ما يمارسه اليهود المتعصبون علي المسلمين، بل تمتد أيضًا للمسيحيين. ويذكر الكاتب حادث بصق شاب يهودي على الصليب الذي يحمله أحد المشاركين في مسيرة للكنيسة اليونانية الأرثوذكسية وهي في طريقها لكنيسة القيامة عام 2005، وقال الشاب إنه بصق عندما رأي الصليب وهو ما يعتبره بعض الحاخامات رمزًا وثنيًا. وفي إحدى الفتاوى التي يذكرها الكتاب يعتمد الحاخام على رأي موسى بن ميمون بأن إيمان المسيحيين بتجسيد الإله هو كفر وخروج علي الدين، أما المسلمون فهم لا يشركون بالله ولكن خطأهم أنهم يؤمنون بمحمد نبيًا. وفي فتوى يسأل فيها شخص عن إمكانية حضور حفل زواج في ساحة الكنيسة كانت إجابة الحاخام:
"الحضور في القاعة حرام
والأكل هناك حرام
التأثر بجمال المكان حرام".
كما تشمل الفتاوى وجود محاذير عديدة لإمكانية تناول طعام من شخص غير يهودي، وتحريم مطالعة الكتب المسيحية التي توصف بالوثنية، ووصف المسيحية بواقع الشر، واعتبار المسيحيين عبدة أوثان، ويصل التحريم الي عدم الاستعانة بساعة الكنيسة أو الآذان لضبط الوقت.
ضد الأغيار
الأغيار أو (الجوييم) بالعبرية هم جميع الشعوب غير اليهودية، ويُنظر إليهم بصورة مختلفة عن اليهود "وبين البشر هناك يهود، وهناك بقية البشر"، كما يقول أحد الحاخامات، ويعتبر الزواج من إحدي الأغيار مخالفة جسيمة، و بمثابة انسلاخ عن بني اسرائيل. وهناك فتوي بتحريم تأجير المساكن للتايلانديين باعتبارهم عبدة أوثان. أما المسيحيون فهم مؤمنون إيمانًا باطلًا بأن إنسانًا من لحم و دم هو الرب، و المسلمون هم انتحاريون يقتلون النساء و الأطفال وإلههم إله وحشي غريب، وانتشر دينهم بالسيف. وشعب إسرائيل أرقي من غيره بفضل مزاياه الروحية والتزامه بتنفيذ الشرائع. وفي إجابة عن جواز تهنئة الأغيار بعيدهم بسبب وجود علاقات تجارية معهم، يقول أحد الحاخامات:
1- الذهاب الي منزله لتهنئته حرام
2-وإذا صادفته في الشارع تهنؤه بلهجة فاترة وبرزانة لاعتبارات السلام.
وتشمل الفتاوي أيضا اعتبار الكوارث الطبيعية التي تحدث للأغيار بمثابة عقاب لهم علي الإضرار بالشعب اليهودي، كاعتبار إعصار كاترينا عقابًا للرئيس بوش، الذي أيّد خطة "فك الارتباط" واعتبار التسونامي هو تعبير عن غضب الرب لتأييد نفس الخطة.
العلمانية تسبب السرطان
في تصريح لزعيم الطائفة اللتوانية وأبرز شخصية دينية إشكنازية في إسرائيل أن سبب انتشار مرض السرطان يرجع الي تحول بعض اليهود الي العلمانية و امتهان الحاخامات. وفي فتوى أخر قيل إن سبب عدم قدوم المسيح المخلص هو الهاتف المحمول الذي يحمل داخله الكثير من الشر، كما وصلت الفتاوي الي الانتخابات بحلول اللعنة على من لا يصوِّت لحزب "شاس" الديني، وتلعب فتاوى الحاخامات دورًا في الصراع العربي الإسرائيلي، لتبيح استهداف وقتل المدنيين من أجل حماية الشعب الإسرائيلي والدعوة إلى طرد العرب و ترحيلهم الي الدول العربية، وعدم تأجير المساكن للعرب واعتبار المطالبين بحقوق الإنسان للفلسطنيين أصحاب "خُلُق مسيحي"، واعتبارهم يعطون أولوية لحياة الأعداء علي حساب حياة اليهود، واعتبروا إهانة كرامة العرب عند حواجز التفتيش طريقة لحل المشكلة باعتبار ذلك طريقة لدفع العرب لمغادرة البلاد.
كما يُحَرِّم الحاخامات سماع الأغاني العربية، إما لتحريم أغاني الغزل بصورة عامة، أو لتحريم غناء ألحان غير يهودية، أو السماح بأخذ اللحن وتركيب كلمات من الصلوات عليه. ولا تقتصر الفتاوى المعادية على العرب بل تمتد إلى الدروز بما فيهم مَن يقومون بالخدمة في الجيش الاسرائيلي و اعتبارهم غير موالين.
وعلي الرغم من عرض الكتاب لبعض الفتاوى من خلال موضوعات صحفية تنتقد هذه الفتاوى، إلا أنه يوحي في كثير من المواضع بتأثير كبير لمثل هذه الفتاوى على المجتمع، و يغفل وجود قطاع علماني كبير في إسرائيل ينتقد تلك الفتاوى، وكذلك وجود نوعية مختلفة من الحاخامات ليسوا بنفس الدرجة من التعصب.
كتاب "فتاوى الحاخامات" يعرض لنا شريحة من المجتمع الإسرائيلي لا تمثل أغلبية المجتمع، ولكنها تمثل قطاعًا له تأثيره في دولة تكونت على أساس ديني\عسكري\علماني، واستطاعت أن تستمر برغم التناقضات الشديدة الموجودة داخلها، والصراعات العسكرية التي واجهتها، في تجربة علينا أن نفهمها جيدًا إذا أردنا مواجهتها، أو اخترنا التعايش معها و الاستفادة مما مرت به.