-تصميم أحمد بلال- المنصة
تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيق خطوات في التطبيع بين السعودية وإسرائيل مع بداية عام 2024

ربما ليس الآن.. الصفقة الكبرى للتطبيع السعودي- الإسرائيلي تطبخ على نار هادئة

منشور الخميس 7 سبتمبر 2023

يبدو أن اتفاقًا يُطبخ على نار هادئة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل بوساطة أمريكية، إذ اجتمع، اﻷربعاء، اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين مع مسؤولين سعوديين في الرياض لمناقشة التطبيع المحتمل، فماذا يدور في الكواليس وهل تتم الصفقة المرتقبة؟

في أول تحرك أمريكي علني عن المفاوضات الجارية، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي لشبكة سي إن إن، إن بريت ماكجورك، المسؤول بمجلس الأمن القومي الأمريكي، وباربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون المنطقة، سيشاركان في المحادثات التي ستشمل التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

"التطبيع واحد من القضايا العديدة التي نعمل عليها في المنطقة، لقد سبقت هذه العملية تقارير صحفية، وكما قال الرئيس جو بايدن، بينما نرحب بهذه الإمكانية، ونعمل بشكل بناء مع الحكومتين لمعرفة ما هو ممكن، إلا أن هناك طريق طويل يجب قطعه بشأن هذه القضايا"، يقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي.

تأتي زيارة المسؤولين الأمريكيين بعد شهر من زيارة مماثلة لمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى المملكة. كما تتزامن مع زيارة وفد فلسطيني إلى الرياض لمناقشة مطالبهم من الإسرائيليين إذا ما مضت السعودية وإسرائيل قدمًا في الصفقة.

يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمعهد الشرق الأوسط نمرود جورين، إن "الدبلوماسية المكوكية الأخيرة للمسؤولين الأمريكيين في المنطقة تشير إلى أن الجهود الأمريكية على الجبهة السعودية مستمرة، لكن هذا لا يعني بالضرورة حدوث اختراق قريب في الصفقة". 

ويرى جورين أن العلاقات الإسرائيلية السعودية تسير بالفعل في اتجاه تحسن بطيء وتدريجي، "ومن المرجح أن تستمر، وقد تؤدي في النهاية إلى التطبيع الكامل".

كيف بدأت الإشارات؟

لا توجد علاقات رسمية سعودية علنية مع إسرائيل، لكن كانت هناك اتصالات سرية بين الجانبين في السنوات الأخيرة، خاصة مع تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة. بيد أن علامات تطور العلاقات بدأت تلوح في الأفق بعد اتفاق "أبراهام" الذي تضمن تطبيع الإمارات والبحرين، جارتي المملكة، مع إسرائيل في عام 2020. إذ سمحت المملكة لطائرة إسرائيلية بالمرور فوق أراضيها في طريقها إلى أبوظبي، رغم رفضها التوقيع على الإتفاق. 

وبعد عامين، وتحديدًا في يوليو/تموز 2022، خطت السعودية خطوة أخرى نحو الانفتاح على إسرائيل بعدما سمحت بفتح أجوائها أمام مرور الطائرات الإسرائيلية. جاء ذلك قبل زيارة الرئيس الأمريكي آنذاك، في خطوة اعتبرها الإسرائيليون "بداية للتطبيع مع المملكة".

تطالب الرياض بالموافقة على برنامج نووي سعودي مدني تحت إشراف أمريكي

وظلت الأوضاع على حالها حتى نهاية يوليو الماضي، عندما تحدث بايدن لأول مرة عن إحراز تقدم في التطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية، وقال أثناء حملته الانتخابية لعام 2024 بولاية ماين "ربما هناك تقارب جارٍ"، دون مزيد من التفاصيل.

ملامح الاتفاق

ولكن كشفت نيويورك تايمز، في تقرير نشرته في 29 يوليو الماضي، عن أن بايدن أرسل في 27 من الشهر ذاته مستشاره للأمن القومي والمسؤول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي إلى السعودية، للمرة الثانية خلال عدة أشهر، لمناقشة الترويج لصفقة إقليمية مع إسرائيل. كما ورد أنه، مقابل الاستعداد للدخول في صفقة، سيُطلب من الأطراف اتخاذ سلسلة من الخطوات، من المتوقع أن يشكل تنفيذها تحديات معقدة للغاية لقادتهم.

وبحسب نيوريوك تايمز "من المتوقع أن تطالب الرياض بإنشاء تحالف دفاعي مع الولايات المتحدة، على غرار الالتزامات الأمريكية لأعضاء الناتو، بما في ذلك الموافقة على برنامج نووي سعودي مدني تحت إشراف أمريكي".

فيما ستطالب الولايات المتحدة، السعودية بإنهاء الحرب في اليمن، وتقديم حزمة مساعدات كبيرة للسلطة الفلسطينية، والحد من علاقاتها المتطورة مع الصين، إلى جانب اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

"ومن المتوقع أن يُطلب من إسرائيل الامتناع عن اتخاذ خطوات تعرّض أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين للخطر بروح حل الدولتين"، بحسب الصحيفة.

بعدها توالت المفاجئات، إذ أعلنت الرياض، في 12 أغسطس/آب، تعيين نايف السديري كأول سفير لها غير مقيم في الأراضي الفلسطينية، وأول قنصل عام بمدينة القدس. وسلم السديري، وهو أيضًا سفير الرياض بالأردن، أوراق اعتماده إلى المستشار الدبلوماسي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مجدي الخالدي، خلال اجتماع في السفارة الفلسطينية في عمّان.

وقال السديري، في لقاء متلفز مع قناة العربية، في اليوم التالي لتعيينه، إن تعيينه يعطي بعدًا مؤسسيًا للعلاقة بين المملكة والدولة الفلسطينية، ويجلب السلام والاستقرار للمنطقة. 

وتعليقًا على تلك الخطوة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إن "السعوديون يريدون إيصال رسالة إلى الفلسطينيين بأنهم لم ينسوهم"، كما ورد في تقرير لرويترز.

رسالة سعودية مزدوجة

ليس هذا فقط، يقول عبد الله بن عبد المحسن العساف أستاذ الإعلام السياسي والعلاقات الدولية لـ "المنصة"، إن تعيين السديري يوجه رسائل عدّة؛ الأولى للفلسطينيين بأن السعودية ملتزمة بالحق الفلسطيني، والثانية للإسرائيليين بأنه لا تطبيع ما لم تكن هناك دولة فلسطينية كاملة العضوية بالأمم المتحدة، وهي الرسالة ذاتها للوسطاء الأمريكيين.

وفي حين لم ترد السفارة السعودية في واشنطن على أسئلة المنصة حول شروط المملكة، رد المكتب الإقليمي للخارجية الأمريكية على طلب المنصة للتعليق بأنه "لا توجد معلومات حول الأمر يمكن مشاركتها في الوقت الحالي".

من جهته، يقول العساف إن السعودية منفتحة على الجميع، وواضحة في طلباتها، وهي تطبيق مبادرة السلام العربية 2002 واشتراطاتها بحل القضية على مبدأ الدولتين، مع انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى حدود 4 يونيو/حزيران 1967.

فلسطين في قلب الاتفاق

غير أن التقارير الإعلامية تشير إلى أن التنازلات التي يُطالب بها السعوديون بشأن القضية الفلسطينية، أقل من موقفهم التقليدي المتمثل في اشتراط تحقيق حل الدولتين مقابل التطبيع مع إسرائيل.

ويوضح جورين أن "المطالب السعودية بشأن تجميد الاستيطان، ونقل بعض الأراضي الإضافية في الضفة الغربية إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وضمان عدم الضم من قبل الحكومة الإسرائيلية، أقل أهمية بكثير من المطلب السابق بإقامة دولة فلسطينية".

ونشر موقع إكسيوس الأمريكي، "قائمة طلبات" قدمتها السلطة الفلسطينية للسعودية حال التطبيع، وتشمل منحها "المزيد من السيطرة على مناطق معينة في الضفة الغربية، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، وفتح الرياض قنصلية لها بالمدينة ذاتها". ولم يرد الناطق باسم حركة فتح على طلب المنصة للتعليق على تلك الطلبات.

بينما يرى العساف أن زيارة الوفد الفلسطيني إلى السعودية حاملًا طلباته للمملكة تنبئ عن واقعية فلسطينية سياسية، ويوضح "الأمور تغيرت بشكل كبير في المجتمع العربي والإسلامي على صعيد المزاج العام والسياسي والعلاقات الدولية، فلابد من النظر بواقعية إلى مسألة إقامة دولة فلسطينية وكذلك طبيعة التنازلات".

سعى بن سلمان خلال العامين الماضيين لتقديم المملكة كقوة إقليمية وعالمية

في الوقت نفسه، يقول العساف "المشكلة أننا نُحمّل كثيرًا الجانب الإسرائيلي (في أزمة القضية الفلسطينية)، لكن البيت الفلسطيني منشق على نفسه، والوضع خطير جدًا في فلسطين، هل هي حكومة رام الله؟ أم حكومة غزة؟ هل سيحكم فلسطين حركة فتح أم حماس؟ وما مدى التقارب بينهما؟ ناهيك عن فصائل فلسطينية أخرى متناحرة ومتعادية".

"عليهم أن يصفوا ذات بينهم، قبل أن يطالبوا الآخرين بمساندتهم! هذه نقطة ضعف كبيرة تستثمرها الحكومات الإسرائيلية والحكومة الأمريكية" يضيف العساف.

وكان استطلاعًا للرأي أجراه معهد واشنطن أظهر أن الفلسطينيين منقسمون بشأن التطبيع السعودي – الإسرائيلي، حيث يؤيد نصف سكان غزة الانفتاح على التطبيع مع إسرائيل لو قامت السعودية بذلك، بينما لا تزال غالبية سكان الضفة رافضة للتطبيع. واتفق غالبية من شملهم الاستطلاع في الضفة الغربية وغزة، على أن "الحكومات العربية تهمل الفلسطينيين وتكوّن صداقات مع إسرائيل لأنها تعتقد أنه على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر استعدادًا لتقديم التنازلات".

حل نهائي

وذهب أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلسطين أيمن الرقيب إلى أن القيادة السعودية لن تقبل بأي تطبيع مع الاحتلال دون فتح آفاق حقيقية لعملية سلام يرضى عنها الفلسطينيون، من خلال التمسك بالمبادرة العربية، والدعوة لمفاوضات جدية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسقف زمني ورعاية عربية-أمريكية للوصول لحل نهائي.

وكان صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي في حوار باللغة العربية لموقع إيلاف، في أغسطس الماضي، عن تطبيع العلاقات مع السعودية، "أنا متأكد أن الملف الفلسطيني لن يكون عائقًا أمام السلام".

ويقول حسن خاطر رئيس مركز القدس لـ "المنصة"، "من الواضح أن حكومة نتنياهو تستغل الجانب الاقتصادي والإغراءات الاستثمارية والمالية ضمن مخططات المملكة الاقتصادية في المراحل المقبلة لتحقيق التطبيع الذي سيكون ضربة قاضية لكثير من المواقف العربية والإسلامية في علاقتها مع دولة الاحتلال".

واعتبر خاطر أن تعيين سفير سعودي في القدس في هذا التوقيت بمثابة "مدخل سعودي للتطبيع مع الاحتلال، والذي قد يؤدي إلى إسقاط نهائي للمبادرة العربية".

وينظر خاطر إلى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي على أنه الحاكم الفعلي لأكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وأنه سعى خلال العامين الماضيين لتقديم المملكة كقوة إقليمية وعالمية لم تعد تعتمد على واشنطن في خدمة مصالحها. إذ أقدم بن سلمان هذا العام على تطبيع العلاقات مع إيران بوساطة صينية، كما دعته مجموعة "بريكس" للانضمام إلى التحالف الاقتصادي الذي يضم الصين، وروسيا، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، والهند.

"لهذا تضغط واشنطن بقوة على الرياض لتوقيع اتفاق مع إسرائيل لقطع الطريق أمام محاولة بكين إقامة علاقات ستراتيجية مع السعودية، لإبقاء المملكة ضمن محور المصالح الأمريكية، فلا تُشكل تهديدًا لها وللتحالفات القائمة حاليًا" يقول حسن خاطر.

"إذا تم التوصل إلى اتفاق أمني أمريكي-سعودي في الأشهر المقبلة، فقد يتضمن مكونًا إسرائيليًا سعوديًا"، يقول جورين قبل أن يستدرك "لكن من المحتمل ألا يصل إلى حد التطبيع".