أطلق نظام السيسي سراح 203 شابا من أسرى حرب تحرير مصر. وفي خبر نشرته صحيفة الشروق المصرية، صرح الأستاذ كريم السقا عضو لجنة العفو الرئاسي عن الشباب، بأن "معظم الأسماء التي شملها القرار الرئاسي الصادر ... الإثنين، لطلاب وحالات صحية بين الشباب المحبوسين".
وأوضح «السقا»، خلال مداخلة هاتفية له مع «نشرة أخبار»، فضائية «أون لايف»، مساء الإثنين، أن اختيار هذه الأسماء تم وفقًا للمعايير التي تبنتها اللجنة منذ بداية عملها، وهي ألا يكون الشخص متورطًا ومرتكبًا لأعمال عنف أو تخريب، كما أنه لا يكون عضوًا في أي جماعة إرهابية ومنها جماعة "الإخوان التي تم حظرها في مصر وعدد من دول العالم".
طيب ماذا عن علاء عبد الفتاح؟ لا هو من الإخوان، ولا هو من الذين تورطوا في أعمال عنف أو تخريب. تهمته في القضية المحبوس فيها واضحة: خرق قانون التظاهر. نعم هناك مقاومة السلطات ولكن يمكن توجيه هذه التهمة لأي من المواطنين في الشارع مثلا. طبعا ستتهمني بالسذاجة والبله، وسيكون عندك حق. أخبرني خالد علي في مرة، أن النظام يعتبر علاء عبد الفتاح، وجميع النشطاء السلميين العلمانيين، أخطر عليه من الإخوان أو منتهجي العنف، وأنا بالطبع أوافق على هذا.
حسنًا، بما أننا تحت حكم عصابة؛ فخروج علاء عبد الفتاح ليس واردًا. ولكن، ماذا عن أحمد عبد الرحمن؟!
عرفت أحمد عبد الرحمن طفلاً، هو الأخ الأصغر لأحد أصدقاء الطفولة. وعهدته دائمًا مبتسمًا، طيبًا بلا معارك أو مشاكل هنا وهناك. مرت الأيام وتفرقت السبل، وفجأة وجدت صورته أمامي معتقلا في قضية الشورى. لقد رأي الشاب الطيب الشهم أحمد عبد الرحمن بعضًا من الناشطات يُضربن من رجال يرتدون الزي المدني، فتدخل لنجدتهن، ليتم القبض عليه وإخلاء سبيل عدد من المتهمين في نفس القضية، دون ان يكون هو بينهم. اعترف هو بحمله سكين صغير لأغراض تقطيع الطعام، وهذه كانت النقطة التي استغلها أمن وقضاء السيسي.
ولأكن واضحًا، لست متأكدًا من أنه كان يحمل سكينًا معه من الأساس. نعم قال محاموه الذين أعرفهم ذلك، ولكن دعني أقل لك أني لست واثقًا فيما سمعت. على العموم، دعنا من هذا، ودعنا نقل أن الشاب كان يحمل سكينًا لتقطيع الطعام كما قال، هل استخدمها في معركة حدثت فعلا؟ إن كان هو ممن يحملون أسلحة لاستخدامها ضد الناس، لِمَ لم يستخدمها في خناقة؟! هل يستقيم ذلك؟!
ستقول لي أننا اتفقنا على أن الشاب كان يحمل سكينًا، وهذه السكين مُجرَّمَة، وسأقول لك مادام اتفقنا فطبعًا، لكنه لم يستخدمها في عنف، ولم يمارس عنف، ولا هو من الإخوان، ولا من الثوريين، ولا من أي فصيل تعرفه: هو شاب مصري دافع عن بنات يتم ضربهن.
ألا يستحق عفوًا؟!
في سجنه عانى أحمد الأمرّيّن؛ تم ضربه والاعتداء عليه عندما أعلن اضرابه عن الطعام، تذكر بوابة الاشتراكي هذا في الفقرة التالية:
"امتنع مأمور سجن طرة ورئيس المباحث محمد إبراهيم عن تحرير محضر لإثبات إضرابه عن الطعام ومتابعة حالته الصحية، بل وقد قام رئيس المباحث بتحويله للحبس الانفرادي بعدها، ودخل التأديب في الحبس الانفرادي. كما اعتدى رئيس المباحث عليه بالضرب بالأقلام، علاوة على اعتداء المخبرين عليه بالضرب حيث وضعوه مواجهًا للحائط وبعدها مارسوا التعذيب البدني عليه، وعندما صرخ فيهم بالقول (حسبي الله ونعم الوكيل)، قام المخبرين بتسريع وتيرة التعذيب والضرب لدرجة إلقائه على الأرض وضربه بأحذيتهم، وحينما استغاث برئيس المباحث، وهو شاهد على تلك الوقائع، قام بضربه صفعًا على وجهه".
ألا يستحق عفوا؟!
لا أطلب هنا عفوا من مجرمين، ولا أتسول رضا سلطة أمر واقع تحتجز المصريين أسرى، سواء في سجون ذات أسوار أم سجون ذات شوارع وحدائق ومقاه. كل ما أقول أن إطلاق الأسرى لا يسلتزم شكر السجان، فما بالك بالإصرار على احتجاز شاب كانت تهمته الوحيدة شهامته؟
الشهامة في مصر مكافأتها المهانة، وغرامة 100 ألف جنيه، وخمس سنوات سجن، وخمس سنوات تقضي لياليها نائما فوق بلاط القسم، في أيام يحتل الجبن مكان العقل، والخسة مكان الذكاء، ويٌعتبر فيها إطلاق سراح الأسير شهامة وكرمًا من سجانه.
قال الماغوط مرة: "لا تكن عسلا وسط الذباب، فسيفني العسل ويبقى الذباب". واحدة من أكثر الحكم التي كرهتها في حياتي، ولكن لابد علي من الاعتراف بأنه، لو ظل الحال على ما هو عليه، فسيكون الماغوط على حق، والأبعد؛ سنتحول جميعا إلى ذباب، يعبد أو يكفر بإله منحط.