جلس حسين في ظل شجرة يتلمس نسمة هواءٍ تُلطف نهارًا صيفيًا قائظ الحرارة، وتُريحه قليلًا بعد جولة مخيبة للآمال، بحسب وصفه، في جمع ثمار المانجو الناضجة، داخل قطعة الأرض التي يديرها مع والده.
يقارن حسين، المُزارع من مدينة الإسماعيلية، إنتاج الموسم الحالي بالعام الماضي، والذي أثمرت كل أشجاره وعوضت ثلاث سنوات من ضعف المحصول إثر تعرضه لموجات حارة على مدار عامين.
ورغم أن العام الحالي هو الأسوأ منذ 10 أعوام، بحسب وصفه. فإن محافظات الإسماعيلية وأسوان والسويس قررت إقامة مهرجانات تحتفي بمحصول ثمرة فصل الصيف المفضلة، وانطلق مهرجان الإسماعيلية الجمعة 18 أغسطس/آب الجاري.
يقول حسين، ذو التسعة والعشرين عامًا، والذي يعمل في مزرعة والده القريبة من قناة السويس، للمنصة، "السنة اللى فاتت المحصول كان كويس جدًا، ما أقدرش أقارنه بالسنة دي خالص، الجو اتقلب حر في الشتا، وبعدها الزرع والمانجة الليى ما وقعتش من الريح اتحرقت من الشَرْد"، والتي تعني في عُرف المزارعين الحر الشديد المصحوب برطوبة عالية.
يشرح حسين تعديل طريقة التعامل مع مزرعة والده لتفادي الآثار السلبية للتغير المناخي، "حاول والدي التعامل مع الأصناف اللي اتضررت من درجات الحرارة المتغيرة، وبدأ في تطعيم الأشجار بأصناف جديدة أكثر قدرة على تحمل تقلبات الحرارة، واتخلص من الأشجار المصابة".
ماذا يفعل التغيّر المناخي؟
تأثرت مزارع المانجو بمدينة الإسماعيلية بالتغيرات المناخية التي شهدتها المواسم الزراعية الأخيرة، بين موجات صقيع شديدة في الربيع، وموجات ارتفاع بدرجات الحرارة في شهور الشتاء، حسبما يقول حسين، غيرت من مواعيد تقليم وتطعيم الأشجار المعتادة.
وفرة إنتاج محصول العام الماضي، شجع ديوان محافظة الإسماعيلية، على إقامة مهرجان احتفالي بالمانجو، وبحسب المكتب الإعلامي لمحافظة الإسماعيلية، تُسهم المحافظة بثلث إنتاج المانجو في مصر، بمساحة مزروعة تزيد عن 88 ألف فدان، ينتج فيها الفدان الواحد بين 3 إلى 4 أطنان من الأصناف المحلية الشهيرة مثل السكري والعويس والزبدية وتيمور، ومن 6 إلى 8 أطنان من الأصناف الأجنبية والمستحدثة.
وبحسب إحصائيات مديرية الزراعة بالإسماعيلية، صدّرت المحافظة خلال السنوات الثلاث الماضية فاكهة المانجو إلى جانب محاصيل زراعية أخرى بقيمة وصلت إلى 1.4 مليار دولار، ويساهم محصول المانجو في دعم الاقتصاد المصري عن طريق التصدير، ووفق إحصائية رسمية، صادرة عن الإدارة المركزية للحجر الزراعي بوزارة الزراعة،اطلعنا على نسخة منها، فإن مصر صدَّرت نحو 40 ألف طن خلال 2020.
لكن محصول المانجو لعام 2023 شهد انخفاضًا في إنتاجية الأشجار بسبب تقلبات جوية حادة، بدأت بموجة حارة في فصل الشتاء وموجة باردة في الربيع، تبعها عاصفة ترابية وموجة حارة.
ويبرر أسامة فهمي، رئيس شعبة المطاعم بالغرفة التجارية بالإسماعيلية وعضو اللجنة التنسيقية لمهرجان المانجو، إن الإصرار على تنظيم المهرجان للعام التالي على التوالي، رغم مؤشرات إنتاج الموسم الضعيفة، هو احتفاء بالموسم ذاته.
أهداف أخرى للمهرجان
يشرح فهمي للمنصة أن الاحتفاء بموسم المانجو لا يستهدف البيع فقط، وإنما تنشيط للسياحة، عبر حضور سفراء دول أجنبية، وتنظيم كرنفالات شعبية وملتقى لمزارعي ومصدري المحاصيل من مصر كلها. ويضيف "من أهداف المهرجان الموسم ده، تسجيل مانجة الإسماعيلية كعلامة تجارية، بتوحيد عبوات التغليف، مع احتفاظ صاحب المزرعة باسمه".
يوضّح فهمي أن مسألة العلامة التجارية طرأت له عندما زار متاجر كبرى في مدن مصرية تعرض المانجو وتوضح أماكن زراعتها مع فارق الأسعار، لذا فكّر في علامة تجارية تُميز "مانجتنا"، وهو ما بدأ فيه فعليًا عن طريق تحديد نطاق زراعات المانجو بالمحافظة، وتحديد خصائصها، لاختلاف التربة وجودة الثمار.
يؤيد علي العكرمي، أحد منسقي مهرجان المانجو، فكرة الاحتفاء السنوي بالموسم، بغض النظر عن حجم الإنتاج، ويقول للمنصة "في المهرجان اللي فات بعنا 80 طن خلال يومين، وفي معارض بيع استمرت شهر بعد المهرجان، لكن الوضع استثنائي السنة دي، بسبب قلة الإنتاج، واحتمالية ارتفاع اﻷسعار".
يُشير حسين، وهو يرتب ثمارًا اكتمل نضجها داخل صندوق ورقي لتجهيزه للسوق، إلى أن المهرجان ساهم في جذب زوار جدد للمدينة، لكن معظم المزارعين يفضلون التعامل في بيع محصولهم بطرقهم المعتادة دون المشاركة في معارض المهرجان. ويرجع ذلك، العام الحالي، إلى انخفاض الإنتاج وزيادة الأسعار. "مفيش مُزارع يقدر يبيع بسعر مخفض زي ما بيشترط المهرجان"، بحسب قوله.
يصل طول الأشجار إلى 15 مترًا، مما يعيق تنظيفها من الحشرات التي تُصيب المحصول بالأمراض
يقارن العكرمي إنتاج أشجار مزرعته، مشيرًا إلى أنه قلّ بنسبة 40% عن العام الماضي. ويرجع سبب الأزمة لتوقيت العاصفة الترابية، "في أول بداية عقد المانجو وهي بداية تكوين الثمار، ومع الريح وقعت الثمار قبل ما تستوي، ودي مرحلة لا يمكن التعامل فيها مع الثمار بالكمر"، يقول علي، ويعني بنظام "الكمر" تغطية الثمار الخضراء بأغطية ثقيلة لتنضج وتصل للون الأصفر.
إلى جانب ذلك، يبدو أن الأصناف المحلية المعروفة في الإسماعيلية مثل العويس والسكري، سيقل إنتاجها، كما يرجح العكرمي، نتيجة تلك التغيّرات المناخية، فيما تزدهر أصناف أجنبية لقدرتها على تحمل موجات البرودة والحرارة، "في أرضي أكثر شجر أنتج هو الناعومي، لأنه شجر قزمي قصير أقل من 3 متر، ما اتأثرتش بالريح زي شجر السكري والعويسي اللي طوله أكتر من 10 متر".
ويضيف العكرمي أنه بدأ فعلًا بنظام تدوير الأشجار على امتداد خمس أعوام، بحيث يزرع شجرة جديدة بنوع جديد من المانجو بين أربعة أشجار كبيرة الحجم، وفي كل عام يستبدل شجرة بالتطعيم بصنف مختلف، ولكنه يرى أن هذا التدوير قد يؤدي إلى اختفاء أنواع محلية شهيرة بالإسماعيلية مثل العويس، وهي أحد أكثر الأنواع تأثرًا بما يطرأ على المناخ من تغيّرات.
العفن الهبابي
مزرعة حسين كانت تحت إشراف جده منذ الستينيات، لذلك تجد فيها أشجارًا يصل طولها إلى 15 مترًا، وهو ارتفاع يصعب التعامل معه لتنظيف الأشجار من الحشرات التي تصيب المحصول بالأمراض، "تخلصنا من الشجر المصاب وبدلناه بجديد"، يقول حسين.
حين يتحدث المزارعون عن الإصابة فإنهم في كثير من الأحيان يعنون بذلك مرض العفن الهبابي، لأن بقية الأمراض مثل المن الدقيقي والديدان يمكن التعامل معها، ولكن العفن ينتشر بطريقة أكبر.
فيقول محمد عادل مثلًا، وهو مزارع بقرية الفردان للمنصة "ما تزال أشجارنا في مرحلة التعافي من أثار السنوات الماضية حين أصيبت الأشجار بالعفن الهبابي، إلى جانب ما حدث من تقلبات في الجو، هذا الموسم كان صعبًا بكل المقاييس، فقدنا 30% من الأشجار التي اقتلعتها الرياح".
ويؤكد أيمن محمد، مدير إحدى الشركات المختصة بتقديم الاستشارات الزراعية، ما يقوله المزارعون، فرحلة تعافي محصول المانجو العام الماضي تراجعت بشدة نتيجة تقلب الجو. ويقول للمنصة "لا نستطيع لوم انتشار العفن الهبابي وحده على إنتاج الأعوام السابقة لأنه صُنف كمرض وبائي منذ عشر سنوات تقريبًا، ولا يمكن حصر تأثيره السلبي في عام واحد فقط".
يشرح أيمن إمكانية تعافي أشجار المانجو وزيادة الإنتاج بطريقة تعامل المزارعين مع الأشجار، وحاجتهم إلى تتبع حالة الجو وتغيير نظام التعامل مع المَزارع وتوقيتات التقليم وضبط إجراءات العناية مع موجات الحرارة والصقيع التي تتغير توقيتاتها بسبب التغير المناخي.
وقال إن أحد الحلول هو إجراء دراسة لإعادة توزيع زراعة الأصناف، فـ"بإمكاننا مثلًا زراعة نوعي المانجو، السكري والعويس، بشكل مكثف في صعيد مصر، نظرًا لكون عملية الإكثار الزهري عندهما تحدث في وقت مبكر، بخلاف زراعات الوجه البحري في محافظات الإسماعيلية والشرقية، كما تساعد درجات حرارة الصعيد المرتفعة على تقييد حركة الأمراض".
جلس حسين في ظل شجرة قبل أن يقول "موسم مانجه الإسماعيلية خلص في أراضي كتير قبل المهرجان، دي أول سنة من 10سنين أخلص جمع في نص أغسطس، في العادي بنفضل نجمع لحد نص شهر 9، السنة دي أرض أبويا وعمي طرحت 40% من العادي، على الله تتعوض الموسم اللي جاي".