في التاسع من أبريل/ نيسان 2016، أعلنت الحكومة المصرية توقيع عدة اتفاقيات مع نظيرتها السعودية، على هامش زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة، ليتبين أن إحداها خاصة بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وبموجبها تتنازل مصر عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.
حينها، وبعد ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمة متلفزة امتدت حوالي الساعتين خصص فيها بضعة دقائق لتبرير توقيع الاتفاقية مطالبًا الجميع بـ"محدش يتكلم في الموضوع دا تاني"؛ سارع محامون حقوقيون ومعهم عشرات المواطنين إلى اتخاذ إجراء قانوني ضد الاتفاقية، فكانت الدعوى القضائية التي انتهت- حتى الآن- لصالح معارضي الاتفاقية بالحكم ببطلانها، والتي مثلت بداية مسارات قضائية متعددة، تواصلت على مدار ما يُناهز عامين.
وقضت المحكمة الإدارية العليا، منتصف يناير/ كانون ثان 2017، برفض طعن الحكومة المصرية ضد حكم بطلان الاتفاقية، وتأكيد مصرية الجزيرتين، على الرغم من قرار مفاجيء، استبقت به الحكومة كلمة القضاء، بإحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب ثم تصديق رئيس الجمهورية عليها، كخطوة أخيرة قبل إتمام تسليم الجزيرتين.
لكن جلسة جديدة بشان القضية اتعقدت 5 مارس/ آذار 2017، لنظر دعوى تقدم بها أحد المحامين يطالب فيه بإلغاء حكم "الإدارية العُليا" القاضي بمصرية الجزيرتين.
وبعد مرور شهور على الجولات القضائية ثم إقرار مجلس النواب لها ومن بعده تصديق الرئيس عليها، خرجت المحكمة الدستورية العُليا السبت 3 مارس/ آذار 2018، لتعلن بُطلان الأحكام القضائية الصادرة بشأن الصراع على الجزيرتين، لينضم حكمها إلى مسار قضائي مُعقد ومتشابك في قضية "صنافير وتيران"، شهدتها ساحات المحاكم المصرية، منذ أبريل/ نيسان 2016، وحتى الآن.
المسار الأول: دعوى بطلان اتفاقية "تيران وصنافير"
عقب توقيع الاتفاقية، تضامن عدد من المحامين الحقوقيين، بينهم "مالك عدلي، وخالد علي، وعلي أيوب، ومحمد سليمان وطارق العوضي"، في 10 أبريل/ نيسان 2016، في دعوى برقم 43866 لسنة 70 قضائية، أقاموها أمام محكمة القضاء الإداري، تطالب بإلغاء الاتفاقية، وما يترتب عليها من آثار.
وقضت محكمة القضاء الإداري، في جلستها المنعقدة في 21 يونيو/ حزيران 2016، بقبول الدعوى شكلاً، وبطلان الاتفاقية وما يترتب على توقيعها من آثار.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fkhaled.ali.72%2Fposts%2F863394893805870&width=500
المسار الثاني: طعن الحكومة على حكم بطلان الاتفاقية
فور صدور الحكم القضائي لصالح دعوى الحقوقيين ببطلان اتفاقية "صنافير وتيران"، تقدمت هيئة قضايا الدولة، بالوكالة عن "رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية، والداخلية" بصفتهم، طعنًا على حكم بطلان الاتفاقية.
وحمل الطعن رقم 74236 لسنة 62 قضائية، أمام المحكمة الإدارية العليا، بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ببطلان توقيع الاتفاقية، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا واحتياطيًا برفض الطعن.
وفي 16 يناير/ كانون أول 2017، قضت دائرة نظر الطعون بالمحكمة الإدارية العليا برفض طعن الحكومة، وتأييد حكم الدرجة الأولى بمصرية الجزيرتين.
المسار الثالث: رد هيئة المحكمة الإدارية العليا
وفي أولى جلسات نظر طعن الحكومة على حكم بطلان الاتفاقية، في 26 يونيو/ حزيران 2016، تقدم المحامي الحقوقي محمد سليمان، أحد مقيمي دعوى البطلان، بطلب لرد هيئة المحكمة، ما تسبب في وقف نظر الطعن، لحين الفصل في طلب الرد.
وقضت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا، في 27 أغسطس/ آب 2016، بقبول طلب رد هيئة المحكمة.
وانقضت هذه الدعوى بصدور قرار مجلس الدولة، في 24 سبتمبر/ أيلول 2016، بإحالة طعن الحكومة على حكم بطلان الاتفاقية، إلى الدائرة الأولى "فحص" بالمحكمة الإدارية العليا بتشكيلها الجديد، برئاسة المستشار أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة، وانتهت الدائرة لرفض طعن الحكومة وتثبيت مصرية الجزيرتين.
المسار الرابع: معركة الاستشكالات
تقدم مواطن يدعى خيري عبدالفتاح، في 8 أغسطس/ آب 2016، باستشكال أمام محكمة الأمور المستعجلة بعابدين، لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع الاتفاقية، حمل رقم 1863 لسنة 2016، وذلك "لانتفاء ولاية القضاء الإداري، وعدم اختصاصه بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة".
وردّ المحامي الحقوقي خالد علي، في اليوم نفسه، بتقديم استشكال عكسي، برقم 66 959، أمام الجهة نفسها، للاستمرار في تنفيذ الحكم.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fkhaled.ali.72%2Fposts%2F894220597389966&width=500وتقدمت الحكومة في، 15 أغسطس/ آب 2016، ممثلة في هيئة قضايا الدولة، باستشكال لوقف تنفيذ حكم بطلان الاتفاقية، يحمل رقم 68737 لسنة 70 قضائية. وفصلت محكمة الأمور المستعجلة في استشكال الحكومة بقبوله في 2 أبريل/ نيسان 2017، وقضت بأن حكم المحكمة الإدارية "منعدم" وانتصرت لطرح الحكومة بسعودية الجزيرتين.
وقضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، بمجلس الدولة، في 8 نوفمبر/ تشرين ثان 2016، بقبول استشكال خالد علي واستمرار تنفيذ الحكم، ورفض استشكال الحكومة، وتغريمها 800 جنيه.
لكن محكمة الأمور المستعجلة بعابدين قضت، في 29 سبتمبر/ أيلول 2016، بقبول استشكال المواطن"خيري عبد الفتاح"، ما يعني وقف تنفيذ حكم البطلان (عكس حكم القضاء الإداري). ورفضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، يوم 31 ديسمبر/ كانون أول المنقضي، استئنافًا قدمه محامون حقوقيون على قرار قبول الاستشكال ووقف تنفيذ حكم البطلان.
المسار الخامس: ضد الإحالة للبرلمان
تقدم عدد من المواطنين والمحامين الحقوقيين، 31 ديسمبر/ كانون أول 2016، بطعن ضد قرار الحكومة، الصادر الخميس الماضي، بإحالة الاتفاقية إلى البرلمان. وحددت محكمة القضاء الإداري، جلسة 7 فبراير/ شباط 2017، لنظر الدعوى، وجرى تأجيلها لجلسة 21 مارس/آذار 2017.
المسار السادس: الطعن ضد حكم مصرية الجزيرتين
وتنظر محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، في جلسة 5 مارس/ آذار 2017، دعوى تطالب بإسقاط أسباب حكم المحكمة الإدارية العليا، القاضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وبموجبه تنتقل جزيرتي "تيران وصنافير" للمملكة، واستمرار تنفيذ حكم الأمور المستعجلة بسريان الاتفاقية، والحكم بـ"سعودية الجزيرتين".
واستند مقيم الدعوى، المحامي أشرف فرحات، في إقامتها إلى حكم محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة بعابدين، الصادر في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2016، بتأييد حكم أول درجة من محكمة "الأمور المستعجلة"، القاضي بوقف تنفيذ حكم "مصرية تيران وصنافير" الصادر من القضاء الإداري، بعد رفض الاستئناف المقدم عليه.
المسار السابع: "الدستورية العُليا" تنسف أحكام الآخرين
في 3 مارس/ أذار 2018، وصلت قضية الجزيرتين إلى محطة ربما تكون الأخيرة، إذ قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم الاعتداد بأحكام القضاء الإداري ومحكمة الأمور المستعجلة، فيما يخص اتفاقية تيران وصنافير.
والمحكمة الدستورية العُليا هي أعلى جهة قضائية في البلاد، ولها القول الفصل فيما يتعلق بتنازع الأحكام القضائية، وهو ما كان واقعًا في حالة "تيران وصنافير".
وفي حيثيات حُكمها، قالت "الدستورية العُليا" إن إبرام الحكومة المصرية تلك الاتفاقية مع نظيرتها السعودية "يُعّد عملاً سياسيًا من الأعمال السياسية"، واعتبرت حكم المحكمة الإدارية العليا "خالف هذا المبدأ، ويعد عدوانًا على اختصاص السلطة التشريعية".