قدّرت منظمة "يونيسيف" عدد الأطفال الذين "اقتلعتهم النزاعات من جذورهم" بحوالي 50 مليون طفلاً، من مختلف دول العالم، كما أعلنت أن 87 مليون طفلاً دون سن السابعة، لم يعرفوا في حياتهم إلا الصراع.
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، أمس، نقلاً عن طبيب في مدينة حلب السورية، قوله إن عددًا كبيرًا من الأطفال، ربما يزيد عن المائة، محاصرون بمفردهم في مبنى يتعرض لقصف عنيف في شرق المدينة.
واجتاحت القوات النظامية السورية، بدعم روسي، في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء، الأحياء الشرقية من مدينة حلب، بعد حصارها لأسابيع، وذكرت هيئة الأمم المتحدة أن جنودها ارتكبوا أعمال عنف ضد المدنيين- بينهم نساء وأطفال- بجانب إعدام عشرات.
وفي اليوم نفسه، أعلنت المنظمة نفسها "يونيسيف" أن حوالي 35 ألف طفل، فروا من مدينة الموصل العراقية، منذ بدأ الجيش النظامي عملية موسعة لاستعادة المدينة من تنظيم "الدولة الإسلامية" في أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
في خضم الصراعات المُسلحة التي تشهدها المنطقة العربية، لم يعد للأطفال أي وضع تمييزي، وصارت رؤية طفل تطمر معالمه ركام منازل هدمتها الغارات، أو طفل غارق على سواحل دولة حاول أهله اللجوء إليها، مادة إخبارية معتادة.
تلاميذ سوريا
كانت آخر الاعتداءات المعلومة للرأي العام العالمي على أماكن تجمّع الأطفال السوريين، هي ما وقع في حلب أمس، وكشفت عنه "يونيسيف"، لكن للاعتداءات سوابق، كان منها ما وقع في 27 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حين تعرضت مدرسة حاس، بمدينة إدلب السورية، لقصف جوي أسقط ما لا يقل عن 35 قتيلاً، بينهم 22 طفلاً.
انطلق القصف، الذي تقاذفت القوى الدولية المتشاركة في سماء سوريا الاتهامات حياله، بعد أسبوع واحد فقط من بدء العام الدراسي هناك، والذي أطلقت بمناسبته "يونيسيف" تحذيرًا من أن أكثر من 1.7 مليون طفل خارج المدرسة، و1.3 مليون طفل آخرين معرّضون لخطر التّسرّب، بسبب تصاعد العنف وما ترتب عليه من نّزوح وتفاقم في معدلات الفقر، مؤكدة أن واحدة من كل 3 مدارس في سوريا أصبحت غير صالحة للاستخدام.
ومن رحم الأزمة السورية، ابتكر البعض حلولاً، لضمان حق الأطفال في التعليم، كان منها، ما أورده إحدى تقارير وكالة "رويترز"، عن لجوء معلمين إنشاء مدرسة في إحدى كهوف إدلب، حماية من الغارات، ولجوء آخرين إلى تخصيص بيت متنقل لجمع الأطفال وتعليمهم.
الأكثر تضررًا
في منتصف نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، تداول مرتادو موقعي فيسبوك وتويتر، فيديو لمقتل طفل وسحقه بدبابة على إيدي مجندين، قال عدد منهم إنه وقع خلال معركة تحرير الموصل، على يد قوات الحشد الشعبي الشيعية، بحق طفل "سُني".
وإذا كان التشكيك في هوية أو مذهب الطفل وقاتليه، وكذلك مكان الواقعة، أمرًا واردًا، إلا العراق، الذي يشهد منذ أوائل الألفية الحالية حروبًا وصراعات، ليس بحاجة إلى ذلك الفيديو، لإثبات المخاطر التي تحدق بحوالي 3.6 مليونًا من أطفاله، وفقًا لإحصائية صادرة عن "يونيسيف"، في 30 يونيو/ حزيران الماضي.
ويتعرض الأطفال العراقيون إلى مخاطر وانتهاكات، تتنوع وفقًا لتقرير المنظمة الأممية، بين "الموت، والإصابة، والعنف الجنسي، والتجنيد القسري في الاقتتال، والاختطاف".
وبحسب التقرير يحتاج 4,7 مليون طفل في العراق للمساعدات الانسانية- أي ثلث أطفال العراق- بينما تواجه الأسر تدهور في الظروف المعيشية عقب العمليات العسكرية الأخيرة في الفلوجة وحول الموصل.
وفيما يتعلق بمدينة الموصل، على وجه التحديد، أعلنت المنظمة الأممية في تقرير آخر لها، صدر مطلع الشهر الجاري، أنه منذ بدء العمليات العسكرية لتحريرها، قبل نحو 3 أسابيع، نزح منها حوالي 9 آلاف و700 طفل، صاروا في أمسّ الحاجة للمساعدات، لاسيما وأن بينهم مَن لم يتلقى اللقاحات الضرورية منذ عامين.
وقبل العمليات في الموصل، تعرض أطفال عراقيون، خلال عملية مماثلة سابقة لتحرير مدينة الفلوجة، في يونيو/ حزيران الماضي، إلى أعمال عنف على يد "الدولة الإسلامية"، بعد محاولة أسرهم الفرار.
وربما كان ما عاشه أطفال البلد، منذ وقت الحرب "الأنجلو- أمريكية"، هو ما دفع الجيش العراقي للتحايل عليهم، خلال عمليات تحرير المدن من تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومطالبته العائلات- عبر منشورات رسمية- بإقناع صغارها بأن أصوات الانفجارات "مجرد لعبة أو صوت الرعد قبل سقوط الأمطار".
بعيدًا عن الأضرار النفسية، أكدت دورية "جاما سيرجيري" العلمية، في تقرير حديث لها، أن أطفال العراق، ومنذ عام 2003، هم أكثر المتضررين من الحروب، مقارنة بأقرانهم في الدول الأخرى، وقدرت نسبة من أصيب منهم خلال الحروب، بواقع واحد بين كل ستة أطفال، يعيش بعضهم بعاهات مستديمة.
كوليرا اليمن
قد لا يتوقف تضرر الأطفال من النزاعات، عند الاضطرار للنزوح والعيش في المخيمات، أو الإصابة بقذيفة، أو حتى التجنيد كمقاتلين، فالآثار قد تذهب إلى أبعد من ذلك، مثلما وقع في اليمن.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، تفشي وباء الكوليرا بين أطفال اليمن، بعد تسجيل حالات في العاصمة صنعاء، نتيجة تدني مستوى الرعاية الصحية، والافتقار إلى مياه الشرب النظيفة، بجانب معاناة موازية يلقاها الأطفال، وتتمثل في سوء التغذية، الذي قد يصل حد المجاعة.
وحذر أحد العاملين بمنظمة "أطباء بلا حدود"، في مارس/ آذار الماضي، من تردي الأوضاع الصحية في البلاد، وخصّ بالذكر سوء التغذية والأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، ووصف مسائل الصحة النفسية بأنها "مهملة تمامًا".
وكانت هذه المنظمة الطبية الدولية، هي من تصدى للحديث عن غارة جوية شنتها قوات التحالف العسكري لمحاربة الحوثيين- بقيادة السعودية- والتي استهدفت مدرسة بمدينة تعز، في يناير/ كانون ثان الماضي، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 10 تلاميذ وإصابة 3 آخرين، وهي الواقعة التي طالبت الأمم المتحدة بالتحقيق فيها.
ودعت "يونسيف"، مطلع العام الدراسي في اليمن، الشهر الماضي، إلى توفير الحماية للأطفال، الذين تعذر على 350 ألفًا منهم الإلتحاق بالدراسة في العام الماضي، بسبب استمرار العنف وإغلاق المدارس- 2.108 مدرسة غير صالحة للاستخدام- ليصبح إجمالي عدد المتسربين من التعليم أكثر من 2 مليون طفل يمني.
وبينما حذرت الأمم المتحدة من تجنيد ألفًا و120 طفلاً، منذ تصاعد الصراع اليمني في 2015، أكد "يونيسف" أن أكثر من 1.560 حالة من الانتهاكات الجسيمة، ارتكبت ضد الأطفال في اليمن، بعد مرور ما يناهز عامين من صراع لم تكتب له نهاية حتى الآن.