جاء قرار وقف صرف راتب الدكتورة ليلى سويف، أستاذة الرياضيات البحتة في جامعة القاهرة، ووالدة المبرمج والناشط السياسي المصري البريطاني علاء عبد الفتاح، على خلفية سفرها إلى بريطانيا دون الحصول على "إذن" من إدارة الجامعة، ليجدد الجدل حول استقلالية العمل الأكاديمي وتدخلات الأمن فيه.
وقالت سويف في تصريحات إلى المنصة اليوم الاثنين، إن أزمة راتب شهر فبراير/شباط الذي أوقفته الجامعة "رايحة ناحية التسوية" باحتساب أيام سفرها كإجازة بدون راتب، ولكنها في الوقت نفسه حمّلت إدارة الكلية مسؤولية الأزمة بسبب "إصرارها إنها متردش على طلبات سفر الأساتذة قبل ما تستطلع رأي الجهات الأمنية".
وكانت سويف، وهي إحدى مؤسسات مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، سافرت إلى بريطانيا في فبراير/شباط الماضي، لقضاء إجازة نصف السنة الدراسية مع ابنتها منى. وخلال هذه الزيارة، التقت مسؤولين في الحكومة البريطانية، لمطالبتهم بمواصلة الضغط من أجل الإفراج عن علاء.
وعند عودتها قبل بدء الفصل الدراسي الثاني "لقيت السيد عميد الكلية باعتلي جواب بيقول إنى سافرت من غير إذن ولازم أرجع فورًا"، حسبما قالت في بوست كتبته على فيسبوك، أشارت فيه إلى إنها أخطرت الكلية بموعد سفرها، كما أبلغت بعودتها، لكن "في نهاية شهر فبراير رحت البنك مالقيتش مرتبي".
وتتابع "سألت الادارة المختصة فعرفت إن مرتبي موقوف بأمر من العميد. صبرت شوية قلت يمكن الموضوع يحل نفسه، أو على الأقل سيادته يبعت لي حاجة رسمي أرد عليها، خصوصًا إني باشتغل وبادرس عادي".
بين "التأجيل" و"الوقف"
من جهته، يتمسك عميد كلية العلوم الدكتور أحمد الشريف بتوصيف سفر سويف دون إذن كـ"مخالفة"، موضحًا في تصريحات إلى المنصة أنها "لم تحصل على إذن للسفر خارج البلاد وهو ما يخالف قانون تنظيم الجامعات". وأضاف أن "ما تناولته حول حصولها على إجازة نصف العام ليس له وجود بالقانون. هي إجازة طلابية فقط وليس إجازة لأعضاء هيئة تدريس".
وحدَّد قانون تنظيم الجامعات مواعيد وضوابط الإجازات السنوية لأعضاء هيئة التدريس، حيث تبدأ مع نهاية أعمال امتحانات نهاية العام الجامعي في كلياتهم أو معاهدهم، وتنتهي قبل بدء الدراسة في العام الجامعي الجديد وفقًا لما يقرره مجلس الجامعة.
وأضاف العميد أنه في "إجازة نصف العام يتم تحضير الجداول الدراسية للترم الثاني، وأيضًا إعداد البرامج الدراسية الجديدة. العمل مستمر في إجازة نصف العام وعليها أعباء دراسية داخل القسم ولم تخطر أحدًا بغيابها أو سفرها كما قالت، والكلية والجامعة قانونًا لهما الحق معرفة ذلك، والموضوع الآن في يد إدارة الجامعة بعد إرسال التفاصيل الكاملة من الكلية إلى الإدارة وموقف الدكتورة ليلى".
لكنَّ سويف أوضحت للمنصة "أنا كتبت جواب لرئيس القسم 25 يناير (كانون الثاني) أبلغه فيه إن أنا ناوية أسافر في 30 يناير وأرجع 10 فبراير "، وتابعت أن "رئيس القسم أحاله للعميد في نفس اليوم".
وأكدت "أنا بلغت مش ما بلغتش، أنا بس ما انتظرتش فعلًا يبلغوني إنهم موافقين، هذه حقيقة". وتابعت "أنا افترضت إنهم موافقين، وتعاملت بالإجراءات اللي بعمل بيها من 45 سنة، خصوصًا إني أوضحت إني انتهيت من أعمال التصحيح بتاعتي".
ويُسمّي العميد عدم صرف راتب سويف لشهر فبراير/شباط الماضي، "تأجيلًا" وليس "وقفًا"، موضحًا أن "وقف الراتب حديث ليس له محل من الصحة، هو تأجل حتى نحقق في غيابها 11 يومًا دون إخطار".
ولكنَّ عضوًا في المجلس الأعلى للجامعات أكد للمنصة أن هذا الإجراء ليس قانونيًا "ليس من حق العميد تأجيل أو وقف أي راتب"، وذلك سواء ارتكب أستاذ مخالفة أو لا.
ولا تتيح لائحة تنظيم الجامعات وقف صرف راتب الأستاذ الجامعي حال ارتكابه مخالفة أو تغيب دون عذر، بل تنص على أنه حال ارتكب عضو هيئة التدريس مخالفة أحيل إثرها إلى التحقيق من الممكن وقفه عن العمل مدة لا تتجاوز 3 شهور حال كان ذلك في مصلحة التحقيق، على أن يتم وقف صرف ربع راتبه ما لم يرى مجلس التحقيق صرف راتبه كاملًا.
وتابع عضو المجلس الأعلى للجامعات الذي طلب عدم ذكر اسمه "لحين التحقيق، ممكن العميد يوقف بدل جامعة أو حافز جودة أو ساعات مكتبية، وليس هو اللي بيقرر المنع، ده رئيس القسم هو اللي بيبعت للعميد عشان يعرفه أن عضو هيئة التدريس مكملش نصابة (حصته) القانوني في الجدول وبالتالي ميستحقش الساعات المكتبية أو انتدب أو اشتغل أكثر من يومين خارج الكلية وبالتالي خالف نص قانون صرف بدل الجامعة، أو رفض المشاركة في أعمال الجودة ولا يستحق حافزها".
موافقة أمنية "غير قانونية"
ومع تأكيد سويف أن استطلاع رأي الجهات الأمنية في سفر أساتذة الجامعات هو سبب أزمتها الأخيرة، تؤكد أنه إجراء "أنا شايفاه غلط وشايفاه اعتداء على استقلال الجامعة. وأنا مش حابَّة الانصياع له".
"فيه سفرية في 2019 لما رجعت قالولي ورقك ناقص الموافقة الأمنية قلت لهم ما بملاش استمارات فسكتوا"
وأشارت إلى أن الأساتذة الراغبين في السفر يضطرون لملء استمارات مع طلبات السفر، توجه للجهات الأمنية، مؤكدة "أنا معرفش مضمونها ايه، عمري ما مليتها، أظن أن الإدارات السابقة في الكلية كانت بتملاها بالنيابة عني ويرسلوها للأمن من سكات عشان ما يعملوش مشكلة معايا".
ولفتت إلى أن ظاهرة ملء الاستمارات سعيًا وراء الموافقة الأمنية توسعت تدريجيًا "في الأول كان بيطبق على سفر الأساتذة للمؤتمرات العلمية، وبعدين توسع ليشمل الإجازات الخاصة للأساتذة" وتابعت "العمل بيها في الإجازات الخاصة كان بعد 2019".
وأشارت سويف إلى أنها "سافرت في 2018 إجازة خاصة صغيرة وماطلبوش مني موافقات أمنية، وفيه سفرية في 2019 لما رجعت قالولي ورقك ناقص الموافقة الأمنية قلت لهم ما بملاش استمارات فسكتوا".
ولكنَّ مسؤولًا في المجلس الأعلى للجامعات طلب عدم ذكر اسمه، أخبر المنصة أن هذه الاستمارات معمول بها منذ العام 2015. غير أنه قال "إدارة الجامعة هي من تخاطب الجهات الأمنية بشأن تقديم عضو هيئة التدريس طلب السفر للخارج وليس الأستاذ الجامعي"، لافتًا إلى أن وزارة التعليم العالي شددت على ذلك منذ عام 2015.
وفيما يخص الموافقة على مشاركتها في المؤتمرات العلمية، قالت "ما اصطدمتش بالأمن خالص، أنا من 2011 ما شاركتش في مؤتمر علمي".
وبررت "انشغلت مع علاء والطلاب وكبرت وبقيت بالكاد أسدّ على الشغل الداخلي من تدريس وإشراف على رسائل علمية". وإن كانت هي لم تصدم لقلة سفرها، فغيرها يصدم، بحسب شهادتها. وأكدت "زمايل كتير جدًا اتعرضوا ليها ورافعين قضايا، وفيه منهم اضطر للعودة خلال مشاركته في مهام علمية".
وسبق وانتقدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في ورقة بحثية صدرت في يونيو/حزيران 2019، التضييق على سفر أساتذة الجامعات واشتراط الموافقة الأمنية، حتى لمشاركتهم في مؤتمرات علمية، بما يقوض البحث العلمي.
علاء عبد الفتاح
في السادس من فبراير، أرسل عميد الكلية إيميلًا إلى سويف بإعادة توجيه إيميل من العميد مضمونه "إني أرجع فورًا، رديت على الإيميل لما رجعت مصر يوم 9 فبراير بنسخة موجهة لرئيس القسم والعميد أنا رجعت فعلًا، وهتواجد في الكلية من أول يوم في الترم"، وفق حديث سويف.
كان هذا اليوم هو نفسه اليوم الذي التقت فيه سويف وابنتها منى بوزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، ووزير الخارجية لشؤون إفريقيا وجنوب ووسط آسيا والكومنولث والأمم المتحدة اللورد طارق أحمد، بناء على طلبهما، لمناقشة موقف بريطانيا من قضية علاء عبد الفتاح، بحسب تصريحاتها إلى المنصة، عقب عودتها إلى مصر.
لكن العميد نفى أي صلة بين الأمرين، قائلًا إن "الكلية لا تفرق بين عضو هيئة تدريس وآخر، ولا تستهدف شخصًا معينًا، والقرار ليست له أية خلفيات بعكس ما يتم تداوله على السوشيال ميديا"، مؤكدًا أن "التعامل يكون وفقًا للقانون، والدكتورة ليلى خالفت القانون، وهو ما يتنافى أيضًا مع قرار وزير التعليم العالي، الذي خاطب الجامعات بأنه حال سفر أستاذ أو طالب لابد أن يكون للوزارة علم قبل ذلك بشهرين وهو ما لم يحدث من الدكتورة ليلى سويف".وكان رئيس القسم
أما سويف، فقالت ردًا على سؤال بشأن توقعاتها بشأن الصلة بين الحدثين، إن "توقعي ما يخصش حد، أنا ليا اللي اتقال لي".
ومنذ القبض على علاء عبد الفتاح سلكت سويف كافة السبل للمطالبة بالإفراج عن نجلها. وكانت الأسرة المكونة من الأم وابنتيها منى وسناء، نجحت في منح قضية علاء طابع دولي، بحصوله على الجنسية البريطانية، ثم لفت الانتباه في مؤتمر المناخ الذي أقيم في مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وألقى القبض على علاء في 2019 بتهمة "نشر أخبار كاذبة، والانتماء إلى جماعة محظورة"، وقضت محكمة استثنائية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسجنه خمس سنوات، بعد أن أدانته بـ “نشر أخبار كاذبة تقوض الأمن القومي“، على خلفية إعادة نشر بوست على فيسبوك يتحدث عن مزاعم تعذيب، عام 2019.
وحصل علاء على الجنسية البريطانية في أبريل/ نيسان من العام 2022، ثم دخل في إضراب جزئي عن الطعام لعدم تمكن محاميه من زيارته ومنع الزيارات عنه في الشهر نفسه، ثم صعده إلى إضراب كلي بعد أكثر من 200 يوم من الإضراب الجزئي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالتزامن مع قمة المناخ، قبل أن يعلن فضه لاحقًا.