IMDB- برخصة المشاع الإبداعي
مشهد من فيلم "Everything Everywhere All at Once"

عن الذي أصبحت تدعمه هوليود

منشور الخميس 27 أبريل 2023

بعد فترة وجيزة من الإعلان عن جوائز الأوسكار، تساءلتُ ما الذي يمكن قوله عن صناعة تأتي في خمس سنوات متتالية، بالقائمة التالية للفائزين بأوسكار أفضل فيلم "كتاب أخضر"، "طفيلي"، "نومادلاند"، "كودا"، ثم "كل شيء في كل مكان.."؟ عام بعد آخر، ندرك بشكل متزايد أن الإجابة على ذلك السؤال هي "ليس الكثير".

يبقى المشترك الأكبر بين فيلم مثل "كل شيء في كل مكان.." الذي حصد أغلب جوائز الأوسكار هذا العام  وغيره من الأفلام المتوّجة في السنوات القلية الماضية هو غياب المحفظة الإنتاجية الضخمة. الفيلم من إنتاج ستديو A24 -نجم جديد في سماء هوليوود- بميزانية لا تزيد عن ربع ما يحتاجه فيلم من نوعية "توب جان: مافريك" و"أفاتار: طريق الماء"، وكلاهما نافساه في فئة أفضل فيلم، وبالكاد تمكّنا من الفوز بتمثال صغير في المؤثرات الصوتية والخاصة، على الترتيب.

ليس من قبيل المصادفة أن توم كروز (بطل الفيلم الأول) وجيمس كاميرون (مخرج الفيلم الثاني)، وهما اسمان كبيران في الصناعة، غابا عن الحفل. لم تعط استطلاعات الرأي ولا مكاتب المراهنات فرصة لأفلامهما وعلى الأغلب أنهما أخذا في الاعتبار (بعيدًا من مسألة التقدير المفرط للذات، وهو أمر وارد أيضًا) أن الانتصار المتوقع لـ"كل شيء في كل مكان.." سيكون إهانة لمفهومهما عن السينما، والممتد بجذوره إلى هوليوود القديمة.

في المقابل، جلس ستيفن سبيلبرج، الأكثر تواضعًا وخبرة، حيثما جاء موضع جلوسه، في أحد الصفوف الأولى، يراقب الرفض الإغريقي لفيلمه "آل فابلمان"، أكثر أعماله شخصية وحميمية، الذي حصل على 7 ترشيحات لم يترجمها إلى أي جوائز. من الصعب تقييم المعايير التي يختارها ما يقرب من 10 آلاف مصوِّت يشكّلون أعضاء أكاديمية هوليوود حاليًا، لكن رسالة الحفل كانت واضحة: الأسماء الكبيرة المعتادة لم يعد لها وزن في نظر الناخبين كما كانت في السابق.​


الآن يكافئون ويبحثون عن الحداثة (الأكوان المتعددة)، والتنوّع (هذا العام كانت دورة مكافأة "الأمريكيين الآسيويين"، مثلما خُصّصت دورة سابقة للأمريكيين من أصل أفريقي، وفي العام الماضي كانت من نصيب ضعاف السمع وذوي القدرات الخاصة)، وأيضًا الميزانيات المحدودة نسبيًا والأفلام الصغيرة، تلك التي تسمح في أوقات الأزمات الاقتصادية بانتعاشٍ سريع وآمن للاستثمار.

ليس صدفة أن مقدّم حفلة جوائز أوسكار، الفنان جيمي كيميل، سخر أكثر من مرة من الـ100 مليون دولار التي كلّفها إنتاج فيلم "بابيلون" للمخرج داميان شازيل، أحد أكبر إخفاقات موسم 2022. الآن لا يسعنا سوى الانتظار لنرى ما "الأكوان المتعددة" الجديدة التي ستثير اهتمام أكاديمية هوليوود في العام المقبل.

لكن من هما الدانيلز أصلًا؟

قد يعتقد البعض أن المفاجأة الكبرى في ليلة الأوسكار كانت العدد الهائل من التماثيل التي انتهى بها المطاف من نصيب "كل شيء في كل مكان..". لكن لا: الحدس والشكوك والرهانات، تقريبًا دون استثناء، أشارت إلى فيلم الدانيلز باعتباره الفائز الأكثر رجحانًا في الأمسية المرتقبة. إنجازٌ كبير لاثنين من صانعي الأفلام يأخذان للتو الخطوات الأولى في مهنة صناعة السينما في وطنهما، الولايات المتحدة. كذلك هو إنجاز لافت بالنسبة لقصة خيالية متعددة الأنواع والألوان لا تتماشى بداهة مع الأعمال الدرامية التي يفضّلها عادة مصوّتو أكاديمية هوليوود.

 تبدأ جميع السير الذاتية المتاحة عن المخرجين من لحظة تعارفهما. كلاهما وُلد في العام ذاته (1988)، لكن لقاؤهما الأول سيأتي في الجامعة. كوان، الذي نشأ في ماساتشوستس ابن لعائلة مهاجرة من أصل صيني، التقى شاينرت، الابن الضال لمدينة برمنجهام بولاية ألاباما، أثناء دراستهما للسينما في كلية إيمرسون في بوسطن.

تخرَّج كوان في العام 2010 وتخرّج شينرت في العام 2009. بعد فيلمي تخرّج قصيرين، بدآ حياتهما المهنية منذ ما يزيد قليلا عن عقد من الزمان كمخرجين لمقاطع فيديو موسيقية، حيث إنجزا العروض الترويجية لفرق مثل Tenacious D وFoster the People وThe Shins. من بين أعمالهما في نهاية تلك الفترة الفيديو الموسيقي لأغنية Houdini لفرقةFoster the People، والأغنية المنفردة Turn Down for What للفنانين DJ Snake وLil Jon؛ وكلا العملان أكسب الثنائي ترشيحًا لجوائز جرامي الموسيقية في عامي 2012 و2013 على التوالي.

كليب أغنية "Turn Down for What"


ثم غامرا منذ ذلك الحين في مجال السينما، بعد تشاركهما في العام 2016 في كتابة وإخراج فيلم الكوميديا "رجل الجيش السويسري"، وهو قصة غريبة عن رجل (يلعب دوره بول دانو) يصادق ويحمي جثة حيّة (يؤدي دورها دانييل رادكليف)، في موقعٍ تحتله جزيرة مهجورة تمامًا.

تتنافس رائحة الرجل الميّت المتكلّم مع الصوت العالي لضراطه، الذي يصاحب الموسيقى التصويرية من البداية إلى النهاية، في فيلمٍ غير مصنّف، تلقّى، بعد عرضه الأول في مهرجان صندانس السينمائي، نعوتًا وصفته بالفيلم "الغريب" و"المجنون"، فضلًا عن انسحاب بعض جمهور العرض الأول للفيلم. رغم ذلك حصل الفيلم على تقييمات إيجابية، بالإضافة إلى فوز الثنائي بجائزة الإخراج في مهرجان صندانس.

بعد ثلاث سنوات، تسلّل دانيال شاينرت من الشراكة الثنائية ووقّع بمفرده على فيلم روائي طويل بعنوان "موت ديك لونج"، (لم يُعرض خارج الولايات المتحدة تقريبًا)، الذي يركّز على حادثة وفاة شابّ ومحاولات صديقيه المقرّبين للتغطية على الأسباب الحقيقة لوفاته. مرة أخرى، هنا كوميديا مغايرة غريبة الأطوار ومليئة بالانعطافات الدرامية، لا تصل، رغم ذلك، إلى مستويات الغرابة في أول أعمال الثنائي، بما يتجاوز اللعب على الكلمات في العنوان (الذي سيصير حينها "قضيب طويل ميّت").

وفي الأثناء أيضًا، شارك الثنائي (معًا أو منفردين) في إخراج أعمال تلفزيونية مثل مسلسل "أكوافينا هي نورا من كوينز" والمسلسل الكوميدي الرائع "أن تكون إلهًا في فلوريدا"، من بطولة كيرستن دانست.

وفي تلك السنوات أيضًا، أعلن الثنائي في العام 2017 أنهما سيكتبان ويخرجان وينتجان فيلم خيال علمي، مع شريكهما المنتج جوناثان وانج والأخوين روسو. الاستعداد لتجهيزات الإنتاج وتصوير فيلمهما القادم، الذي حمل عنوان "كل شيء في كل مكان في وقت واحد"، شغلهما عن متابعة بعض المشاريع الأخرى المحتملة.

في فيلمهما الأخير، الذي يمكن لقصة صعوده إلى النجومية منذ إطلاقه في مهرجان الجنوب الغربي السينمائي SXSW قبل عامٍ بالضبط أن تعادل قصة سندريلا، أطلق الثنائي نسختهما الخاصة من الكون المتعدد المألوف، بطاقم تمثيلي متعدد الأعراق (بطلة ماليزية يساندها ممثل فيتنامي وأخرى صينية أمريكية) ليحصدا في الأخير جائزة أوسكار الأهمّ وحفنة أخرى لأبطالهما الذين يمثّل كل واحد منهم قصّة تحبّها هوليوود كثيرًا، ليس أقلّها تحقّق الحلم الأمريكي لاثنين من أصل آسيوي وصلا إلى الولايات المتحدة على قوارب الهجرة.

التتويج الكبير للفيلم كان الذروة المحدَّدة لأمسية إحيائية مقدّمة برعاية هوليوود، تعيد التذكير بالعديد من الممثلين الذين بدت حياتهم المهنية قد انتهت فجأة، لينتهي بهم المطاف حاملين تمثالًا ذهبيًا في أيديهم. من الممثل الصبي الذي ظهر في الثمانينيات في فيلم جماهيري لسيد السينما الهوليوودية الجماهيرية ستيفن سبيلبرج، ليختفي بعدها 30 سنة، قبل أن يعود في حفلة الاثنين ليحمل تمثالًا ذهبيًا. إلى نجمة أفلام الأكشن الآسيوية في الثمانينيات إلى جوار جاكي شان، التي تعود الآن في الستينيات من عمرها، لتحصل أخيرًا على التقدير من هوليوود، وبدورٍ كان سيذهب تلقائيا إلى شريكها السابق في ذلك الزمان.

لكن الزمن تغيّر، وهوليوود تريد تأكيد مواكبتها ذلك التغيير، حتى وإن ذهبت عطاياها التكريمية في اتجاه خاطئ أو ابتعدت عن المعايير الفنية في توزيعها. جمعينا نعرف مدى ضبابية إجراءات ومسارات تلك المسائل المتعلّقة بالتصويت والاختيار والفلترة والترشيح. المهمّ أن يبقى ذلك الكيان الجامع للصناعة والضامن لحمل شعلة قيمها وما تمثّله ككعبة لبيزنس الترفيه الجماهيرى الأكثر تأثيرًا ونفوذًا على المستوى العالمي.

بالنسبة إلى الدانيلز، كانت حفل الأوسكار شيئًا سيُذكر بالتأكيد في المستقبل باعتباره علامة فارقة في قادم مسيرتهما، حيث بدآ للتو الانغماس الحقيقي في المشاريع المستقبلية الكبيرة للشاشتين الكبيرة والصغيرة.

الأوسكار تجلب لصاحبها الهيبة و"البرستيج"؛ أي أنها مغناطيس أموال جاهز للاستثمار في مشاريع جديدة. وها نحن نشهد ترسًا جديدًا (أو ترسين بالأحرى) يدخل إلى الماكينة التي لا تهدأ ولا تكفّ عن الدوران.