"نحن نعيش ونعمل في مؤسسات مكرسة كليًا لدعم الإنسان الأبيض، بينما تؤصل لكراهية صريحة تجاه النساء خاصة ذوات البشرة السوداء". بذلك التصريح، عبرت المخرجة تشينوني تشوكو عبر حسابها على انستجرام عن استيائها الشديد تجاه سياسات الأوسكار، التي أغفلت اختيار فيلمها الأحدث "تيل" لضمه لقوائم ترشيحاته رغم ترشحه لجوائز البافتا.
قد يبدو تصريح تشوكو كما لو أنه يوجب على اللجنة ترشيح فيلمها، رغم ذلك كان كفيلًا لإعادة الجدل من جديد حول "بياض الأوسكار". فبينما تعيد هوليود إنتاج صورتها في السنوات الأخيرة كصناعة سينمائية تقدمية ومتحررة ثقافيًا، يحدث في كل عام تقريبًا، أن تأتي ترشيحات الجائزة السينمائية المرموقة لتبدد تلك الصورة، من حيث موقفها من الأعمال التي يصنعها غير البيض، التي تبدو مع قلة المرشح منهم إلى جوائزها، مثل دولة كبيرة يديرها رجال بيض، شديدو اللباقة والدبلوماسية، يربت كل منهم على كتف الآخر أمام الصحافة والإعلام، مهنئين بعضهم بكل خطوة في سبيل التقدم والانفتاح، بينما يعيشون واقعًا آخر سريًا يصب في مصلحة البيض.
لأنها سوداء
في التاسع والعشرين من فبراير/شباط 1940، وصلت هاتي مكدانيل، إلى ملهى كوكونت الفاخر في فندق إمباسادور بحي لوس أنجلوس، مرتدية ثوبًا مرصعًا بأحجار الراين الماسية، مع زهرات الجاردينيا البيضاء في شعرها، حتى تكون جاهزة للاحتفال في حال فوزها. كانت مرشحة لجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في الفيلم الذي سيصبح علامة سينمائية لاحقة "ذهب مع الريح"، لكنها لم تستطع الدخول من الأساس إلى القاعة التي تستضيف الحفل.
كان الفندق، كمعظم المؤسسات الأمريكية في ذلك الوقت، ينتهج سياسة صارمة بشأن منع تواجد السود داخله، ومشرفو تنظيم الحفل، لم يبذلوا جهودًا لأي إجراء استثنائي خاص بـ"الخادمة مامي".
استلمت هاتي الجائزة في غرفة خلفية كانت تستخدم لتخزين جوائز الأوسكار، والتقطت لها صورة شهيرة أمام الجائزة وملامح القهر تتبدى على ذلك الوجه الأمومي، الذي لسوء الحظ، كان لونه أسودَ. وحينما ذهب طاقم الفيلم الذي حاز ثمانية جوائز للأوسكار للاحتفال في أحد النوادي الليلية، لم يُسمح لهاتي أيضًا بالدخول والاحتفال معهم لأنها سوداء.
ستمر سنين قبل أن تحصل هاتي على نجمتين في ممشى المشاهير، رغم ذلك، لن تدفن في مقبرة هوليوود، والأسوأ من هذا، أنه كان لا بد من مرور 50 سنة أخرى قبل أن تفوز ممثلة سوداء بجائزة الأوسكار، فحتى عام 1990 لم تحصل أي امرأة سوداء قبل ووبي جولدبرج التي حازت جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن فيلم الشبح، وحتى الآن لم تحصل أي ممثلة سوداء على جائزة الأوسكار في دور رئيسي، باستثناء هالي بيري عام 2011. ولم يفز أي مخرج/ مخرجة بالجائزة حتى الآن. وإجمالًا بالنسبة لكل فئات الترشيح، فإن السود ترشحوا لـ46 مرة فقط طوال تاريخ الجائزة الذي قارب من 100 عام، وتُمنح في 23 فرعًا.
... وغير أبيض عمومًا
ولا يبدو الحال أفضل لغير السود من غير البيض. فالجائزة منذ حفلتها الأولى في عام 1929، كرمت أقل من 20 فنانًا ينحدرون من أصول آسيوية أو ينتمون إلى أي من دول تلك القارة، في فئات التمثيل والإخراج، مع فارق سنوات وأحيانًا عقود بين الترشيحات.
لم تفز أي ممثلة آسيوية في دور رئيسي بالجائزة، ولم يفز أي ممثل من أصل آسيوي بجائزة أفضل ممثل منذ بن كينجسلي الذي فاز بها في 1983 عن أدائه لغاندي في الفيلم الذي حمل الاسم نفسه.
وبالنسبة لفئتي أفضل ممثل وممثلة في دور مساعد، حصلت ممثلتين آسيويتين فقط عليهما، أولهما اليابانية ميوشي أوميكي لدورها في فيلم "سايونارا" عام 1957، الذي جسدت فيه دور راقصة تقع في حب طيار أمريكي أدى دوره مارلون براندو. وهي الجائزة التي ظلت تتلقى الكثير من الانتقادات من الآسيويين الذين رأوا أن دور ميوشي لم يلق احتفاءً سوى لإثارته المخيلة الجنسية عن الآخر لدى الأمريكيين.
أما الجائزة الثانية فحازتها يون جونج عن دور الجدة في فيلم "ميناراي" عام 2020، وبالنسبة لأفضل ممثل في دور مساعد ذهبت مرة واحدة لممثل آسيوي كمبودي هو هاينج نجور عن دوره في الفيلم البريطاني "حقول القتل" 1984.
صدفة أبريل
تغريدة كتبتها الناشطة أبريل ريجين كانت صدفة كافية لتصنع حملة مناهضة لسياسات الأوسكار. في عام 2015، كان وسم #OscarSoWhite رمز الاحتجاج على ما للجائزة من سياسات عنصرية ممنهجة ضد السود. حيث شهد الحفل السابع والثمانون في ذلك العام، غياب أي ممثل/ ممثلة من ذوي البشرة السوداء. وهو الأمر الذي تكرر في حفل العام التالي الذي قدمه الممثل الكوميدي الأسود كريس روك، والذي تبنى فيه شعارات تلك الحملة وقدم نقدًا لاذعًا لسياسات الجائزة.
كانت تلك هي المرة الـ 83 التي لم يرشح فيها ناخبو الأكاديمية ممثلة سوداء لأداء رئيسي، وبالنسبة للممثلين السود، كان ذلك الاستبعاد رقم 74 في فئة أفضل ممثل رئيسي، وظهرت مشكلة سباق جوائز الأوسكار كقضية جدلية شديدة في الرأي العام الأمريكي، وقاطعت أعمدة مجتمع صناعة الأفلام من السود الجائزة مثل سبايك لي وجادا بينكيت سميث.
تبعت حملة الأوسكار شديدة البياض، حملة أخرى هي OnlyOnePercent# التي كانت تهدف لتسليط الضوء على عدم ترشيح الأمريكيين الآسيويين لجوائز الأوسكار. وعقدت الأكاديمية اجتماعًا طارئًا أعلنت عن هدف طموح لمضاعفة عدد النساء وغير البيض في عضويتها بحلول عام 2020.
اقتلوا العواجيز البيض
رغم ترشيح فيلمها "قبل منتصف الليل" لفئة أفضل سيناريو مقتبس عام 2014، شنت الممثلة الفرنسية جولي ديلبي هجومًا على ناخبي الأوسكار في مقابلة مع مجلة So Film وصفتهم بأنهم "مجموعة من الرجال البيض، 90% منهم فوق سن السبعين الذي لم يفعلوا أي شيء منذ وقت طويل، لذلك هم في حاجة إلى المال، قدم لهم هديتين أو ثلاثة، واضمن أن أصوات اقتراعهم في جيبك".
في ذلك الوقت، فتحت تصريحات ديلبي الأعين على العالم الداخلي لناخبي الأوسكار، الذي لم يكن خفيًا. كان 94% منهم من البيض، بينهم 77% من الذكور.
وبعد حملات عام 2015 تغير الحساب العرقي للأكاديمية، ففي عام 2020 أعلنت الأكاديمية أنها تجاوزت الأهداف المحددة في عام 2016، فقد ضاعفت عدد العضوات من 1446 إلى 3179 وضاعفت أعضائها غير البيض ثلاث مرات من 554 إلى 1787.
وتعهدت الأكاديمية أنها اعتبارًا من جوائز العام 2025 فصاعدًا، لن تكون الأفلام مؤهلة إلا إذا استوفت اثنين من أربعة معايير للتنوع، تتطلب تمثيل النساء والجماعات العرقية والإثنية والمثليين والمتحولين جنسيًا وذوي الإعاقة أمام الكاميرا أو خلفها، أو منحهم نوعًا من فرص التدريب مدفوعة الأجر كجزء من الإنتاج.
جعلت تلك الإصلاحات امرأتين تفوزان بجائزة أفضل مخرجة في أعوام 2020 و2021 على التوالي إحداهما من أصل آسيوي هي كلوي تشاو عام 2020، لتكون هي المرأة الثانية التي تفوز بتلك الجائزة في تاريخ الأوسكار.
ويفوز فيلم "ضوء القمر" الذي يناقش قضية العنصرية والمثلية الجنسية في مجتمعات السود بجائزة أفضل فيلم عام 2017، فيما فاز ماهرشالا علي بجائزة أفضل ممثل مساعد عن الفيلم نفسه، كما ترشح باري جنكيز مخرج الفيلم لأول مرة في تاريخ السود لجائزة أفضل مخرج. وكان ذلك العام هو العام الوحيد في التاريخ الأوسكار الذي ترشح فيه السود لفئات التمثيل الأربع، وفي جائزة أفضل ممثل مساعد كان هناك ثلاثة ممثلين سود وهو رقم قياسي أيضًا.
وبالنسبة للآسيويين، حقق فيلم "باراسايت" الكوري الجنوبي أربع جوائز للأوسكار منهم جائزة أفضل فيلم لسنة 2019، وحققت يون جونغ جائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها آنف الذكر. وأصبح من المعتاد أن ترى حضورًا قويًا للآسيويين والسود والنساء منهما في كل حفلة.
شبكة علاقات بيضاء
في دراسة لجامعة كاليفورنيا الجنوبية، اتضح أن النسبة المئوية للمرشحين بين المجموعات العرقية أو الإثنية الممثلة تمثيلًا ناقصًا، ارتفع من 8% بين عامي 2008 و2015 إلى 17% بين عامي 2016 و 2023، وخلال الفترة نفسها شكلت النساء 21% من المرشحين لجوائز الأوسكار، وهو الرقم الذي قفز إلى 27% خلال السنوات الثماني الأخيرة، ولكن الدراسة لفتت النظر إلى أن ترشيحات العام 2023 عادت من جديد للبياض الشديد.
يبدو أن شبكة العلاقات التي يتحكم فيه البيض عادت من جديد لنشاطها المعهود، الأمر الذي فضحه ترشيح أندريا ريزبرو لفئة أفضل ممثلة عن فيلم "إلى ليزلي". فالفيلم ترشح من العدم، لم يره أحد تقريبًا، وحقق 30 ألف دولار فقط في البوكس أوفيس ما يجعله أقل الأفلام ربحًا التي حصلت على ترشيح للأوسكار، وغاب الفيلم عن الترشيحات للجوائز المختلفة في الجولدن جلوب والبافتا التي يُنظر لها أنه تنبئ بترشيحات الأوسكار.
هذه الفضيحة فجرتها مجلة Variety التجارية الشهيرة في هوليود، بعد أن نشرت رسالة إلكترونية أرسلها مخرج فيلم "إلى ليزلي" إلى أصدقائه من مشاهير الصناعة مثل إدوارد نورتون وجينفير أنيستون يطلب منهم التغريد كل يوم من بداية التصويت على الترشيح لجائزة الأوسكار.
ترايلر فيلم إلى ليزلي
استخدم فريق عمل "إلى ليزلي" شبكة العلاقات الداخلية في هوليود عن طريق أصدقائهم تشارليز ثيرون وإدوارد نورتون، وأدارت كيت ونسيلت وآمي أدامز جلسات أسئلة وأجوبة افتراضية حول الفيلم، وكيت بلانشيت المرشحة المعتادة لجائزة أفضل ممثلة في جوائز الأوسكار، ومرشحة هذا العام عن فيلم "تار" أشادت بريزبرو عند استلامها أحد الجوائز.
تعرضت الأكاديمية لهجوم حاد، جعلها تصدر بيانًا بشأن التحقيق في ترشيح ريزبرو.
حملة الضغط تلك أثارت غضب المخرجة تشينوني تشوكو فاستبعاد أفلام عن السود وكذلك ممثلات سود مثل دانييل ديدوايلر بطلة فيلمها، وفيولا ديفيس بطلة فيلم "المرأة الملك" رغم المؤشرات الناجحة للفيلمين في البافتا، كانت كافية في نظرها لأن تؤكد أن شبكات علاقات البيض لا زالت تحكم خيارات الأوسكار.
يبقى الحكم على جدوى سياسات التغيير في الأوسكار مرهونًا بالوصول إلى العام 2025 الذي حددته الأكاديمية كنقطة الذروة في تطبيق معايير التنوع لديها، حتى وإن كان هناك تراجعًا للسود هذا العام، فإن الحفل ربما يشهد نجاحًا صارخًا للآسيويين، فعشرون مرشحًا من أصل آسيوي هو الرقم الأكبر في تاريخ ترشيحات الجائزة، نصفهم من طاقم عمل فيلم "كل شيء في كل مكان مرة واحدة" المُرشح لـ11 جائزة، واستطاع أن يحقق رقمًا قياسيًا في تاريخ السينما باعتباره حتى الآن، الفيلم الأكثر تحقيقًا للجوائز والترشيحات في تاريخ السينما، متخطيًا الجزء الثالث من سلسلة ملك الخواتم.
ساعات قليلة ونرى!