بينما كان مجتمع الأعمال يترقب منذ شهور تحرك الدولة لمواجهة أثر ارتفاع تكاليف الفائدة على المنتجين، جاءت شروط مبادرة الحكومة الأسبوع الماضي لتوفير التمويل الميسر للقطاعين الصناعي والزراعي، لتجعل تنفيذها شبه مقتصر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفق خبراء تحدثت إليهم المنصة.
وذكر البنك المركزي في بيانه الأسبوع الماضي عن المبادرة أن القطاع المصرفي سيوجه تمويلات للقطاعين الصناعي والزراعي بفائدة 11% متناقصة، أي الفائدة التي تحتسب على القيمة المتبقية من القرض بعد سداد كل قسط وليس على القيمة الكلية للقرض.
وتأتي هذه المبادرة بعد 4 أشهر من أخرى سابقة للبنك المركزي لمنح تمويلات للصناعة والزراعة والمقاولات بفائدة مدعمة 8%، على أساس سنوي متناقص، ولكنها ألغيت، ضمن مبادرات عدة للبنك المركزي، على خلفية انتقادات من صندوق النقد الدولي لتولي البنك سياسة دعم الفوائد في مصر، بينما تتولى وزارة المالية دعم المبادرة الحالية.
وخلال الفترة بين المبادرتين، كان القطاع الصناعي يعاني بقوة من ارتفاع تكاليف التمويل "تأخر تفعيل المبادرة كان أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع صادرات الملابس الجاهزة خلال الربع الأول من عام 2023" كما قالت رئيسة المجلس التصديري للملابس الجاهزة، ماري لويس، للمنصة.
وأضافت أن أسعار الإقراض للمنتجين في الوقت الحالي "قاسية جدًا"، معلقة "يجب أن يتحرك القطاع المصرفي بسرعة لتنفيذ المبادرة".
وبحسب بيان البنك المركزي عن المبادرة الأخيرة فإن المالية ستكون مسؤولة عن تمويل الفارق بين سعر الفائدة في المبادرة، 11%، وسعر البنك المركزي للائتمان والخصم (16.57%) + 1.
وتعكس بيانات التمويل الموجه للقطاع الصناعي الخاص تراجعًا واضحًا في معدلات نمو الإقراض منذ يونيو/حزيران الماضي حتى وصلت إلى حالة الانكماش خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
وبينما يستحوذ القطاع الصناعي الخاص على نحو 12% من القروض البنكية، بحسب آخر البيانات المتاحة التي تنتهي في نوفمبر الماضي، فإن نصيب القطاع الخاص الزراعي يعد هامشيًا حيث اقتصر على نحو 1.3% في نفس الشهر.
فارق كبير في سعر الفائدة
ويؤكد خبراء أن المبادرة الأخيرة تقدم أسعارًا للإقراض بفارق كبير عن تكاليفه الحالية، التي ارتفعت إثر زيادات متوالية في الفائدة قام بها المركزي المصري لاحتواء معدلات التضخم المتصاعدة منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في مارس/آذار الماضي.
"فوائد القروض الموجهة للصناعة خارج المبادرة تتراوح حاليًا بين 18.25% و20.25%، لا شك أن سعر الفائدة في المبادرة مدعوم بنسبة كبيرة"، يقول نائب رئيس أحد البنوك الحكومية متحدثًا إلى المنصة طالبًا عدم ذكر اسمه.
وزاد سعر العائد على الإقراض لليلة واحدة من البنك المركزي من 9.25% في مارس 2022 إلى 17.25% في فبراير/شباط، ويترقب مجتمع الأعمال قرار البنك المركزي بشأن الفائدة في اجتماع 30 مارس الجاري مع توقعات بزيادة جديدة.
ويوضح نائب رئيس البنك الذي تحدث للمنصة، أن تدخل الدولة بدعم الفائدة يساعد في التوسع في تمويل القطاعات الإنتاجية، لأنه يقلل من مخاطر تعثر العملاء "المبادرة ستساعد البنوك على زيادة توظيف أموالها مع مخاوف أقل من تأثير أسعار الفائدة الحالية على قدرة العملاء على السداد".
التقيد بقيمة التمويل
لكن في المقابل تضع المبادرة قيدًا واضحًا على حجم التمويلات الممكن الحصول عليها بالفائدة المدعمة، إذ تشترط عدم حصول العميل الواحد على أكثر من 75 مليون جنيه من التمويلات المدعمة، أو 112.5 مليون جنيه للعميل الواحد والأطراف المرتبطة به.
"الشركات الصغيرة والمتوسطة هي المستفيد الأساسي من المبادرة، فشروطها تحدُّ من استفادة الشركات الكبرى لأن الحدود القصوى للإقراض للعميل الواحد ضيقة للغاية"، كما قالت نائبة سابقة للعضو المنتدب في أحد البنوك الخاصة، طلبت عدم ذكر اسمها.
وأوضحت للمنصة أن الحد الأقصى في المبادرة أقل بكثير من متوسط الدورة الإنتاجية لأي شركة من الشركات الكبرى التي تبلغ في تقديرها مليار جنيه سنويًا.
وفي رأيها، فمن الضروري "إعادة الدراسة الائتمانية للمبادرة مجددًا حتى يتسنى للشركات الكبرى للاستفادة منها بطريقة أفضل وإلا فلن يكون لها جدوى".
واستفادت شركات كبيرة من مبادرة دعم الصناعة الملغاة، مثل السويدي التي أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي عن حصولها على قرض بقيمة ملياري جنيه بفائدة 8%، وسعت عز الدخيلة للصلب خلال نفس العام للحصول على قرض مشترك من عدد من البنوك بقيمة 2.2 مليار جنيه بفائدة 8%.
ولكن ما رأته المصدر السابق عيبًا في المبادرة، اعتبره نائب رئيس البنك الحكومي من مميزاتها، حيث يقول إن المبادرة "راعت استفادة الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بشكل أكبر بسبب عدم قدرتها على الصمود أمام الأوضاع الاقتصادية الراهنة، من زيادة تكلفة عبء الدين وارتفاع التضخم وانخفاض سعر الصرف، بخلاف الشركات الكبرى التي لديها إمكانيات كافية تساعدها على الاستمرار ، كما أن هذه الشركات قادرة على ابتلاع قيمة المبادرة سريعًا".
ويصل إجمالي حجم التمويلات المقدمة من خلال المبادرة إلى 150 مليار جنيه خلال خمس سنوات، بينما ضخت البنوك من خلال المبادرة السابقة لتمويل الصناعة والزراعة والمقاولات 345 مليار جنيه خلال ما يقرب من 3 سنوات فقط، وعلى الأرجح فإن محدودية حجم المبادرة الجديدة يعكس انتقال عبء دعمها من البنك المركزي إلى وزارة المالية، إذ أن الأخيرة ملزمة بالحد من التوسع في الإنفاق للحيلولة دون تضخم عجز الموازنة العامة.
تمويل الاستيراد في حدود
وتظل المبادرة الأخيرة عاجزة عن حل واحدة من أكبر معضلات القطاع الإنتاجي في الوقت الراهن وهي مشكلة تدبير العملة الصعبة لاستيراد مستلزمات الإنتاج.
"المبادرة تتيح للعميل استخدام تمويلاتها لاستيراد مستلزمات الإنتاج المتمثلة في معدات وآلات من خلال فتح خطابات ضمان، ولكن بشكل محدود للغاية لايتجاوز 7% من إجمالي قيمة المبادرة فقط". يوضح رئيس قطاع تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في أحد البنوك الخاصة، تحدث للمنصة طالبًا عدم ذكر اسمه.
وخصصت المبادرة 140 مليار جنيه لتمويل عمليات رأس المال العامل، و10 مليارات جنيه فقط لتمويل شراء لآلات والمعدات.
"الجزء الأكبر من تمويلات المبادرة سيذهب لرأس المال العامل، أي رواتب وأجور العاملين والخدمات المرتبطة بالنشاط الإنتاجي مثل تكاليف الطاقة والمياه وغيرها، كذلك تمويل مستلزمات الدورة الإنتاجية"، كما يضيف المصدر.
وتعاني البلاد من أزمة ضعف التدفقات النقدية الأجنبية منذ مارس الماضي مع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، بجانب اتجاه الولايات المتحدة لرفع أسعار الفائدة على أصولها، وساهمت الأزمة في إعاقة الكثير من المنتجين عن استيراد المدخلات اللازمة، وبينما تحدثت الحكومة عن انفراجة نسبية في أزمة البضائع المتأخرة في المواني مطلع العام الجاري، تشير تقارير إلى عودة الأزمة خلال الأسابيع الأخيرة.