اتهمت إثيوبيا مصر بشن حملة لزعزعة الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي على خلفية الخلاف حول سد النهضة، واعتبرت "هذا النهج الخاطئ فشلًا في الخيال والقيادة، آن الأوان للتخلي عنه"، مؤكدة أن هذه الجهود "لم تُخضع إثيوبيا يومًا".
ويُقصد بمنطقة القرن الإفريقي الجزء الممتد على اليابسة على شكل قرن غرب البحر الأحمر وخليج عدن والمتحكمة في منابع النيل، وتضم دول إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي، بينما تتسع في تعريفات أخرى لتشمل دولًا مرتبطة سياسيًا واقتصاديًا مثل السودان وجنوب السودان وكينيا وأوغندا.
وذكر بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية مساء أمس، أن "الكثير من المسؤولين المصريين يطلقون تصريحات متكررة رافضين الحوار بشكل قاطع وتُطلق تهديدات مبطنة وأخرى صريحة"، مشيرة إلى أن هذه التصريحات تعكس "العقلية المصرية المتجذرة في الحقبة الاستعمارية".
وأضاف البيان أن "بعض المسؤولين يعتقدون أنهم يحتكرون مياه النيل، ويستندون إلى معاهدات تعود للفترة الاستعمارية معتبرينها حقوقًا تاريخية".
ولم تُشر الخارجية الإثيوبية إلى سبب إصدار بيانها، لكن آخر حديث لمسؤول مصري بشأن القضية كان انتقاد وزير الخارجية بدر عبد العاطي الإجراءات الإثيوبية الأحادية بشأن ملئ وتشغيل السد، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني يوهان فاديفول في برلين الاثنين الماضي.
وخلال المؤتمر حذر عبد العاطي من أن تشكل الإجراءات الإثيوبية خطرًا على مصالح مصر المائية وأمنها القومي، مؤكدًا أن مصر ستتخذ كافة التدابير اللازمة حيال ذلك، وهو الموقف الذي تلتزم به مصر منذ تعثر المحادثات حول ملئ السد وانتهاء المسار التفاوضي في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وزعم البيان الإثيوبي أن "طريقة تفكير المسؤولين المصريين حول الحقوق التاريخية المزعومة في مياه النيل تُمَثِل فشلًا في منظومة القيادة"، مطالبًا مصر بالتخلي عما وصفه بـ"الاستراتيجية البالية التي لم تعد تُخيف إثيوبيا قط".
واتهم البيان مصر بـ"عرقلة المفاوضات بالتعنت والإصرار على ترديد مزاعم احتكارية"، ودعت إثيوبيا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بالسلوك "غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى".
وقال البيان إن إثيوبيا "غير ملتزمة تمامًا بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها"، في إشارة إلى فرع النيل الأزرق، الذي تقول إثيوبيا إنه ينبع من المرتفعات الإثيوبية، وأنه يمثل نحو 70% من حجم مياه الأنهار داخل إثيوبيا.
وحتى موعد النشر، لم تصدر الخارجية المصرية ردًا على البيان الإثيوبي.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، افتتحت إثيوبيا سد النهضة رسميًا في بعد 14 عامًا من بدء أعمال البناء، بعد 13 عامًا من مفاوضات مع دولتي المصب مصر والسودان لم تُسفر عن اتفاق قانوني عادل ومُلزم لملء وتشغيل السد.
وفي اليوم نفسه، شكت القاهرة الخطوة الإثيوبية إلى مجلس الأمن وقالت إنها "أحادية ومخالفة للقانون الدولي"، مشددة على احتفاظها بكافة حقوقها في اتخاذ التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومُلوحة بخيارات مفتوحة إذا ما استمرت إثيوبيا في فرض الأمر الواقع.
وأكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمة مُسجلة في الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي "أمام النهج غير المسؤول الذي تتبعه إثيوبيا في ما يتعلق بنهر النيل"، وستتخذ كل التدابير لحماية مصالحها وأمنها المائي.
وأضاف السيسي أن القاهرة على مدار 14 عامًا من التفاوض المضني مع الجانب الإثيوبي واجهت تعنتًا لا يفسر إلا بغياب الإرادة السياسية وسعي لفرض الأمر الواقع، ومزاعم باطلة بالسيادة المنفردة على نهر النيل، بينما الحقيقة الثابتة أن النيل ملكية مشتركة لجميع الدول المتشاطئة ومورد جماعي لا يحتكر.
ووقتها أعلنت الحكومة الإثيوبية رفضها "القاطع" لاتهام السيسي، مؤكدة حقها السيادي في استخدام مواردها المائية، ومشددة على أن النيل "ليس ملكًا لدولة واحدة، بل هو مورد مشترك يجب أن يكون مصدرًا للتعاون لا التهديد".
ومنتصف أكتوبر 2024، قال السيسي إن نهر النيل قضية ترتبط بحياة الشعب المصري وبقائه، كونه يشكل المصدر الرئيسي للمياه في البلاد، بنسبة تتجاوز 98%، مضيفًا أن الحفاظ على هذا المورد الحيوي هو "مسألة وجود".
وفي مارس/آذار 2024 أقرّ وزير الري هاني سويلم بتأثر مصر بسد النهضة، لكنه أكد أن "الدولة المصرية قدرت تتعامل معاه بتكلفة ما"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "اتفاقية إعلان المبادئ بتقول لو تسبب السد في أضرار لدول المصب، فيه ثمن لازم يندفع، ولازم مصر هتطالب به في يوم من الأيام".