اتهمت نقابة المحامين اللجنة الخاصة بمجلس النواب ووزارة العدل بـ"تحريف واضح لإرادة ورؤية رئيس الجمهورية" بشأن تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية، معتبرةً أن ما تم إقراره من تعديلات في ضوء الاعتراضات الرئاسية يعكس "توجهًا خطيرًا نحو تقويض ضمانات الدفاع وانتقاص الحقوق".
وكانت اللجنة الخاصة المشكلة لإعادة دراسة المواد محل اعتراض رئيس الجهورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية وافقت السبت الماضي على جميع المواد التي اعترض عليها الرئيس، بالصياغات التي قدمتها الحكومة، ومنها المادة 105 التي تسمح للنيابة باستجواب المتهم في غيبة محاميه.
وعلى أثر ذلك، انسحب نقيب المحامين عبد الحليم علام، والنائبة مها عبد الناصر، والنائبان أحمد الشرقاوي وضياء الدين داود، اعتراضًا على ذلك التعديل، الذي اعتبروه "مخالفة دستورية لنص المادة".
وقالت نقابة المحامين، في بيان لها أمس الأحد، إن اعتراضات الرئيس كانت تهدف إلى "تعزيز الضمانات الإجرائية والدستورية للمتهمين وإضافة المزيد إليها"، إلا أن النقابة فوجئت بأن الصياغات المقترحة من وزارة العدل والتي أقرتها اللجنة البرلمانية "تخالف ما جاء بالمذكرة الرئاسية، نصًا وهدفًا".
وشددت النقابة على أن التعديلات التي طالت المادة 105 "تؤكد وجود رغبة مُلحة في تقويض دور الدفاع" والسماح للمحقق باستجواب المتهم ومواجهته دون حضور محامٍ، وهو ما يخالف صراحة نص المادة 54 من الدستور التي تنص على أنه "لا يبدأ التحقيق معه (أي المتهم) إلا في حضور محاميه".
وأعلنت نقابة المحامين عن عدة خطوات تصعيدية، من بينها إعداد مذكرة قانونية مفصلة سترفع إلى رئيس الجمهورية، وعقد مؤتمر صحفي موسع يوم الأربعاء المقبل، مع بقاء مجلس النقابة والنقابات الفرعية في حالة انعقاد دائم لمتابعة كافة المستجدات.
ومن جانبه، أعلن نقيب الصحفيين خالد البلشي تضامنه الكامل مع موقف نقابة المحامين الرافض للتعديلات الأخيرة، مطالبًا بإعادة دراسة المشروع بالكامل بشكل متأنٍ وشامل، مبديًا اتفاقه مع أن التعديل الجديد يمثل "مخالفة دستورية جديدة، وتراجعًا عن فلسفة الاعتراضات الواردة من رئيس الجمهورية"، والتي كانت تهدف إلى تعزيز ضمانات حقوق المتهم.
ودعا البلشي إلى ضرورة استغلال فترة تأجيل تطبيق القانون لإعادة دراسة المشروع من كافة جوانبه، والأخذ في الاعتبار الملاحظات والمقترحات المقدمة من جميع الجهات، بما فيها نقابة الصحفيين والمجلس القومي لحقوق الإنسان ومخرجات الحوار الوطني، لضمان خروج قانون يتوافق مع الدستور والمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
وفي المقابل، يرى مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين أن بيان نقابة المحامين الأخير تضمن "صياغة دبلوماسية أكثر" فيما يخص تأويله لإرادة الرئيس السيسي ورغبته من التعديلات "لأن حقيقة الأمر أن مجمل التعديلات التي طلبها تذهب في اتجاه تقليص ضمانات المتهمين في مراحل الضبط والتحقيق".
وأكد أمين لـ المنصة أن الاعتراضات الرئاسية على المادة 105 تحديدًا لم تأتِ دفاعًا عن حقوق المتهمين، كما ذكرت النقابة، بل للمطالبة "بالمساواة ما بين ما مُنح لمأمور الضبط القضائي من استجواب المتهم في غيبة محاميه، بحيث يتم منح الأمر أيضًا إلى النيابة العامة".
وكان نص المادة يمنع عضو النيابة من استجواب المتهم ومواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود إلا في حضور محاميه، وأوصى الرئيس بتعديل هذه المادة وتناسقها مع المادة 64 التي أعطت لمأمور الضبط القضائي المنتدب من النيابة حق استجواب المتهم دون اشتراط حضور محاميه، في حالة الخشية من "فوات الوقت".
واتفق أمين مع النقابة في أن هذا التوجه يخالف صراحة نص المادة 54 من الدستور، التي تضمن حق المتهم في حضور محاميه للتحقيقات.
وكان أحد أعضاء اللجنة الخاصة المشكلة لمناقشة الاعتراضات قال لـ المنصة في وقت سابق إنه بعد الخلافات التي شهدتها اللجنة، وانسحاب نقيب المحامين وبعض الأعضاء، جرت إعادة المناقشة والموافقة على إضافة نص يسمح للنيابة باستدعاء محامي المتهم أو ندب محام على أن تبدأ التحقيق مع المتهم ما لم يحضر المحامي في الوقت المحدد.
كان رئيس الجمهورية اعترض على ثماني مواد من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ووافقت اللجنة العامة على دراستها، ثم وافق مجلس النواب على تشكيل لجنة خاصة لدراسة التعديلات برئاسة وكيل أول المجلس المستشار أحمد سعد الدين.
وكانت منظمات حقوقية طالبت بضرورة إجراء مراجعة شاملة وكاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، محذرةً من أن اقتصار التعديلات على عدد محدود من المواد لن يعالج "العوار الجسيم" الذي شاب القانون بأكمله.
وشددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن المشكلة الرئيسية في القانون لا تكمن في مواد معيبة فحسب، بل في "فلسفته الحاكمة ذاتها"، واعتبرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أن اقتصار التعديلات وفقًا لما تداولته وسائل إعلام على 8 مواد فقط سيجعلها "شديدة المحدودية، ولا يعالج العوار الجسيم الذي تضمنته مواد مشروع القانون الأخرى".