طالبت منظمات حقوقية بضرورة إجراء مراجعة شاملة وكاملة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، محذرةً من أن اقتصار التعديلات على عدد محدود من المواد لن يعالج "العوار الجسيم" الذي شاب القانون بأكمله.
جاء ذلك في بيانات منفصلة أصدرتها "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" و"الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، وذلك بالتزامن مع عودة مجلس النواب للانعقاد بداية من الغد وفق ما ورد بقرار رئيس الجمهورية بدعوته للانعقاد في الدور السادس من الفصل التشريعي الثاني في ظل دستور 2014.
مطالب بتغيير "فلسفة القانون"
وفي الوقت الذي شددت فيه المبادرة المصرية على أن المشكلة الرئيسية في القانون لا تكمن في مواد معيبة فحسب، بل في "فلسفته الحاكمة ذاتها"، التي تهدف إلى "ترسيخ وتقنين وتأبيد الأوضاع القائمة" في منظومة العدالة الجنائية، اعتبرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أن اقتصار التعديلات وفقًا لما تداولته وسائل إعلام على 8 مواد فقط سيجعلها "شديدة المحدودية، ولا يعالج العوار الجسيم الذي تضمنته مواد مشروع القانون الأخرى".
ونشر موقع تحيا مصر في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، المواد التي اعترض عليها رئيس الجمهورية بمشروع القانون واستند إليها في رفض التصديق عليه، وهي حاجته لابتكار مزيد من البدائل للحبس الاحتياطي وفقًا للمادة 114، ومادة 48 الخاصة بتحديد حالات الخطر في مداهمة المساكن وتفتيشها، ومادة 105 الخاصة باستجواب المتهم بغير حضور محاميه في أحوال التخوف والخشية من فوات الوقت، ومادة 112 بخصوص وضع حد أقصى لوضع المتهم في الحجز إذا تعذر استجوابه لغياب محاميه.
كما تضمنت الاعتراضات المادة 123 الخاصة بعرض المتهم المحبوس احتياطيًا على النائب العام كلما انقضت مدة الـ90 يومًا على حبسه، ومادة 231 لتوجيه العمل بالإعلان التقليدي عند تعطل الإعلان الإلكتروني، ومادة 411 لإتاحة الفرصة للمتهم المحكوم عليه الذي يقوم باستئناف الحكم ولم يحضر هو أو وكيله، وأخيرًا مادة النشر ودخول القانون حيز التنفيذ ليصبح من بداية العام القضائي وليس اليوم التالي لنشر القانون بما يسمح للجهات القضائية ومؤسسات العدالة بالتجهز لتطبيق القانون، وما ورد به من آليات ونماذج مستحدثة.
وبخلاف هذه التعديلات، تُصر المبادرة المصرية على أن مشروع القانون تجاهل الشاغل الرئيسي لأي تشريع إجرائي، وهو حماية حقوق المواطنين، وقام بعكس ذلك تمامًا عبر "تقليل ضمانات المحاكمة العادلة ومضاعفة صلاحيات سلطات التحقيق على حساب المتهمين".
واقترحت المبادرة أربعة مبادئ حاكمة يجب أن تكون في قلب أي تعديل جديد، هي؛ الفصل بين السلطات، وضمان تكافؤ الفرص بين الادعاء والدفاع، وترسيخ قرينة البراءة، وإعادة التوازن بين القاعدة والاستثناء في الإجراءات القانونية، بحيث يتم التخلص مما تضمنه القانون من أحكام تحوي عبارات من عينة "بحسب الأحوال" دون تحديد هذه الأحوال، حتى ولو لم يكن بشكل حصري، أو بعبارات تفرغ القيود الزمنية من مضمونها على شاكلة يجوز التمديد "لمدة أو مدد أخرى مماثلة"، أو ربط التمتع بالحقوق الأساسية للمتهم ودفاعه "بمصلحة التحقيق".
قضايا خطيرة خارج نطاق المراجعة
من جانبها، حذرت الجبهة المصرية من أن دعوة المراجعة الرئاسية اقتصرت على ثماني مواد فقط، بينما أغفلت مواد أخرى أكثر خطورة، من بينها تحصين الموظفين العموميين ومسؤولي الضبط القضائي من المساءلة عن جرائم مثل التعذيب، وتقييد حق الدفاع عبر الحد من وصول المحامين لأوراق القضايا، عوضًا على تقييد علنية الجلسات وفرض قيود على حضور المحاكمات، وتوسيع مبررات الحبس الاحتياطي بإضافة مسوغ فضفاض هو "توخي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام".
كما أثارت الجبهة تساؤلات حول اتجاه التعديل المتوقع في بعض المواد، مثل المادة 105، والتي ظهرت تكهنات بأن تعديلها قد يهدف إلى "إعطاء سلطات التحقيق الحق في استجواب المتهم بغير حضور محاميه".
دعوة لحوار مجتمعي حقيقي
واتفق البيانان على ضرورة تجاوز مسار "العمل في سرية تامة" الذي اتبعته لجان إعداد القانون، وطالبا بفتح "حوار مجتمعي واسع النطاق" يشارك فيه كافة الأطراف المعنية من خبراء قانونيين ومنظمات مجتمع مدني ونقابات مهنية، لضمان أن تكون المراجعة حقيقية وشاملة، وتفضي إلى قانون يحقق التوازن بين المصلحة العامة وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة.
كان السيسي أعاد مشروع القانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لإجراء مزيد من الدراسة بشأنه، استنادًا لاعتبارات تتعلق بالحوكمة والوضوح والواقعية "بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن، ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه".
كما طلبت رئاسة الجمهورية إزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع، وإتاحة الوقت المناسب أمام الوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة في مشروع القانون، والإلمام بأحكامه ليتم تطبيقها بكل دقة ويسر وصولًا إلى العدالة الناجزة في إطار من الدستور والقانون".