أجمع خبيران؛ دبلوماسي وأمني، على أن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد اتفاقية تصدير الغاز إلى مصر يمثل "ورقة ضغط فاشلة" وحسابات استراتيجية "غير سليمة"، مؤكدين أن القاهرة كانت مستعدة لمثل هذه الخطوة ولديها بدائل فورية تجعل من القرار ضررًا على إسرائيل أكثر منه على مصر.
وقرر نتنياهو تجميد اتفاقية الغاز التي وقعتها بلاده مع مصر والبالغة قيمتها 35 مليار دولار، وسط تصاعد حدة التوترات بين الجانبين بسبب العدوان على غزة.
وكان مصدر مطلع على ملف واردات الطاقة بالشركة القابضة للغازات الطبيعية/إيجاس كشف لـ المنصة الخميس الماضي، تراجع كميات الغاز الطبيعي المستوردة من إسرائيل إلى نحو 950 مليون قدم مكعب يوميًا خلال الأسبوعين الماضيين، مقارنةً بـ1.050 مليار قدم مكعب مطلع أغسطس/ آب الماضي، أي بتراجع يعادل 100 مليون قدم مكعب يوميًا.
"رسالة للداخل" وضغط سياسي
وحول دلالات القرار يرى خبير الأمن الإقليمي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبد الواحد أن قرار نتنياهو يحمل دلالات سياسية واقتصادية واستراتيجية متعددة، موضحًا أنه يهدف في المقام الأول إلى إرسال عدة رسائل؛ أولاها "للداخل الإسرائيلي وللمنطقة بأن مثل هذه القرارات الاستراتيجية في يده هو كرئيس للوزراء مباشرةً".
وأضاف عبد الواحد لـ المنصة أن نتنياهو يسعى من خلال هذه الخطوة لممارسة "بعض الضغوط على مصر" ومحاولة تعزيز صورته وصورة اليمين المتطرف، وإظهار قدرته على فرض شروطه على دول المنطقة، مشيرًا إلى أن صفقات الغاز تتجاوز أهميتها الاقتصادية إلى "أهمية جيو-سياسية، فلها أهمية استراتيجية وسياسية أكثر من كونها اقتصادية".
ويتفق معه مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي يصف القرار بأنه "شيء مضحك"، ويهدف للضغط على مصر لتغيير موقفها الثابت من قضايا الحرب على غزة، وعلى رأسها رفض التهجير وضرورة وقف إطلاق النار.
لكن عبد الواحد لا يستبعد أن يكون القرار جاء "بإيعاز من الخارج"، سواء من "دولة إقليمية، خليجية بالتحديد، تخشى من أن تتحول مصر إلى مركز للطاقة منافس لها في المنطقة"، أو كجزء من ضغوط دولية أوسع تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، حسب قوله لـ المنصة.
وفيما يخص الخيارات المصرية المتاحة لمواجهة تبعات القرار، يجزم الخبيران بأن محاولة الضغط على مصر محكوم عليها بالفشل، إذ شدد عبد الواحد على أن "مصر ليست بالسذاجة أنها كانت تعتمد على مصدر واحد في موضوع الغاز"، مضيفًا أن القاهرة نوعت مصادرها تحسبًا لأن "إسرائيل دائمًا ما تنكث بعهودها ووعودها، وبالتالي كانت عاملة حساباتها".
وهو ما أكده رخا أيضًا، في حديثه لـ المنصة، بالإشارة إلى خطوات عملية تم اتخاذها بالفعل، قائلًا "لدينا بدائل، وزيارة وزير الخارجية بدر عبد العاطي ووزير البترول كريم بدوي لقبرص أمس الأول كان هدفها الأساسي زيادة ضخ كميات الغاز من قبرص لتعويض ما ستمنعه إسرائيل".
ويرى الخبيران أن القرار قد يأتي بنتائج عكسية على إسرائيل نفسها، ويتساءل عبد الواحد "إسرائيل تنتج كمية كبيرة من الغاز، طب هتعمل فيها إيه هذه الكمية؟"، خاصة وأن محطات الإسالة الوحيدة في شرق المتوسط موجودة في مصر.
ويعبر السفير رخا عن المفارقة في الموقف قائلًا "يعني زي ما بيقول المثل: بركة إللي جت منك يا جامع، إن إسرائيل هي اللي بتهدد مصر بمنع الغاز!"، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة قد تدفع الدول العربية لتطبيق المعاملة بالمثل ووقف التعاملات الاقتصادية معها.
وكانت مصر عدّلت في 12 أغسطس/آب الماضي اتفاق استيراد الغاز الإسرائيلي، بإضافة 130 مليار متر مكعب إلى الكميات التعاقدية، ورفع قيمة الإيرادات المتوقعة إلى 35 مليار دولار، مع تمديد فترة التوريد حتى عام 2040.
وتعتمد القاهرة في استيراد الغاز من إسرائيل على خط أنابيب شرق المتوسط الممتد من العريش إلى عسقلان بطول 100 كيلومتر عبر مياه البحر المتوسط، بالإضافة إلى جزء آخر يصل عبر خط الغاز العربي مرورًا بالأردن.
ووفق إنتربرايز، فإن قرار نتنياهو تجميد الاتفاقية "جاء على خلفية نشر مصر تعزيزات عسكرية بالقرب من الحدود مع إسرائيل في سيناء، وهي الخطوة التي تدعي إسرائيل أنها تنتهك اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979. وكانت إسرائيل خرقت الاتفاقية بالفعل في مايو/أيار 2024، عندما احتلت محور فيلادلفيا خلال هجومها البري على جنوب غزة".
وقال نتنياهو خلال عطلة نهاية الأسبوع إن مصر "تفضل سجن سكان غزة داخلها ضد إرادتهم"، مضيفًا أنه يستطيع فتح معبر رفح الحدودي أمام سكان غزة للخروج منها حال رغبتهم في ذلك، لكن مصر ستمنعهم فورًا.
وعقب تصريحه، أعادت وزارة الخارجية المصرية التأكيد مرة أخرى على موقفها بشأن تهجير الفلسطينيين، وأشارت إلى أن تصريحات نتنياهو "تأتي في إطار محاولاته المستمرة لتمديد زمن التصعيد في المنطقة وتكريس عدم الاستقرار لتفادي مواجهة عواقب الانتهاكات الإسرائيلية في غزة".
لا تصعيد عسكري
وحول احتمالية تطور الأزمة لمواجهة عسكرية، استبعد السفير رخا ذلك في الوقت الحالي، مؤكدًا أن ردود مصر ستكون في إطار "القوة الناعمة التي لم تستخدمها بعد"، مضيفًا أن "مسألة الحرب مستبعدة في المرحلة الحالية، إلا إذا أصيبت إسرائيل بنوع من الجنان".
وذكّر بأن إسرائيل هي من انتهكت اتفاقية السلام بالفعل عبر تدمير معبر رفح، وهو ما يعتبر عملًا عدوانيًا يهدد عملية السلام.
فيما يري عبد الواحد أن العلاقة المصرية الإسرائيلية تشهد تناقضًا حادًا بين استمرار التنسيق الأمني القائم على مصالح استراتيجية مشتركة، والتصعيد اللفظي والدبلوماسي الرسمي.
واعتبر أن نتنياهو يسعى من خلال هذا التصعيد إلى اختبار الخطوط الحمراء المصرية، خاصة فيما يتعلق بملفي التهجير ومحور فيلادلفيا، معتمدًا على أن التزام مصر بمعاهدة السلام والضغوط الاقتصادية سيمنعها من اللجوء إلى خيار عسكري.
لكن عبد الواحد يستبعد في الوقت نفسه أن يصل الأمر إلى حد المواجهة العسكرية الشاملة، مؤكدًا أن الرد المصري سيتمثل في تعزيز الوجود العسكري في سيناء، والرفض القاطع لأي تهجير، وتكثيف الضغط الدبلوماسي، مشيرًا إلى أن الدور الأمريكي الحاسم في احتواء التوترات يجعل أي مواجهة عسكرية أمرًا غير مرجح حاليًا.
وكان رئيس هيئة الاستعلامات الكاتب الصحفي ضياء رشوان علق على تصريحات نتنياهو قائلًا "أنصح نتنياهو أن يلغي اتفاقية الغاز مع مصر إن استطاع تحمّل نتائجها الاقتصادية... سيكون هو الخاسر".
وأكد رشوان خلال مقابلة تليفزيونية الأسبوع الماضي أن مصر لا تعتمد على مسار واحد للطاقة وتمتلك بدائل وخططًا جاهزة، مضيفًا أن اتهامات نتنياهو بشأن الأنفاق والسلاح مرتبطة برغبته في السيطرة على محور فيلادلفيا، وخلق ممر جديد في غزة.
وأشار إلى أن رفض القاهرة لسيناريو التهجير بعد 7 أكتوبر شكّل "غصّة" لنتنياهو واليمين المتطرف، لافتًا إلى أن مصر تمثل عقبة رئيسية أمام ما وصفه بأوهام إسرائيل الكبرى، التي يتصور البعض أنها تمتد على 150 ألف كم مربع من أراضي المنطقة.
ومنتصف يونيو/حزبران الماضي، أوقفت إسرائيل ضخ الغاز لمصر عل خلفية تصاعد الصراع العسكري مع إيران، ما ساهم في تعطيل العمل بمصانع الأسمدة وارتفاع أسعار منتجاتها في السوق المحلية، إلا أن الإمدادات عادت بصورة تدريجية منذ 26 يونيو/حزيران الماضي.