طالبت 16 منظمة دولية ومصرية حقوقية وقانونية شركة ساندفاين/Sandvine الكندية بتعويض المتضررين من سياسات الشركة في التعاون مع عدد من الدول، من بينها مصر، التي استخدمت تقنياتها في تقويض حقوق الإنسان وحجب المواقع، متشككين في فاعلية الإجراءات التي اتخذتها المؤسسة مؤخرًا.
وكان مكتب الصناعة والأمن الأمريكي التابع لوزارة التجارة أعلن ضم شركة ساندفاين إلى قائمة الكيانات التي تخضع لمتطلبات الترخيص والمراقبة المشددة على تصدير أو نقل السلع أو الخدمات المحددة، بسبب أنشطة الشركة التي اعتبرت "تتعارض مع مصالح الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة"، قبل أن يقرر رفعها من القائمة الشهر الماضي "بعدما أصلحت ساندفاين إجراءات حوكمة الشركات لديها وممارسات الأعمال لحماية حقوق الإنسان"، حسب بيان مكتب الصناعة.
وجاء القرار الأمريكي بإدراج الشركة في قائمة الكيانات المحظورة "استجابة لتقارير من الإعلام والمجتمع المدني حول بيع الشركة تقنيات فحص البيانات العميق لحكومات استبدادية، بما في ذلك مصر وبيلاروسيا وروسيا".
إثر إدراجها في قائمة الكيانات المحظورة، أنهت الشركة في الشهور التالية عقودها مع عدد من الدول "القمعية"، لكن الموقعين على البيان المشترك، أمس، ومن بينهم مؤسسة أكسس ناو ومسار والمفوضية المصرية للحقوق والحريات شككوا في جدوى ذلك، وطالبوا بخطوات أكثر جدية.
وأعلنت ساندفاين فض شراكتها مع الحكومة المصرية وسحب تقنياتها من تحت يد السلطة في سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بعد فضائح مدوية أعقبت ثبوت استخدام تقنياتها في تعقب المعارضين السياسيين، أبرزهم أحمد الطنطاوي، وحجب المواقع الصحفية المستقلة، منها موقع المنصة.
ووفقًا لتحقيقات مختبر Citizen Lab التابع لمدرسة Munk للشؤون العالمية والسياسة العامة في جامعة تورونتو، ومنظمة مسار، وبلومبيرج، فإن شركة ساندفاين ساعدت في قطع الإنترنت، والمراقبة الشاملة للويب، والرقابة الجماعية في عدة دول حول العالم، ومكّنت من استهداف سياسي مصري على الأقل وبرامج تجسس. كما أفادت هذه التحقيقات بأن تقنيات ساندفاين استُخدمت لمهاجمة الفضاء المدني والحريات الأساسية من قبل أنظمة قمعية في 12 دولة على الأقل، حسب البيان.
مطالب وترحيب
حدد الموقعون على البيان، من منظمات و7 خبراء تقنيين، عدة مطالب من الشركة الكندية لإثبات جدية تصحيح مسارها، مرحبين في الوقت ذاته بإقرار الشركة بـ"إساءة استخدام منتجاتها في الماضي، وكذلك بأن استجابتها لتقارير إساءة الاستخدام السابقة كانت غير كافية".
وأضافوا "كما نعترف بالخطوات التي أعلنتها الشركة نحو تبني ممارسات تجارية تحترم حقوق الإنسان، مما أدى إلى إزالتها من قائمة الكيانات المحظورة في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي"، بعد الإصلاحات التي اتخذتها ساندفاين، التي تشمل "انسحابها من 32 دولة والتزامها بعدم العمل في البلدان غير الديمقراطية أو التي تكون فيها التهديدات لحقوق الإنسان الرقمية مرتفعة".
واعتبر البيان المشترك أن هذه الخطوات "تعكس تأثير المناصرة المدنية وضغط المساهمين والعقوبات المستهدفة في تشكيل سلوك الشركات بما يتماشى مع أفضل ممارسات حقوق الإنسان".
وتابع البيان "نظرًا لسجل ساندفاين الحافل بتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان وفشلها في معالجتها، يجب التدقيق بشكل صارم في مصداقية وفاعلية تلك الإصلاحات الأخيرة".
وأشار الموقعون إلى أنه "مع اعتراف شركة ساندفاين بأخطائها السابقة، لا تشير المعلومات العامة إلى أن الشركة قدمت تعويضات ذات مغزى للأشخاص المتضررين من إساءة استخدام تقنياتها في دول مثل مصر وبيلاروسيا وأذربيجان وروسيا ودول أخرى".
وألمحوا إلى "أهمية الحق في التعويض في مبادئ وقوانين حقوق الإنسان، وكذلك مسؤولية الشركات عن توفير جبر الضرر وفقًا للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، فإن محاولة ساندفاين لبدء فصل جديد يحترم الحقوق دون معالجة كافية لانتهاكاتها السابقة يضعف مصداقية التزامها بحقوق الإنسان".
و"يتعين على الشركة أن تعترف بالأضرار التي سببتها في بلدان محددة، وأن تتخذ خطوات مستنيرة من قبل المجتمعات المتضررة لإصلاحها"، وفق مبادئ الأمم المتحدة.
وأشار الموقعون على البيان إلى أن "محادثات مع ممثلين عن المجتمع المدني المتضرر من تقنيات الشركة أبرزت أن ساندفاين تسببت في أضرار جسيمة وغير قابلة للإصلاح" لهذه المجتمعات.
وتابع البيان أن "تعهد ساندفاين بتخصيص 1% من أرباحها لدعم حقوق الإنسان والحقوق الرقمية يعتبر خطوة إيجابية"، لكن "تظل هناك تساؤلات حول كيفية إدارة هذا الصندوق وتوزيعه، وما إذا كان سيتم استخدامه لتخفيف آثار القمع الرقمي الذي ساعدت ساندفاين في تيسيره في الماضي".
وتطرق البيان المشترك إلى نقطة أخرى تتمثل في تعبير ساندفاين عن التزامها ببناء "علاقات أفضل ومشاورات أوسع مع المجتمع المدني وأصحاب المصلحة المتضررين" لفهم كيفية دعم الحقوق الرقمية، و"التفاعل بشكل أكبر مع مجموعات حقوق الإنسان وأصحاب المصلحة الآخرين قبل توسيع عملياتها التجارية في أسواق جديدة".
وتابع البيان "بالنظر إلى فشلها في الاستجابة بجدية لاستفسارات المجتمع المدني حول أنشطتها في الماضي، نشعر بقلق جدي إزاء قدرة ساندفاين على الوفاء بهذا الالتزام. كان يجب على الشركة أن تنتهز الفرصة لتقديم ردود ملموسة على الأسئلة التي أثارها المجتمع المدني سابقًا، وأن تعالج تهديدها للباحثين، مثل أولئك في مختبر Citizen Lab، بالإجراءات القانونية عند كشفهم عن إساءة استخدام تقنياتها".
وأكد الموقعون على أنه "دون معالجة هذه الإخفاقات السابقة في التفاعل بجدية، ستواجه ساندفاين صعوبة في بناء علاقة ثقة مع منظمات المجتمع المدني التي تمثل وتدعم المجتمعات المهددة، حتى مع سعيها لإعادة بناء سمعتها".
السياسة الأخلاقية ليست كافية
وكان من ضمن ما أعلنت عنه ساندفاين لتصحيح مسارها "برنامج جديد للعناية الواجبة بحقوق الإنسان، ومراجعة لجنة أخلاقيات الأعمال، ولجنة فرعية لحقوق الإنسان على مستوى مجلس الإدارة"، وهو ما لا تراه المنظمات الحقوقية والقانونية كافيًا.
ونقلت المنظمات تصريحًا سابقًا للرئيس التنفيذي ليندون كانتور في فبراير/شباط 2018، قال فيه إن الشركة "كانت تمتلك بالفعل سياسة أخلاقية شاملة، ولجنة أخلاقيات الأعمال، بالإضافة إلى العديد من سياسات المسؤولية الاجتماعية منذ عام 2016 على الأقل".
وعلق البيان "لكن نظرًا لفشل هذه البرامج والسياسات القائمة في منع إساءة استخدام تقنيات ساندفاين على مدار السنوات الثماني الماضية، وغياب الشفافية حول كيفية تشغيل العمليات الجديدة والهيئات الرقابية، يشعر المجتمع المدني والمجتمعات المتضررة بشكوك مفهومة حول قدرة هذه البرامج والسياسات الجديدة على إحداث تغيير جوهري في ممارسات الشركة".
وأضاف "يتفاقم هذا القلق بالنظر إلى أن شركات أخرى أضافتها الحكومة الأمريكية إلى قائمة الكيانات تدعي أيضًا تبني سياسات حقوق الإنسان، لكنها تواصل تسهيل الانتهاكات".
أسئلة مفتوحة
واختتمت المنظمات والخبراء الموقعون بيانهم بمجموعة من المطالب والتساؤلات المفتوحة إلى ساندفاين تتمثل في نشر سياسة واضحة وشاملة لحقوق الإنسان من قبل الشركة، وتوضيح من سيكون المسؤول عن تنفيذ هذه السياسيات، كما تساءلوا "هل ستلتزم الشركة بإجراء تدقيق دوري لبرنامج العناية بحقوق الإنسان بواسطة جهات مستقلة للتحقق من فاعليته؟".
كما تساءل البيان عما إذا كان لدى الشركة نية علنية محدثة بعملائها الحاليين، وهل ستوفر معايير محددة لتقييم أهلية الدول لاستخدام تقنياتها؟ وأيضًا "كيف سيتم تصميم برنامج العناية بحقوق الإنسان لتحديد ومنع وإصلاح الاستخدامات الخاطئة لمنتجات الشركة، وكيف سيتم الاستجابة للتغيرات في الأوضاع السياسية للبلدان المختلفة؟".
وحول توجه الشركة لتخصيص 1% من الأرباح، تساءل البيان "ما الآلية التي ستستخدمها الشركة لتوزيع هذه المساهمة المالية لدعم حقوق الإنسان؟ وكيف ستحدد المنظمات المستفيدة؟".
وتساءلوا أيضًا عن آلية التبليغ والشكوى "هل ستوفر ساندفاين آلية للشكاوى لمراقبة التأثيرات السلبية المحتملة على الأفراد والمجتمعات؟".
واختتموا بيانهم بالتعبير عن "قلقهم العميق حول جدية ساندفاين في الالتزام بحقوق الإنسان، وتطبيق إجراءات حقيقية وفعالة لتجنب إساءة استخدام تقنياتها في المستقبل".
وتضمنت قائمة الموقعين عن البيان منظمة العفو الدولية، وجمعية المدونين في كينيا، ومنظمة التعاون في السياسات الدولية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في شرق وجنوب إفريقيا، ولجنة حماية الصحفيين، وCommon Cause Zambia، والمؤسسة الرقمية الأوراسية، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، وINSM للحقوق الرقمية، وHuman Constanta، وجمعية حماية الإنترنت، وRKS Global، وSMEX، ومعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
أما الخبراء فهم "مراقبة الإنترنت في أذربيجان أرزو جييبولا، والزميلة في مجال الحقوق الرقمية هيناكو سوجياما، والمتخصصة في التحليل والأمن الرقمي في مؤسسة stay connected إيليا ليفكين، والباحث الأول في Citizen Lab ومدرسة مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة جون سكوت، والمدير التنفيذي لشركة VPN Generator ميخائيل كليماريف، والمؤسسة والمديرة لشركة Kandoo نيما فاطمي، وأستاذ ومدير Citizen Lab رون ديبرت.