برخصة المشاع الإبداعي- maxpixel
تصليح الكهرباء

"وعياله ذنبهم إيه؟".. قانونيون: حذف المتهم بسرقة الكهرباء من "التموين" يخالف الدستور

محمد نابليون
منشور الاثنين 2 سبتمبر 2024

بعد أسبوع واحد من توجيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بوقف الدعم التمويني عن المتهمين بسرقة التيار الكهربائي، بادرت وزارة الكهرباء بإخطار وزارة التموين ببيانات نحو مليون مواطن محرر ضدهم محاضر سرقة تيار كهربائي، لحذفهم من منظومة الدعم، الأمر الذي عارضه خبراء ومشتغلون بالشأن القانوني والتشريعي، مؤكدين مخالفته لأكثر من مبدأ دستوري وقانوني.

وعوضًا عن تلك المخالفات، أجمع قانونيان ونائب برلماني على عدم توقف أثر تلك العقوبة على الشخص المتهم بسرقة التيار وحده، وإنما امتداده لأسرته وأبنائه دون أن يكون لهم ذنب في الأمر.

لكن ذلك لا يمنع وزارة التموين من المضي قدمًا في تنفيذ الأمر، حسب ما أكده مصدر في الوزارة خلال تصريحات إلى المنصة أمس، قال فيها إن الوزارة ستطابق القائمة المرسلة إليها من وزارة الكهرباء بقاعدة بيانات المستفيدين من منظومة الدعم لتحديد عدد المخالفين نهاية الأسبوع الحالي أو بداية الأسبوع المقبل على أقصى تقدير، على أن يتم حذفهم بعد اعتماد القائمة من وزير التموين شريف فاروق.

مخالفات بالجملة

يرى الخبير القانوني عصام الإسلامبولي أن قرار الحكومة في هذا الشأن يتضمن "مخالفة كبيرة للقانون لأنه من المفترض إن اللي بيسرق الكهرباء بيتاخد ضده إجراء قانوني وينال جراء ذلك العقوبة المقررة قانونًا، إنما إنه هو ييجي يحرمه من حاجة تانية زي الدعم التمويني اللي بياخده كمواطن مصري عادي، فهذا أمر غير متصور ولا يتفق مع القانون".

وكان مدبولي شدد خلال اجتماع لمجلس المحافظين، الأحد قبل الماضي، على اتخاذ إجراءات حاسمة ضد كل من يحرر له محضر سرقة كهرباء، ومن أهمها إيقاف كل صور الدعم التي يحصل عليها من الدولة، هذا بخلاف الإجراءات القانونية المتبعة في هذا الشأن.

ولفت الإسلامبولي نظر الحكومة إلى أن مسلكها في هذا الأمر يخالف المبدأ الدستوري والقانوني بشأن عدم ازدواج العقوبة، فضلًا عن تعارضه مع كافة المبادئ الدستورية المرتبطة بضرورة توفير الحياة الكريمة والآمنة والتكافل الاجتماعي "يعني هو المتهم ده أيوه غلطان وسرق كهربا، أه حاكمه واديله العقوبة الجنائية أو يتصالح ويسدد المبالغ المستحقة عليه، إنما توقع عليه عقوبة أبدية وغير قانونية زي إلغاء الدعم فدا أمر غير مقبول".

ولم يغفل الإسلامبولي أن عقوبة حذف المواطن من منظومة الدعم التمويني لا يقف أثرها عند المتهم وحده، بل يمتد ليشمل أسرته، التي قد يكون الدعم أحد مصادر عيشها، وهو ما يخالف المبدأ الدستوري الخاص بشخصية العقوبة، معلقًا "طب وعياله ذنبهم إيه".

وتنص المادة 95 من الدستور على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون".

وأوضح الإسلامبولي أن كل هذه المخالفات الدستورية والقانونية المحيطة بذلك التوجه تجعله عرضة للطعن عليه حال إقراره أمام محاكم القضاء الإداري، نظرًا لكونه قرارًا إداريًا غير مشروع، مؤكدًا أن إجراء عقابيًا على هذا النحو لا يجب تنظيمه بمجرد قرار رئيس حكومة أو وزير، وإنما يجب إقراره بموجب قانون يراعي نصوص الدستور والقوانين العقابية المنظمة لذات الأمر.

تعليمات الصندوق

أما رئيس الوحدة القانونية بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خالد الجمال، فاعتبر استهداف الحكومة للفئات التي لا تحظى بتعاطف مجتمعي واسع بات مبدأ وهدفًا أساسيًا للأداء الحكومي مؤخرًا، ضاربًا المثل على ذلك بقرارات إنهاء خدمة الموظفين متعاطي المخدرات "دول ناس لا ينالون قدرًا من التعاطف المجتمعي بشكل أو بآخر، وبالتالي مش هيلاقوا اللي يدافع عنهم، نفس الأمر بالنسبة لسارقي التيار الكهربائي لما تيجي تقول هلغي الدعم عنهم".

ولا يستبعد الجمال أن تكون قرارات الحكومة ضد هاتين الفئتين صادرة تنفيذًا لتوصيات صندوق النقد الدولي الخاصة بتقليل عدد الموظفين الحكوميين وتقليل نسبة المستفيدين من الدعم الحكومي، قائلًا "أنت بتقلل الدعم على حساب المواطن، بإنك بتدور على الحاجة اللي بيرفضها المجتمع زي سرقة الكهرباء وتاخدها كحجة لإلغاء الدعم".

وتابع "الحكومة بقت شغالة بمبدأ دور على الغلطان واخلص منه وماحدش في المجتمع هيعترض على اللي أنت بتعمله، وبالتالي فأنت كدا هتبقى بتنفذ تعليمات الصندوق وواخد المجتمع ظهير ليك ومن غير ما تضر نفسك كحكومة".

وأكد الجمال أن قضايا سرقة التيار الكهربائي لم تعد في الأساس كما كانت عليه في السابق، ولم يعد القانون يعاقب عليها بالحبس، موضحًا أن شركات الكهرباء باتت تفتح الباب للتصالح فيها "وبالتالي فلما يبقى فيه متهم بسرقة التيار ووقعت عليه الغرامة المستحقة، ومتاح له إنه يتصالح، هتكون إيه بعدها جريمته اللي هتعاقبه عليها بإلغاء الدعم عنه؟".

وتفتح المادة 71 من قانون الكهرباء الباب أمام انقضاء الدعوى الجنائية ضد سارقي الكهرباء بالتصالح، في الوقت الذي تعاقب كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وفي حالة العودة، تكون العقوبة، وفقًا لذات المادة، الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتساءل الجمَال كيف للحكومة أن تعاقب شخصًا ما بحرمانه من الدعم التمويني، في ظل ظروف اقتصادية أجبرته أصلًا على سرقة التيار الكهربائي في ظل ما تشهده أسعار الكهرباء من زيادة "غير طبيعية" في أسعار الشرائح.

الهدف رغيف العيش

وفي السياق ذاته، لا يرى النائب البرلماني عن حزب التجمع أحمد بلال، أن توجه الحكومة في هذا الشأن يستهدف مسألة سرقة الكهرباء "وإنما توجه يستهدف رغيف العيش، لحذف أكبر عدد ممكن من المصريين بشكل مباشر زي ما بيحذفوا الناس كدا من بطاقات التموين ونقعد نجري وراها بالسنة والسنتين علشان نرجعهم تاني، وقليل اللي بيرجع تاني أو تسقطهم بأمور أخرى زي قصة سرقة الكهرباء دي".

ويضيف بلال "مع إقراري الشخصي بالوقوف ضد وعدم التعاطف مع جريمة سرقة التيار الكهربائي، إلا أن ذلك لا يمكن معه التغاضي عن أن جزءًا كبيرًا من المواطنين لجأ لهذا الأمر نتيجة حرمانه ومنعه من توصيل الكهرباء بشكل شرعي وقانوني بحجج من قبيل البناء المخالف وغيره "فيه جزء كبير من الناس دي حاول يدخل الكهرباء بشكل شرعي ومعرفش لأسباب عدة، وبالتالي فإحنا محتاجين نفرق بين دول وبين اللي بيسرق علشان ما يدفعش".

ويتفق بلال مع القول بمخالفة قرار الحكومة في هذا الشأن لمبدأ عدم ازدواج العقوبة بقوله "اللي سرق الكهرباء له عقوبة وخدها، وبالتالي لا يجوز قانونًا إنك تعاقب الشخص على نفس الفعل مرتين"، وأضاف "الأمر هنا بيبقى إمعان في إذلال الناس الحقيقة".

ويتساءل بلال عن كيفية تطبيق الحكومة هذه العقوبة على كل المتهمين بسرقة التيار الكهربائي في حين أن جزءًا كبيرًا منهم يتم محاسبته بنظام الممارسة، الذي يعني دفع الفرد مقابل استهلاكه من الكهرباء دون تركيب عداد، مؤكدًا عدم ضرورة التعامل مع كل متهم بسرقة الكهرباء وكأنه "من عصابة القناع الأسود".

ويتفق بلال أيضًا مع الطرح الخاص باتخاذ مثل هذه الإجراءات لتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي، مكررًا استهداف الحكومة من خلالها الدعم الموجه لرغيف العيش، باعتبار أن باقي السلع يتم دعمها بشكل نقدي وليس عينيًا، بالتالي فشغل الحكومة الشاغل هو رغيف العيش الذي تشغل تكلفته هو وباقي منظومة الدعم حوالي 3% من موازنة الدولة، في حين تستحوذ فوائد الديون على 47% منها.

وعلق "وبالتالي فالحكومة بتحمل الشعب دفع نتيجة فشلها هي في مسألة فوائد الديون التي لا يوجد عاقل في مصر وافق عليها".

وتابع "الحكومة الآن بتدور في دفاترها القديمة وعايزة المواطن هو اللي يتحمل نتيجة فشلها وتشيل عنه دعم العيش علشان تقلل عجز الموازنة".