يبدأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الأربعاء، زيارة رسمية لمصر، هي الأولى منذ 11 عامًا، بدعوة من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، لبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين العلاقات بين البلدين وتنشيط آليات التعاون الثنائي، وفق بيان للرئاسة التركية، فيما أشار مساعد وزير الخارجية الأسبق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا أحمد حسن إلى أن الزيارة "لا تعني انتهاء الخلافات بين البلدين".
وكانت آخر مرة زار فيها رئيس تركي القاهرة في فبراير/شباط عام 2013، عندما جاء الرئيس عبد الله جول إلى مصر خلال حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي للمشاركة في قمة إسلامية، فيما كانت آخر زيارة لإردوغان لمصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وكان آنذاك رئيسًا للوزراء.
غزة.. على الطاولة
وقالت الرئاسة التركية، في بيان الأحد الماضي، إنه سيتم خلال الزيارة المرتقبة لإردوغان "تبادل وجهات النظر حول القضايا العالمية والإقليمية الراهنة، خاصة الهجمات الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة".
وكان السيسي وإردوغان التقيا لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتصافحا على هامش افتتاح المونديال في قطر، ثم التقيا خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر/أيلول 2023، واتفقا على تدعيم العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.
جاءت لقاءات السيسي وإردوغان الأخيرة عقب عدة جولات رسمية لاستئناف العلاقات بشكل طبيعي، بعد سنوات من التوتر، دون تمثيل دبلوماسي منذ 2013، حين طردت مصر السفير التركي، واتهمت أنقرة بدعم منظمات تعمل على تقويض استقرارها.
وبعد المصافحة الشهيرة بين إردوغان والسيسي، في قطر، بدأ التقارب، إذ زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا؛ لإظهار تضامن بلاده بعد الزلازل المدمر في تركيا وسوريا في فبراير/شباط 2022.
ورفعت وزارتا الخارجية المصرية والتركية في يوليو/تموز العام الماضي التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد انقطاعها منذ عام 2013.
وتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا أحمد حسن، أن يكون جدول الزيارة مزدحمًا لتعدد الملفات المشتركة بين البلدين، سواء على مستوى التعاون الثنائي أو القضايا الإقليمية، وقال لـ المنصة، "على رأسها القضية الفلسطينية، ومحاولات وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وكذلك الملفات الإقليمية الليبية والسورية والسودانية".
وبخصوص التعاون الثنائي توقع حسن بحث سبل زيادة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وفرص الاستثمار الجديدة التي يمكن أن تدخل فيها تركيا أو التوسع في الاستثمارات القائمة.
وكانت وزارة التجارة والصناعة أعلنت أن حجم التجارة بين مصر وتركيا بلغ نحو 5.875 مليار دولار خلال 2023، وأن تركيا تعد أكبر مستقبل للصادرات المصرية خلال العام الماضي، ومن أهم الشركاء التجاريين لمصر.
ولفت حسن إلى أن الزيارة لا تعني نهاية الخلافات بين مصر وتركيا، فلا تزال هناك خلافات على المستويين السياسي والاقتصادي تعوق تقدم العلاقات "هيتبقى هناك تنافس، وطالما هناك تنافس، سيبقى هناك بعض الخلافات بين البلدين، لكن المهم أن هذه الخلافات لن يكون لها تأثير على مسار تقدم العلاقات بين البلدين".
وأوضح أن ملف التشاور بشأن القضايا الإقليمية من بين أهم الملفات التي ستكون مطروحة على أجندة اللقاء، وعلى رأس هذه القضايا يأتي الوضع في غزة، خاصة أن تركيا لها علاقات وثيقة بالجماعات الإسلامية في غزة، سواء حماس أو الجهاد، إلى جانب الجالية الفلسطينية الكبيرة الموجودة في تركيا.
وتابع "سيكون هناك تشاور عما تستطيع الدولتان تقديمه سواء مساعدات، أو جهود مع الأطراف الأخرى لوقف القتال، وإعادة الإعمار".
سرت والجفرة.. الخط الأحمر
ويبقى الموقف بشأن أزمة ليبيا محل خلاف بين البلدين، ففي يونيو/حزيران 2020، اعتبر السيسي أي تدخل مصري مباشر في ليبيا بات شرعيًا، مؤكدًا أن جاهزية القوات المصرية للقتال صارت "أمرًا ضروريًا"، وعارضت مصر ما اعتبرته تدخلًا تركيًا في الشأن الليبي، ورفضت قرار أنقرة ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا. وأعلن السيسي أن "سرت والجفرة خط أحمر" بالنسبة لمصر، ردًا على التدخل التركي.
لا تخفي تركيا أطماعها في النفط الليبي، سواء في البحر أو الحقول البرية، حيث كشف إردوغان وقتها عن أهدافه الحقيقية للتدخل في ليبيا، وتحدث عن حساسية عملية السيطرة على مدينة سرت ومحيطها بسبب وجود آبار الغاز والنفط.
وسبق تصريحات الرئيس التركي، تصريح وزير الطاقة في حكومته بأن بلاده تخطط لبدء عمليات التنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية التي تم تحديدها بموجب اتفاق مع حكومة الوفاق.
لكن حسن اعتبر أن مصر وتركيا لهما دور في حل أزمة ليبيا "وبالتالي بتعاون الدولتين وممارسة الإقناع على الطرف الشرقي والغربي في الأزمة ممكن يحدث تجاوب مع مقترحات المبعوث الأممي للإعداد لإجراء الانتخابات والخروج من هذه الحلقة المفرغة".
وتتصارع قوتان عسكريتان على السلطة في ليبيا منذ عام 2014، وبعد سيطرة كل منهما على أجزاء في البلاد تشكلت حكومتان؛ الأولى في الشرق مكلفة من البرلمان، والثانية في الغرب مشكلة بناء على اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة، ومعترف بها دوليًا، والتي تمثلها حاليًا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس، وترفض تسليم السلطة إلا عبر انتخابات.
وأدت الخلافات السياسية بين الأطراف في ليبيا، والاختلافات بشأن قانون الانتخابات إلى عدم إجراء الانتخابات الرئاسية والتي كان مقررًا لها 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.
وفي أبريل/نيسان الماضي أعلنت تركيا أنها ستعمل مع مصر على خريطة طريق تقود ليبيا إلى الانتخابات، مؤكدة أن من "مصلحة ليبيا أن يتعاون البلدان معًا".
عقدة سوريا
وفي ملف الأزمة السورية، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق "يمكن أن تكون هناك تفاهمات لأن تركيا ترفض حتى الآن وضع جدول زمني لانسحابها من الأراضي السورية، بينما النظام السوري مصرٌ على وجود جدول تركي للانسحاب من أراضيه".
وبينما تدعو مصر إلى احترام السيادة السورية، وترفض الوجود الأجنبي على أراضي الدولة العربية الشقيقة، توجد قوات عسكرية تركية داعمة للمعارضة، وفي 2020 زعمت وكالة أنباء الأناضول التركية إرسال مصر العشرات من جنودها إلى شمال سوريا، ما نفاه مصدر دبلوماسي مصري.
ونقلت الوكالة عن مصادر وصفتها بأنها عسكرية وموثوقة، القول إن 150 جنديًا مصريًا ينتشرون حاليًا في ريفي حلب الغربي وإدلب الجنوبي بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني "دخلوا سوريا عبر مطار حماة العسكري".
لكن في سبتمبر/أيلول الماضي، بعدما دعاه السيسي لزيارة القاهرة، أكد إردوغان أن عودة علاقات بلاده مع مصر قد تقود إلى نتائج إيجابية في الملف السوري.
مثلث شرق المتوسط
ورغم تحالف مصر وترسيم الحدود مع قبرص واليونان، اللتين على خلاف مع تركيا، فالأولى تحتل تركيا نصفها الشمالي، والثانية تهاجم جزرها الحدودية بين الحين والآخر، قال حسن "إحنا ملناش مشكلة، دورنا لا يتجاوز دور المهدئ، تركيا لا تعتمد على أساس قانون دولي للتفاوض عليه. وبالتالي أعتقد أن مصر لن يكون لها دور أكبر من التهدئة بين البلدين والترضية".
وأكد حسن أن الرئيسين قد يبحثان أيضًا الأزمة في السودان لعلاقة البلدين بأطراف مؤثرة في الصراع، إلى جانب مسألة التوتر في البحر الأحمر، وتهدئة الأوضاع هناك، بعدما بدأت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مهاجمة السفن ذات الصلة بإسرائيل في البحر الأحمر، ردًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا عسكريًا للرد على الحوثيين في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، حين نفذتا 73 غارة على اليمن.