تقدمت أرملة أحد ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2011 بدعوى قضائية دولية ضد المملكة العربية السعودية في تحرك سريع أعقب إقرار الكونجرس الأمريكي لقانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، المعروف اختصارًا باسم "جاستا"، وسط ترحيب من أهالي الضحايا.
أتى هذا بعد فشل البيت الأبيض في وقف إقرار القانون، الذي تبناه عضوا مجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، والجمهوري جون كورنين، ومرره الكونجرس بعد جدل ورفض من أعضاء آخرين، وعلى الرغم من استخدام الرئيس باراك أوباما حق "الفيتو" للاعتراض عليه، إلا أن القانون مر في الكونجرس بتصويت غالبية النواب.
وتعد الدعوى التي تقدمت بها ستيفاني روس دي سيمونيه هي أولى تداعيات القانون. وتقدمت ستيفاني بتلك الدعوى أمام إحدى محاكم واشنطن. ، واتهمت في دعواها المملكة بـ"تقديم الدعم لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، ما نجم عنه وقوع أحداث سبتمبر التي أدت لمقتل زوجها إثر سقوط إحدى الطائرات على مقر وزاة الدفاع الأمريكية "البنتاجون".
سابقة دولية
حدد القانون الجديد الدول وسُبل مقاضاتها في مادتيه الخامسة والسادسة، وتنص أولاهما على أن "الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تساهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو منظمات تشكل خطرًا داهمًا، أو ترتكب أعمال إرهابية تهدد سلامة مواطني الولايات الأمريكية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها، يُتوقع استدعاءها للمثول أمام المحاكم الأمريكية للرد على أسئلة حول تلك الأنشطة".
وأفادت المادة السادسة بأنه "للولايات المتحدة مصلحة حقيقية في دعم الأشخاص أو الجهات التي تتعرض للإصابة جراء هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة، بالمثول أمام النظام القضائي من أجل رفع قضايا مدنية ضد أولئك الأشخاص أو الجهات أو الدول التي قامت بتقديم دعم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أشخاص أو منظمات تعتبر مسؤولة عن الإصابات التي لحقت بهم".
تقول الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، لـ"المنصَة": إن إقرار هذا القانون سابقة "تخرق سيادة الدول"، لأنه ليس من المعتاد في القانون الدولي أن يقاضي مواطنون دولة، بل تكون مثل تلك الدعاوى بين دولتين أو أكثر في ساحة محكمة العدل الدولية. وأبدت اندهاشها من تحميل بلد مسؤولية أحداث 11 سبتمبر، في حين أن من نفذ مواطنون يحملون جنسيتها وينتمون لتنظيم جهادي، وليس البلد نفسه.
نفّذ هجمات 11 سبتمبر 2011، 19 شخصًا، بينهم 15 سعوديًا، أعلنوا جميعًا ولائهم لتنظيم "القاعدة".
اعتبارات انتخابية
صدر القانون الذي رفضته السعودية، في الوقت الذي تلملم فيه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أوراقها من البيت الأبيض، استعدادًا للرحيل قبل شهر واحد من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ستتبعها انتخابات أخرى تشريعية.
ويرى الدكتور عبد الخبير محمود عطا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط، لـ"المنصة" أن إصدار القانون في هذا التوقيت يأتي لاعتبارات انتخابية، كمحاولة من أعضاء الكونجرس لكسب أصوات الناخبين.
وتعد المملكة العربية السعودية أحد حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ويجمع كليهما عداء مع إيران، التي تصاعدت حدة توترها مع "الرياض"، في الوقت الذي بدت أزمتها الطويلة مع الولايات المتحدة في طريقها للحل بعد توقيع اتفاق دولي بشان البرنامج النووي الإيراني برعاية الولايات المتحدة في منتصف يوليو/ تموز 2015.
لكن "نهى بكر" ترى أن العلاقات الأمريكية السعودية تشهد "تدهورًا شديدًا"، تبدو معه المملكة وكأنها لم تعد الحليف الأساسي لـ"واشنطن"، وظهر ذلك -في رأيها- منذ الاتفاقية الموقعة مع إيران.
ولاقت المملكة دعمًا من إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي حذر من أن القانون "يُضر بالمصالح الأمريكية"، وبادر أوباما لاستخدام "الفيتو" الرئاسي ضد القانون.
ويعلّق "عطا" على ذلك بقوله إن الرئيس الأمريكي "يدرك جيدًا أن هذا القانون سيؤثر بالسلب على الأمن القومي الأمريكي، ويفتح الباب أمام بعض الدول لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ومقاضاة الولايات المتحدة على تدخلها في شؤونها الداخلية".
وحاولت السعودية الحيلولة دون إقرار القانون، لدرجة التلويح ببيع أصولها الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقدر بحوالي 750 مليار دولار أمريكي، وهو ما ينطوي في رأي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، نهى بكر، على خطر أن تلجأ الولايات المتحدة إلى تجميد تلك الأصول مقابل التعويضات المتوقعة، والبالغة 3 تريليون دولار، وهو ما يفوق الأموال السعودية والسندات الحكومية الأمريكية التي اشترتها السعودية.
أسوأ من "لوكيربي"
في عام 1988، وقع حادث تفجير طائرة أميركية أثناء تحليقها فوق قرية "لوكيربي" بأسكتلندا، ما أسفر عن وفاة 270 راكبًا على متنها، واتهمت الولايات المتحدة النظام الليبي، بتدبير الحادث، وانتهت المحاكمات الدولية للمتهمين إلى التصالح وتسديد ليبيا تعويضات لأسر الضحايا تقدّر بملايين الدولارات.
وينذر "جاستا" الآن، ومع بدء إجراءات أول قضية، بأن تشهد المنطقة العربية "لوكيربي" جديدة في ظل تورط متهمين من جنسيات عربية مختلفة "سعودية، ولبنانية، ومصرية" في الهجمات.
لكن "بكر" تشير إلى اختلافات جذرية بين الحالتين، بقولها إنه في حالة "لوكيربي" كان النظام الليبي يرعى الإرهاب بالفعل، حيث أعلن الزعيم الليبي وقتها معمر القذافي عن حمايته لمن قاموا بالعملية ورفض تسليمهم للمحاكمة، ولا ينسحب ذلك على حالة السعودية التي "لا توجد أدلة على تمويلها لمنفذي هجمات 11 سبتمبر، لا توجد علاقة بين الدولة والإرهابيين".
لكن أستاذ العلوم السياسية، لا تتفاءل بتبعات إقرار القانون، متوقعة أن يؤدي استمرار التقاضي إلى "وضع أسوأ من لوكيربي، لأن تعويضات ليبيا كان لأعداد ضحايا أقل". مضيفة أن في 11 سبتمبر الخسائر ليست في آلاف الأرواح فقط، بل وفي مبانٍ وخزائن ومستندات ومعلومات.
وتعاني المملكة العربية السعودية أزمة اقتصادية دفعتها لتخفيض رواتب كبار مسؤوليها، وهو ما التفت إليه بالتحليل مقال في موقع مجلة "فوربس" المتخصصة في الشؤون المالية. لمتناول المقال العبء الذي يلقيه القانون الجديد على كاهل البلد العربي، الذي كان يواجه بالأساس أزمة في أسعار النفط.
الدبلوماسية الهادئة
وينصح عبد الخبير عطا، بضرورة إدارة هذا الملف "بهدوء ودبلوماسية من قبل الدول العربية، لأن الأمر لا يتعلق بالسعودية وحدها، بل قد يطول دولًا أخرى، وهو ما يتطلب تحركًا مؤسسيًا في إطار عربي وإسلامي، وليكن تحت مظلة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي".
وتتفق معه "بكر"، مشيرة إلى أن السعودية تقف أمام خيارات أخرى لحل الأزمة، منها الاتجاه للجمعية العامة للأمم المتحدة، في محاولة لاستصدار قرار منها بوقف تنفيذه باعتباره يخرق قواعد القانون الدولي، عبر آلية "الاتحاد من أجل السلم"، التي لجأت إليها مصر لوقف العدوان الثلاثي، عبر تصويت ثلثي الجمعية العامة على القرار، والتي تقول إنها وإن كانت غير ملزمة إلا أنها تؤدي لضغط دولي.
وتكمل أستاذ العلوم السياسية، بقولها إن من بين الخيارات، الاتجاه إلى محكمة العدل الدولية لأخذ الرأي، أو توكيل محامين أمريكيين لإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا الأمريكية، حيث هناك عدة نقاط في القانون تخالف الدستور الأمريكي، وقد تقضي المحكمة بعدم دستوريته، بالتوازي مع الضغط المحتمل بورقة القواعد الأمريكية في السعودية.